غابورون-بوتسوانا:أميرة زغدود 28-11-2020
انعقدت أمس الجمعة، اجتماعات قمة استثنائية لرؤساء كل من بوتسوانا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالاوي وجنوب إفريقيا وزمبابوي، في غابورون عاصمة بوتسوانا.
خرجت هذه المحادثات الأمنية العاجلة بالإتفاق بالإجماع بين قادة دول جنوب إفريقيا على توجيه “رد إقليمي” على الهجمات الإرهابية التي تنطلق من شمالي موزمبيق التي ينفذها عناصر الشباب المتشددة وسط غياب معالم الصلات التي يمكن أن تربطهم بالجماعة الحاملة لنفس التسمية والمتمركزة بالصومال .
وقد كثف المتشددون في الآونة الأخيرة نشاطاتهم بشمال موزمبيق وعملوا على بثَ الرعب طيلة حوالي ثلاث سنوات لغاية إقامة خلافة في المنطقة المعروفة بثرواتها الغازية. وقد تبنى تنظيم “داعش” بوسط إفريقيا مسؤوليته عن الهجمات المتزايدة التي يشنها المتشددون بالمنطقة.
وأعرب القادة المجتمعون ، تحت راية مجموعة تنمية إفريقيا الجنوبية (سادك)، عن قلقهم المتزايد حيال الأعمال الإرهابية خاصَة في محافظة كابو ديل غادو. فمنذ عام 2017، راح ضحية هجمات المتطرفين أكثر من 2000 شخص، وأدت الى نزوح ما يفوق على 400 ألف شخص كلاجئين إلى بلدان مجاورة.
إفريقيا مسرح الإستعراض الجديد:
أصبحت أغلب دول القارة الإفريقية مرتعا للتنظيمات الإرهابية ولتنظيم “داعش” بدرجة واضحة، فأضحت المسرح الجديد الذي تستعرض فيه عضلاتها بعد تفككها بمنطقة الشرق الأوسط عقب الخسائر المتلاحقة التي مُنِيت بها في سوريا والعراق ، فسعت إلى إيجاد مواقع جديدة للتمركز بها .
ويبدو أن موزمبيق هي مغارة علي بابا التي يبحث عنها الحراميون، فهي ذات ثروات جمة يسيل لها لعاب الجماعات المتطرفة ، وبالنظر إلى الترابط الديمغرافي بين بلدان إفريقيا وعلى خلفية الصراعات والتوترات الإثنية كان من السهل التغلغل والتمدد بمنطقة الساحل ليخترق من ثم تخوم الغابات الإستوائية وصولا إلى موزمبيق وجوارها.
استغلت تلك الجماعات حالة التمرد ضد السلطة وسيناريو الفوضى المتواتر بشمالي البلاد فكانت مهمتها سهلة بشن هجومات إرهابية في إطار التعاون مع جماعات متطرفة سالفة الوجود بالبلاد.
وتتزايد مخاوف المحللين والهيئات الدولية المهتمين بتمدد الحركات “الجهادية” بالجنوب الإفريقي حد التسليم بأنّ توغل هذه الحركات والتنظيمات قد يؤدي إلى سيناريو دلتا النيجر في نسخة ثانية.
يشترك حوض دلتا روفوما والمناطق المحيطة به في موزمبيق بسمات كالموجودة في دلتا النيجر، والتي حسب آراء بيولوجيين ،أوجدت ظروفا لرواسب الهيدروكربونات وبالتالي احتياطات نفطية وغازية مهمّة ، ولكن الفشل الذريع للدولة في حسن الإستثمار نتج عنه ظهور جماعة بوكو حرام المتطرفة التي ساهمت بطريقة فاعلة في زعزعة الإستقرار، فتركَزعملها على نشر الفوضى بالدول المجاورة على غرار الكاميرون والتشاد والنيجر.
أيضا التدافع الدولي على موارد اقليم كابو ديل غالو، والتركز الإقتصادي للشركات متعددة الجنسيات أسهم في تهميش المجتمعات المحلية ، والأمر الذي زاد في تعمق الأزمة فعلا هو الحملة الأمنية التي قامت بها الحكومة ضدّ حركة الشباب بموزمبيق كردَ على هجوماتها .
جماعة الشباب في موزمبيق
عرفت باسم “أهل السنة والجماعة” ويطلق عليها حاليا “حركة الشباب”، غير أنها تختلف عن حركة “الشباب” فى الصومال.. بدأت كحركة دينيّة منذ ظهورها أول مرة عام 2015، والمتمعن في خصائص جماعة الشباب يجدها تتشابه بشكل كبير مع جماعة “بوكو حرام” فى نيجيريا. تمثلت نشأتهما فى إطار العمل المؤمن بفكرة ” الحاكمية” لتصطدم مع الدولة، ثم عملت على تشكيل فصائل عسكريّة، ودخلت فى حرب عصابات.
فى البداية، كان لدى الجماعة ما يقارب 50 مقاتلًا، لكن عددهم ارتفع إلى قوة مسلحة تزيد عن 300 مقاتل، ويقدر عددها اليوم بـ 1500 عنصر يعملون فى خلايا صغيرة على طول الساحل الشمالى بموزمبيق.
خطورة «الشباب» لاتتوقف على نشاطها الإرهابي في منطقة بعينها بل بقدرتها على تشكيل شبكة علاقات مع التنظيمات المتطرّفة فى أماكن أخرى بإفريقيا ، وحسب تقارير إعلامية،أدى تواصل هذه الحركة بجماعة “الشباب الصومالية” إلى تحول بعض قادة الشباب الصومالي لتدريب عناصر الجماعة فى شمال موزمبيق، الأمر الذي قد يفتح الباب مستقبلًا أمام نسج علاقات مشابهة بالتنظيمات الفرعيّة التابعة لـ”القاعدة” مثل حركة”المرابطون”.
ومن الواضح أن التوترات السياسيّة والمشاكل الإجتماعيّة والاقتصاديّة شكلت بيئة خصبة لتغوّل التنظيمات الإرهابيّة بدول إفريقيا من قبيل حركة “الشباب” المحليّة التى أصبحت أكثر عنفًا بمرور الوقت، ودفعت نحو دخول موزمبيق في دوامة الإرهاب المحلي و الدولى وحولتها إلى غنيمة في نظر تنظيم “داعش” الإرهابيّ، وجعلت منها محطّ أنظار التنظيمات المتطرفة الأخرى على المدى غير البعيد .