الثلاثاء. ديسمبر 24th, 2024


قسم البحوث و الدراسات الدولية بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية و العسكرية

اعداد : رباب حدادة


تعتبر ظاهرة النزوح الداخلي ظاهرة عالمية تتفاقم من سنة إلى أخرى، ولاسيما في الدول الأفريقية التي كثيرا ما تشهد نزاعات مسلحة وكوارث طبيعية.

وتقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاّجئين، إنّ ” الأشخاص يضطرون إلى النزوح داخل بلدهم بسبب الصراع أو العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان أو الكوارث الطبيعية.

ولا يعرف بعض العابرون للحدود هربا من الاضطهاد والحروب أنهم محميون بموجب اتفاقيات دولية ويعتبرون من الناحية القانونية “لاجئين”.

في حين أن الأشخاص الذين يغادرون منازلهم ومناطقهم الأصلية بينما يبقون في بلدهم يصبحون من”النازحين داخليا “وتصبح حمايتهم مسؤولية دولتهم ، ولكن في كثير من الأحيان لم تعد دولهم قادرة على كفلهم لأسباب إقتصادية”.  


 وتقول تقارير الأمم المتحدة إن هؤلاء المتنقلين داخليا يعيشون  في حالة تهميش اجتماعي، ويعتبرون الهدف الأكبر للمتطرفين والمافيا، على الرغم من أن النزوح الداخلي ظاهرة اجتماعية وجغرافية، فإن له عواقب وخيمة على الأمن في إفريقيا.

1-إحصائيات مخيفة

تبيّن الإحصاءات العالمية أن عدد النازحين عام 2018 يبلغ حوالي 28 مليون شخص وارتفع إلى 45.7 مليون شخص في عام 2020 وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ويكشف التقرير العالمي IDMC لعام 2019 بشأن النزوح الداخلي عن المزيد من الأرقام المثيرة للقلق بشأن تدفقات السكان داخليا في مختلف مناطق العالم، ونجد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على رأس القائمة مع إحصائية من 69 ،1 في المائة من العدد الإجمالي للنازحين بسبب النزاع المسلح، بما في ذلك إثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، نيجيريا، والصومال، وهي الدول الخمس التي شهدت أكثر حالات النزوح الجديدة (36% من المجموع العالمي/10.057 مليون في عام 2018(.

[1]

ووفقا لما ذكره الباحث ويندي ويليام ، فإن “أزمة الهجرة” في أفريقيا هي “أزمة النازحين” على نحو أدق وبعبارة أخرى ، فإن الهجرة إلى أوروبا هي مجرد أزمة نزوح السكان في أفريقيا “.

2-الفرار من الحرب نحو المجهول


هناك عدة عوامل تمثل المحرك الأولي لتيارات النزوح الداخلي، وأهمها العنف (الإجرامي والسياسي والاجتماعي)، إذ أن الصراعات المسلحة ، وتوسيع الشبكات الإرهابية ، والصراعات العرقية هي مصدر الرعب لهؤلاء المشردين الذين يجدون أنفسهم مجبرين على مغادرة ديارهم مع الأمل في إنقاذ حياتهم وحياة أطفالهم ، الذين يمثلون 28 مليون من مجموع عدد اللاجئين.

أغلب تيارات النزوح الداخلي يكون سببها النزاعات المسلحة والانتهاكات الصارخة لقوانين الحرب من خلال الهجوم جعل المدنيين و ممتلكاتهم و المرفقات الحياتية أهدافا للهجمات المسلحة و ذلك ما يؤدي إلى انقطاع الخدمات الضرورية و السلع خاصة المواد الغذائية  تحت التهديد المتواصل لبقائهم يجبر السكان في مناطق الحرب إلى مغادرة بيوتهم نحو المجهول طلبا للامان و لكن اغل عمليات التنقل الداخلي تنتهي بهم إلى التشرد و الجوع.

و في شهادة لإحدى الضحايا الواردة في تقرير الهلال الأحمر تؤكد : “كل ما كنت أفكر فيه هو إنقاذ أطفالي وإنقاذ أرواحنا، ولم أكن أفكر أبداً في  المكان الذي كنا نقصده أو ماذا كان يجب علينا أن نأخذه من الأغراض، لم يكن أحد يفكر إلا في إنقاذ نفسه”.[2]
لم تكن الحرب فحسب ، بل كانت الطبيعة أيضاً قاسية بالنسبة لهذه الفئة من السكان الذين كانوا ضحايا للجوع (الجفاف ، ودرجة الحرارة الشديدة) و الخوف (الحرائق ، والانهيارات الأرضية ، والفيضانات ، وما إلى ذلك بسبب العوامل المناخية (

استمرار هذه العوامل يعني استمرار هذه الأزمة الإنسانية و تفاقمها و على الحكومات الإفريقية أن تكون أكثر وعيا في رصدها و معالجتها و من الملاحظ أن عدد كبير من الدول الإفريقية تنكر أساسا وجود تيارات هامة من النزوح الداخلي.

3-الآثار الأمنية لظاهرة النزوح الداخلي في أفريقيا



لتيارات النزوح الداخلي تأثير مباشر على الأمن في إفريقيا فهي إحدى عوامل تمويل الإرهابيين و شبكات المافيا فالطرق التي يسلكها المتنقلون داخليا  هي  ذاتها الطرق التقليدية لتجارة الأسلحة والتهريب وتنجذب هذه الجماعات المسلحة بضائع المسافرين لتقوم بعمليات السرقة و السطو و فرض الضرائب  ، مستخدمة العنف للسيطرة على الطرق غير المؤمنة من قبل قوات الدولة.

يقع النازحون أيضا ضحايا للاتجار بالبشر ، ويقدر أن الدخل المتأتي من الاتجار بالبشر على طول الطريق العابر للصحراء الكبرى ، بما في ذلك في ليبيا ، يبلغ حوالي 765 مليون دولار سنويا.

وفقا لمعهد الولايات المتحدة للسلام:”بالنظر إلى حجم أنشطة الاتجار بالبشر في ليبيا ، لا شك أن المهاجرين واللاجئين أصبحوا سلعة تغذي اقتصاد الحرب في المنطقة وتساهم في تمويل المجموعات المتمركزة و المسئولة عن الإخلال المستمر بالنظام العام”

يفقد السكان المتنقلين ممتلكاتهم إما في الحروب والصراعات أو أثناء السفرو كثيراً ما يجدون أنفسهم في ظروف اجتماعية بائسة ، والتي كثيراً ما تنتج أزمات إنسانية حادة (60% من المشردين يعيشون في المخيمات(

لكن أخطر النتائج هي تعزيز القوات الإرهابية من جانب هؤلاء الضحايا  المشردين و العاجزين عن توفير الموارد مالية. والواقع أن هؤلاء المواطنين، تحت ضغط أوضاعهم الأمنية والاقتصادية  والاجتماعية، كثيرا ما ينتهي بهم المال أفراد ضمن الجماعات المتطرفة والمافيا التي تستقطبهم لتعزيز صفوفها.

ولهذا السبب يجب أن تدرك الدول خطورة العواقب المذكورة على الأمن في أفريقيا. وبالتعاون مع منظمات الإقليمية في إفريقيا، يتعين عليها أن تضع سياسات مشتركة تمكن من الاندماج الاجتماعي للنازحين(التعليم،والوظائف، والإسكان ، والصحة ، وما إلى ذلك( كأحد أهم الطرق لوقف تأثير الجماعات المتطرفة و الإجرامية على السكان النازحين خاصة الأطفال و الشباب و تعد “بوكو حرام” أهم تنظيم إرهابي يعمل على تجنيد الأطفال .


[1]تقرير 2020 لمركز رصد التنقلات الداخلية International Displacement Monitoring Centre ( IDMC)

مريم من قبيلة “فلاتة”شمال مدينة قريضة غرب السودان ، كانت و أطفالها الأربع ضمن تيارات النزوح الجماعيأثناء  الحرب في  دارفور في السودان [2]

تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، تيارات النزوح الداخلي في النزاعات المسلحة :التحديات،ماي 2010.