السبت. نوفمبر 23rd, 2024

اعداد : قسم البحوث والدراسات الافريقية

الاشراف والمراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

العلاقات الجزائرية القطرية تشهد تطورا لافتا في مجال الإستثمار والتبادل الإستثماري والإقتصادي والتعاون التجاري الكبير وكذلك تقارب كبير على المستوى السياسي…

فمنذ إعتلاء الرئيس عبد المجيد تبون سدة الحكم وضمن إستراتجيته للعلاقات الخارجية والاستثمار السياسي والاقتصادي مع دولة قطر، وصار يتجلى هذا التقارب في إبرام اتفاقيات في مختلف المجالات وتبادل الزيارات بين قائدي البلدين في عدة مناسبات سياسية ورياضية، ككأس العالم مؤخرا حيث حضر تبون افتتاح كأس العالم في قطر ولم يحضر القمة الفرنكوفونية في تونس وطبعا كانت هذه رسالة من الجزائر الى فرنسا التي تقود الفرنكوفونية وليست رسالة الى تونس.

وتفرّعت عن هذا التقارب السياسي في أعلى مستوى زيارات بين رجال أعمال ورؤساء رابطات ومجموعات اقتصادية واستثمارية، أفضت إلى إبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم، من بينها التوقيع على اتفاقية إطار بين الجزائر وقطر، يوم 03 جانفي 2023، تقضي بتعزيز التعاون والإستثمار في مجال تطوير وتسيير وحدات فندقية تابعة للمجمع العمومي “فندقة سياحة وحمامات معدنية” من قبل الشركة القطرية “رتاج” للفنادق والضيافة، وهو مجمع تتبع إليه كل الفنادق العمومية المنتشرة عبر التراب الوطني وعدة مؤسسات وفروع سياحية، وكان يشهد، بالرغم من الإصلاحات والمجهودات، صعوبات في إقامة نموذج سياحي يستقطب السائح المحلي والأجنبي، فيما يتعلق بالأسعار والخدمات وكذا عقم في التصورات والمنتجات السياحية والتسويق لها بالجزائر.

وتنص هذه الاتفاقية التي وقع عليها كل من الرئيس المدير العام للمجمع، “محمد أنور بن عبد الواحد”، ورئيس مجلس المديرين لشركة “رتاج” القطرية، “الشيخ نايف بن عيد آل ثاني”، تحت إشراف وزير السياحة والصناعة التقليدية، “ياسين حمادي”، على “تعبئة الاستثمارات اللازمة للارتقاء بالوحدات الفندقية، تماشيا مع المعايير المعمول بها دوليا والرفع من جودة الخدمات في هذا المجال”.

وستعمل شركة “رتاج” القطرية للفنادق والضيافة، في إطار هذه الإتفاقية على دعم الفنادق التابعة للمجمع والبالغ عددها 73 فندقا في مجال التسيير والتأهيل وتحسين الخدمات لإستقطاب السياح، وهو ما أعتبره وزير السياحة “إستفادة من خبرات وتجارب الشركة القطرية”.

وفي شهر أكتوبر الماضي 2022 إستقبل تبون، رئيس رابطة رجال الأعمال القطريين، الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، والوفد المرافق له، تناولا ملف الاستثمار والتعاون في المجال الصحي، بحضور وزير الصحة “عبد الرحمان بن بوزيد”.

وبحسب المعلومات المتوفر قطر تعتبر الحزائر دولة يمكن الاستثمار فيها ويمكن وضع كل “البيض في سلتها” وذلك لأهمية السوق الجزائرية والإمكانيات الطبيعية والإقتصادية الكبيرة للبلد، إضافة لوجود أراض شاسعة وخصبة تهم المستثمرين في المجال الزراعي.

واللافت للنظر فان قطر هي أكبر مستثمر عربي في الجزائر وتستحوذ على 74% من مجموع الاستثمارات الأجنبية بالجزائر.

كما أن الجزائر قد استحدثت جملة من القوانين والنصوص التشريعية بما يتوافق والمعايير العالمية لتسهيل الإستثمارات في الجزائر وخاصة التسهيلات القانونية الكبرى للمستثمرين القطريين، بالإضافة إلى التشابه الكبير في مناخ الاستثمار في البلدين وأيضا موقع الجزائر الذي يقدم مميزات كبيرة للمستثمرين وإنفتاحها على السوقين الأوروبية والإفريقية.

كما تتمثل المجالات المستثمر فيها والمرشحة للاستثمار للقطريين في الجزائر في قطاعات التعدين والأدوية والسياحة والصناعة والخدمات والزراعة والفلاحة والسياحة والتعليم…

وبحسب القطريين أن الزيارات التي قاموا بها للجزائر كانت “موفقة” وتؤكد أن مناخ الاستثمار في الجزائر “مختلف عن السابق”، مشيرين إلى أن قانون الاستثمار الجديد “يخدم المستثمرين” وأن الموقع الإستراتيجي للجزائر ومؤهلاتها تؤهلها لتكون “أهم دولة في المنطقة”.

وهذا ما يؤكد عليه أبرز الخبراء الجزائريون “نحن سنستغل الضرفية العالمية والاقليمية من أجل فتح باب الإستثمار في الجزائر وتقويه الإقتصاد الجزائري وقد غيرنا نهجنا في إختيار شركائنا الدوليين، فهذه فرصة الجزائر…”

ومن بين المشاريع التي تندرج في التقارب الجزائري القطري مشروع المستشفى الجزائري القطري الألماني، إلى جانب الشركة الجزائرية-القطرية للصلب المتواجدة بالمنطقة الصناعية بلارة ببلدية الميلية ولاية جيجل، التي دخلت حيز التنفيذ وصارت تدرس خطط بداية تصدير الفائض، حيث تعتبرها سلطات البلدين بمثابة ثمرة شراكة اقتصادية عربية ناجحة في ميدان تصنيع الحديد.

وكان نائب المدير العام للشركة، “سفيان شايب ستي”، قد كشف عن مشروع توسعة هذا المركب في إطار “إستكمال مسار نجاح الشركة بصفة خاصة والشراكة العربية-العربية بصفة عامة”، مبرزا أن الخطوة مؤشر على دخول الشركة مرحلة دراسة الجدوى وتحديد أهم احتياجات السوق المحلية والمتوسطية وحتى العالمية. وساهم المركب الذي يتربع على مساحة 216 هكتار، في تنويع منتجاته وتغطية إحتياجات السوق المحلية بالمواد الحديدية للتقليل من الواردات، فضلا عن توفير منتجات تحتاجها الأسواق الدولية ومن ثمة تنويع وتوسيع دائرة الصادرات خارج المحروقات.

من خلال توفير حديد التسليح بكل المقاسات وكذا اللفائف والأسلاك الحديدية، يتجه الآن نحو إضافة منتجات متنوعة، على غرار الأنابيب والمسطحات الحديدية وخطوط السكة الحديدية ومنتجات أخرى ستحددها دراسة الجدوى التي ستكون جاهزة نهاية السداسي الثاني من العام القادم 2023″.

وبلغة الأرقام، ساهم المركب في إستقطاب اليد العاملة محليا، وسط توقعات أن يرتفع عدد مناصب الشغل المباشرة من 2.400 عامل إلى 4000 عامل، ناهيك عن مناصب العمل غير المباشرة التي ستكون بالآلاف.

كما حقق إلى غاية نهاية أكتوبر المنقضي إنتاجا يقدر بنحو 1.1 مليون طن من المنتجات، على أن يصل نهاية السنة الجارية حدود واحد فاصل ثلاثة 1,3 مليون طن يوجه نحو 80 بالمائة منه إلى السوق المحلية و20 بالمائة نحو التصدير لعديد الدول بأوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا بقيمة مالية تعادل 150 مليون دولار، على أن يصل الإنتاج حدود 4 ملايين طن بعد دخول المرحلة الثانية حيز الخدمة.

 وكان “محمد بن طوار الكواري”، عضو مجلس إدارة غرفة قطر، قد كشف في لقاء مع الرئيس تبون، بالدوحة مطلع العام الفائت، أن نسبة نمو التبادل التجاري بين البلدين في العام 2021 قد ارتفعت بنسبة 12%، حيث بلغت قيمته نحو 148 مليون ريال قطري مقابل 132 مليون ريال في العام 2020.

وأشار “بن طوار” إلى وجود نحو 52 شركة قطرية جزائرية مشتركة تعمل في السوق القطري في قطاعات متنوعة مثل التجارة والمقاولات والخدمات والأزياء والمفروشات والديكور والتعليم، منوها إلى أن السوق القطري يرحب بالشركات الجزائرية وهنالك فرص كبيرة لإقامة شراكات وتحالفات بين الشركات القطرية والجزائرية لإقامة مشروعات مشتركة، سواء في قطر أو الجزائر.

الخلاصة:

ولا تزال وتيرة الشراكة القطرية الجزائرية تشهد منحنى تصاعديا، متجاوزا الكثير من الشراكات التقليدية التي ظلت متواجدة في السوق الجزائرية، على غرار الفرنسية والأوروبية.

الجزائر تستغل الظرفية الاقليمية والدولية وتنتهج منهجا جديدا لتطوير الإستثمار والانفتاح على شركاء جدد من أجل الإقلاع الاقتصادي فتنوعت شراكاتها مع دول الخليج وكذلك مع عملاق الإقتصاد العالمي الصين.