تونس-5-8-2021
ظلت السنوات الأخيرة من رئاسة الغنوشي لحركة “النهضة” حافلة بالأزمات المتتالية سواء على مستوى الداخل، والصراع المستميت بينه وبين قيادات الحركة، أدّت إلى انشقاق بعض أبرز قادتها، أو على مستوى التعامل السياسي ما بين النهضة ومكونات العملية السياسية في البلاد.
وعلى مدار فترة ترؤس الغنوشي البرلمان،لم يمر يوم بدون أزمة مع هذه الكتلة أو تلك داخل البرلمان الذي جيّره لخدمة أجندته محليا وخارجيا، وعمل على اختلاق صراع مع الرئيس التونسي قيس سعيد،علاوة على
محاولات اختراق وتطويع المؤسسات وفي مقدمتها القضائية..
لم يبدأ تصدّع حركة “النهضة”والإنقسامات داخلها مع إنتفاضة 25 يوليو 2021 بعد عقد من المماطلة والتغول والتطاول على الجميع بما في ذلك هيبة الدولة، بل كانت رائحة التصدع تفوح من “قلعة الجماعة” منذ سنوات برغم محاولات التكتم والتطويق.. حدثت سلسلة استقالات من الصفّين الأول والثاني، وتوضّح التصدع أكثر منذ المؤتمر التأسيسي العاشر الذي شدّد قياديو الحركة خلالها على ضرورة رحيل الغنوشي من على رأس الحركة، غذّته بعد سنوات رسالة موجّهة إلى الغنوشي من مائة قيادي لترك الحركة والبلاد في سلام..
اشتدت حدة الأزمة داخل الحركة بعد أن كشف الرئيس التونسي قيس سعيّد، أطماع الجماعة في السيطرة على مقدرات البلاد وتصدى لهم بالطريقة القانونية حيث استخدم الفضل 80 من الدستور التونسي، وقرر تجميد كل سلطات مجلس النواب ورفع الحصانة عن كل أعضاء البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة..
الناطق الرسمي باسم حركة النهضة فتحي العيادي،أعلن أن خليل البرعومي، استقال من المكتب التنفيذي ومن مسؤولية الإشراف على مكتب الإعلام في حركة وقال البرعومي لإذاعة موازييك، إن سبب استقالته هو الحراك الشعبي ضد “النهضة” واستجابة لقرارات رئيس الجمهورية، مضيفا: كنا ننتظر مراجعات من قيادات الحركة لكنها لم تستجب للحراك الشعبي والاحتجاجات، موضحا أن راشد الغنوشي قد أخطأ”. “
قبل ذلك استقال الوزير الأسبق زياد العذاري،والقيادي بالحركة لطفي زيتون وكذلك عبد الحميد الجلاصي…
لم تكن هبة الشعب في 25يوليو سوى القطرة التي أفاضت الكأس المرّ الذي أرهق الشعب التونسي سنوات من حكم الجماعة ، والقطرة التي طفت بعدها على السطح الصراعات الإخوانية بشكل خطير صلب الحركة ..
لقد هبّ الشعب في يوم تاريخي له رمزيته في تاريخ الدولة المدنية الحداثية
وبرغم محاولات الغنوشي طيلة السنوات السابقة حجب الدخان الأسود من التسرب من “قلعته الإخوانية” إلا أن التصدع أصاب هذه القلعة وفاحت رائحة الصراعات، وكان من أبرزها تلك العريضة التي وقعها مائة قيادي بحركة النهضة من أجل التغيير واستبعاد الغنوشي الذي ظل مهيمنا ومتحكما في القرار وكل التفاصيل طيلة قرابة نصف قرن من الزمان..
اجتماع ما يسمى”مجلس شورى”الحركة شهد صراعا بين تيارين يسعى كلاهما إلى إزاحة الآخر..ومثلما فعل أستاذه الترابي مع تلاميذه، فإن موقف الغنوشي يوضح بجلاء أن الرجل سيمضي في حشد أنصاره لمنازلة التيار الآخر.. فهل تأكل حركة النهضة التونسية “أباها” مثلما فعلت نظيرتها السودانية مع مؤسسها الذي قادها إلى السلطة؟