موزمبيق-رباب حدادة-23–12-2020
موزمبيق :دولة الكنوز
تعد موزمبيق من أغنى الدول الإفريقية بامتلاكها أكبر رواسب للياقوت الوردي في العالم توجد خاصة في مقاطعة كابو ديلغادو ، وتمتلك شركة “جيم فيلدز” البريطانية امتيازًا بالمقاطعة يوفر حوالي 40 % من الصادرات العالمية من الياقوت.
كما تمتلك موزمبيق أكبر احتياطي للغاز في دول شرق إفريقيا وتاسع أكبر احتياطي عالميا يقدر بـ 5000 مليار متر مكعب، وقد انطلقت سلسلة من مشاريع الإستثمار في الغاز قدرت ب 130 مليار، وحسب مختصين ستحتل موزمبيق خلال عقد من الزمن المرتبة الرابعة عالميا من حيث التصدير.
كما تحتل موزمبيق الصدارة بأكبر منجم للغرافيت في العالم يقع في مدينة بالما.
وفيما يتعلق بإنتاج الفحم، تمتلك الدولة رابع أكبر منجم للفحم في العالم وتستثمره شركة “فال”.. وتطول قائمة الثروات في الدولة لكن بنسب أقل منها الذهب ،البوكسيت ،التانتلوم ،التيتانيوم.
تتصارع الشركات النفطية والغازية على المنطقة منذ عقد من الزمن أقدمها تمركزا “أناداركو” الأمريكية و« إيني» الإيطالية وتلتحق بهما كل من الشركة الفرنسية “توتال” و الأمريكية “إكسون”
وبرغم ضخامة الثروات إلا أن معدل التنمية البشرية ضعيف جدا إذ تحتل فيه الدولة حسب إحصائيات 2018 المرتبة 44 إفريقيا والمرتبة 180 عالميا، كما يعيش المواطنون بدخل ضعيف جدا حيث يقدر معدل الدخل الفردي في الدولة 1.2 دولار باليوم حسب إحصائيات 2018
كما تعرف الدولة فسادا سياسيا ونظام اجتماعيا طبقيا تخلد منذ الإستعمار البرتغالي، ونظام تعليم شبه غائب، ويظل حكرا على أقلية في المجتمع ما جعل المناخ الإجتماعي ملائما لتجذر الإرهاب الذي حل مع متطرفين إسلاميين ومسيحيين ليسوا من السكان المحليين والذي بدأ بدخول الدولة منذ 2007 واندمج المتشددون مع فئات من الشعب يعلمونها الفكر المتطرف والقيام بتعويض ومحاربة الأئمة المحليين الذين رفضوا إقامة معسكرات لتدريب الشباب وقام المتطرفون بالدعوة إلى مواجهة النظام السياسي القائم وتعويضه بالتعاليم الدينية بدعوى أنها السبيل الوحيد للخلاص وتحقيق العدل.
لذلك عاشت موزمبيق حالة من عدم الإستقرار والنزاعات الأهلية بين المحليين والمتطرفين من جهة وبين المعارضة والنظام السياسي من جهة أخرى
من انتفاضة شعبية الى تمرد إرهابي
انتشار الفقر وضعف المعيشة برغم ثروات البلاد جعل الغضب الشعبي يتنامى خاصة في مقاطعات الشمال الثلاث كابو ديلغادو ونياسا ونامبولا، حيث تتركز أهم الثروات والنشاطات الإقتصادية كالسياحة والزراعة مما أدى إلى اندلاع انتفاضات شعبية في أكتوبر 2017 تمكن على أثرها المحتجون من السيطرة على بلدة وميناء موسيمبوا دا برايا، لمدة يومين وهو الميناء الذي يتم من خلاله تصدير إنتاج قاعدة بالما غير أن الإحتجاجات أخذت منحى أخر بعد أن سيطر الزعماء المتطرفون على الإحتجاجات وعزلوا مدينة بالما عن باقي الدولة من خلال مسلحيهم الذين شاركوا في الإحتجاجات
وكان لهؤلاء القادة علاقات مباشرة مع تنظيم الدولة الإسلامية قبل 2017 وقد عززوا وجود التنظيم وتوسيع قاعدته بتمويل السكان للقيام بمشاريع واستقطاب الشباب لتبرز ملامح تنظيم “داعش” مع الإحتجاجات الشعبية في 2017 و سيطرته على مناطق عديدة.
وكان أغلب القادة المتطرفين قد تلقوا تدريباتهم في معسكرات في شرق إفريقيا أو غربها وهي مناطق تركز معسكرات “داعش” الكبرى
استيقاظ شبح الموت النائم
ظل المتطرفون و الإرهابيون يغذون الشباب في المنطقة بفكرهم المتطرف ويقيمون المعسكرات ويؤسسون تنظيما إرهابيا خفيا وسط السكان المحليين لتكون شرارة الإنتفاضات صافرة إيقاظ التنظيم النائم، فتنامت أعمال العنف والإرهاب في السنتين الأخيرتين ما دفع أكثر من 500 ألف موزمبيقي للنزوح أو اللجوء إلى مناطق أخرى فرارا من الأعمال الإرهابية في شمال البلاد.
في 9 نوفمبر 2020 ذبحت عناصر التنظيم 50 عاملًا زراعيًّا في إحدى قرى كابو ديلغاو، وأحرقوا المنازل وخطفوا النساء والأطفال في عملية كبرى، برروا تنفيذها بتسريب الأهالي لمعلومات تخص التنظيم وتحركاته إلى أجهزة الأمن. وتعد عملية الإستيلاء على الميناء الإستراتيجي الرئيسي لمدينة دي برايا بشمال البلاد التي نفذها التنظيم في أغسطس 2020 من أبرز العمليات العسكرية الخطيرة، إذ تمكن من خلالها من السيطرة على الجزر الساحلية بالمنطقة التي تنشط بها السياحة شمالا في مدينة بالما في سبتمبر 2020 ما شكل خطورة على الرعايا الأجانب وعلى الإستثمارات بهذا القطاع بعد طرد الموجودين وتهديدهم بالخروج، وترك الجزر للتنظيم.
وتتركز هجمات تنظيم داعش الذي استطاع استمالة جماعة الشباب المحلية (ASWJ) لولايته في منطقة كابو ديلغادو الغنية بالغاز الطبيعي والمعادن النفيسة
ويكثف التنظيم هجماته ضد العاملين في مواقع التعدين، ففي نوفمبر 2019 قُتل وأصيب العشرات في هجوم ضد شاحنة تابعة للمناجم، وفي أكتوبر 2019 قتل اثنان من رعايا روسيا العاملين بحقول الغاز على يد التنظيم.
تجاوز تنظيم «داعش» حدود موزمبيق ليصل إلى تنزانيا إذ هاجم 300 إرهابي من مقاتليه مركزاً تابعاً للشرطة في جنوب تنزانيا قرب الحدود في أكتوبر الماضي
ويبقى مؤشر الإرهاب الدولي لعام 2020، والذي أطلقه معهد الإقتصاد والسلام بسيدني الأسترالية مدخلا آخر على التأكيد بخطورة الأوضاع في البلاد، إذ احتلت موزمبيق المرتبة الـ15 عالميًّا ضمن أكثر الدول التي تأثرت بعدد ضحايا العمليات الإرهابية في صعود 8 مراكز عن تصنيف عام 2019.
مجموعة تنمية الجنوب الإفريقية والجهود الإقليمية لمجابهة الإرهاب
وأمام تنامي الخطر الإرهابي،اجتمع زعماء دول إفريقيا الجنوبية، لبحث أزمة انتشار الإرهاب في موزمبيق، ضمن سلسلة من الإجراءات الساعية إلى إرساء الأمن والإستقرار بالمنطقة بما يحول دون سفك الدماء، وتهجير المواطنين، وتبديد الموارد الإقتصادية التي تنعم بها البلاد.
وناقش القادة عبر قمة جمعت بين رؤساء كل من موزمبيق وزيمبابوي وجنوب إفريقيا وبوتسوانا، في مابوتو عاصمة موزمبيق في 15 ديسمبر 2020، سبل تقويض التطرف في البلاد، وكيفية مساعدة الحكومات على مواجهة الجماعات الإرهابية أمنيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا بعد سلسلة من الهجمات العنيفة التي ضربت البلاد.
وعقدت القمة برعاية مجموعة تنمية الجنوب الأفريقية المعروفة بـ(SADC)، التي تأسست في 1980 من أجل تحسين معيشة مواطني المنطقة، والإضطلاع بحل المشكلات التي تواجه الحكومات سياسيًّا و اقتصاديًّا، وحرصت المجموعة على الإجتماع عدة مرات خلال الشهور الماضية، لبحث الأزمة ذاتها التي تسببت في مقتل ونزوح آلاف المواطنين.
ينظر البعض إلى دعوة رئيس موزمبيق فيليب نيوسي أعضاء المجموعة للإجتماع في بلاده لحل أزمة الجماعات المنتشرة بالشمال، كأنه استعداد لتدخل عسكري إقليمي وشيك بالمنطقة، خاصة أن الرئيس قد سبق وطالب خلال الأشهر الماضية بالمساعدة الدولية، لأن بلاده لن تتمكن وحدها من صد العنف. ولكن تشير جهات الإعلام المحلي إلى أن الرئيس لم يطلب بعد من مجموعة تنمية الجنوب أفريقي التدخل عسكريًّا بالبلاد، بينما الواضح أن هذا سيبقى خيارًا مطروحًا بجدية خلال المرحلة القادمة، مع تعدد الهجمات الإرهابية، وسط تعدد المصالح الدولية في كابو ديلغادو التي تهدد الجماعات المتطرفة استقرارها السياحي والإقتصادي. ويُحتمل أن يشمل التدخل العسكري قوات أمنية من دول المنطقة ، كما ستمنح الشركات الأمنية الخاصة دورًا في هذا الإطار، وخصوصًا لحماية مصالح الدول الكبرى التي تستثمر في ثروة الغاز الطبيعي بمنطقة كابو ديلغادو بشمال البلاد، ولكن هذا يبقى احتمالا مرهونا بموافقة رئيس موزمبيق.