تقرير من إعداد: قسم البحوث والدرسات الاستراتجية الدولية
في ظل التطورات التي يشهدها الشمال الأفريقي للقارة، من حالة تتراوح بين الآمن الحذر أو الإستقرار النسبي الذي تعيشه دول المنطقة وما يحدث من متغيرات في دول الصحراء الكبرى، والإنقلاباتالأخيرة عقب النيجر: يطفو على السطح موضوع قضية الصحراء الغربية الذي بقي بلا حلّ رغم المساعي الفردية والجماعية لتسويته، وهو ما يشير الى الإستعمال المزدوج والمستمر للقضية كورقة ضغط حسب مصالح الدول المتدخلة في القضية منذ ان أدرجِت الصحراء الغربية في قائمة الأمم المتحدة للدول التي سيُنهَى استعمارها حيث صدر سنة 1966إعلان الأمم المتحدة الذي يدعو إلى حق تقرير المصير من خلال الاستفتاء ومن ثم تواصلت المقاومة الصحراوية حتى عام 1973 وهو العام الذي شهد تأسيس جبهة البوليساريو “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” .
الصحراء الغربية هي المنطقة الواقعة شمال غرب إفريقيا، عاصمتها العيون ومساحتها “266.000” كم² تحدها من الشمال المملكة المغربية بحدود “433” كم² ومن الشرق الجمهورية الجزائرية 42 كم² أكثر من 170.000 نسمة يعيشون في مخيمات اللاجئين بولاية تندوف الجزائرية الحدودية.
أما الموارد الطبيعية فتحتوي الصحراء الغربية على كثير من المعادن مثل “الفوسفاط، والحديد، واليورانيوم” كما يسود اعتقاد بوجود إحتياطي نفطي ضخم في سواحل المنطقة سنة 2006 بعد قيامها بمسح زلزالي ثلاثي الأبعاد وتوصلها إلى اكتشاف خمسة مواقع نفطيةإلى جانب تمتعها بثروة سمكية للصيد المكثف على طول ساحل المحيط الأطلسي.
- المواقف الدولية من القضية الصحراوية: موقف روسيا الإتحادية
تجدر الإشارة إلى أن الإتحاد السوفيتي أصر على حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير، والتسوية السلمية للمشكلة، لكنه أصر أيضًا على ضرورة مراعاة جميع أطراف النزاع، وهو ما قد يعني أن الاتحاد السوفيتي قد أعطى ضمنيًا بعض الشرعية للمطالبات المغربية الإقليمية.
إختلف موقف روسيا الإتحادية عن موقف الاتحاد السوفيتي،فروسيا تؤيد إجراء الاستفتاء، وهي أيضًا دولة عضو في بعثة مينورسو، كما لا تعتبر الصحراء الغربية جزءًا من المغرب ومع ان الموقف الروسي فيما يتعلق بنزاع الصحراء الغربية كان محايدًا تاريخيًّا، فإن مراجعة علاقاتها مع الجزائر وليبيا في المنطقة ككل تظهر أن الظل الروسي “السوفياتي سابقًا” كان يحوم دائمًا بالقرب من أحلام الصحراويين بالتحرير، فالاتحاد الروسي لا يخشى التصعيد في المنطقة بإعتباره شريكا عسكريا بالدرجة الأولى للجزائر، وشريك اقتصادي جيد للمغربوكلاهما يعتبر قضية الصحراء الغربية قضية مبدأ لا يتزحزح عنه- ويدعم في الوقت نفسه الصحراويين في حقهم في تقرير المصير.
- محاصرة أوروبا من غرب المتوسط
ويمكن ارجاع مساندة الاتحاد الروسي للقضية الصحراوية إستراتيجيتها في محاصرة أوروبا بعد الأزمة الأوكرانية من جنوب البحر الأبيض المتوسط باعتبار وان روسيا موجودة فعليًّا في كل دول المنطقة التي تتمتع بفائض ثروات من “الموارد الطبيعية” المصدرة إلى أوروبا ومنها ليبيا، والجزائر، ومالي، والنيجر كما تفضل روسيا، الجزائر بوصفها واحدة من أكبر مشتري الأسلحة لكنها في الوقت نفسه وسعت مؤخرًا شراكات تجارية ثنائية مع المغربوأعادت تنشيط العلاقات الدبلوماسية مع الرباط مما أظهر أن لها مصالح في كليهما.
- الضخ العسكري في الجزائر وايران على الخط
ورقة الصحراء الغربية ورقة ضغط روسي استراتيجي بالمنطقة يمكن استعمالها إن لزم الأمر في أي وقت فقرابة 78% من الأسلحة التي باعتها روسيا للقارة الإفريقية بين عامي “2013 و2017” في الجزائر، حليفها الرئيسي في المنطقة المغاربية، في حين زودت الجزائر قوات جبهة البوليساريو بالعتاد العسكري منذ السبعينيات.
من جهة اخرى كان الصحراويون يمتلكون دبابات مختلفة من طراز تي-55 (T-55)، وصواريخ أرض- جو ستريلا K32 Strela وبنادق هجومية من طراز أيه كيه (AK-47)، وقاذفات صواريخ كلها سوفيتية الصنع.
إن مشاركة موسكوبشكل مباشر أو غير مباشر في الإمدادات العسكرية الصحراوية ليس سرًّا، لكنها تحاول دائمًا الحفاظ على موقف دبلوماسي محايد فيما يتعلق باستفتاء تقرير المصير كي لا تخسر جميع شركائها في المنطقة خصوصا بعد اتهامات وجهتها كل من السعودية والامارات لإيران على خلفية اتهامها بتسهيل تسليم الأسلحة إلى جبهة البوليساريو ومدّها بالدعم اللوجستي والتقني عن طريق السفارة الإيرانية في الجزائر، ومن خلال حزب الله، وكيل إيران في لبنانو لقد أنكرت جبهة البوليساريو والجزائر هذه الاتهامات وحذّرتا من أن ما تسعى إليه الرباط، من خلال سوقها اتّهامات عن تواطؤ بين إيران والبوليساريو، هو عرقلة إمكانات حدوث مباحثات مباشرة.
ومن ذلك كان لروسيا دور في حشد التأييد في المنطقة المغاربية لصالح السياسات الجزائرية ومن بينها قضية الصحراء، وفي هذا الصدد، كان الإجتماع الذي عُقد في جانفي 2023 بين الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي والوفد الروسي المشارك في المؤتمر السادس عشر لجبهة البوليساريو، حيث أبرز نائب رئيس الحزب الشيوعي الروسي فيه “تضامنه غير المشروط مع القضية الصحراوية، واعترافه بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال”، مشددًا بدوره على أنهم “نجحوا في توعية أكثر من تسع وثمانين منظمة روسية بشأن مسألة الصحراء الغربية”، وأن “موقفه سيبقى ثابتًا حتى يفرض الشعب الصحراوي سيادته”.
الخلاصة
تفضل روسيا منذ فترة طويلة الجزائر بوصفها واحدة من أكبر مشتري الأسلحة وتعتبر حليفا إستراتيجي في منطقة شمال غفريقيا له وزنه، لكنها في الوقت نفسه وسعت مؤخرًا شراكات تجارية ثنائية مع المغرب، وأعادت تنشيط العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، مما أظهر أن لها مصالح في كليهما. ولكن تبقى الجزائر الأقرب الى الحلف الروسي وبالتالي تحاول روسيا البوتينية اللعب على أوتار المنطقة بصورة تكتيكية واضحة وخفية في نفس الوقت فلكلا البلدين ثقل إستراتيجي.