الخميس. ديسمبر 26th, 2024

عرفت تونس منذ الاجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد والتي تم بمقتضاها تعليق عمل البرلمان والعملبدستور 2014 العديد من المحطات الفارقة في سيرورة التدابير الاستثنائية، من ذلك اتخاذ كل الاجراءات التي تواصل بموجبها عمل القطاعات الحيوية والحياتية للدولة بهدف المحافظة على السير العادي للمرفق العام ولمؤسسات الدولة.

ولما كان تعليق أشغال البرلمان مطلبا شعبيا بامتياز أكدته الحركات الاحتجاجية العارمة التي عمت أغلب ولايات وجهات البلادخاصة في 23 و 24 يوليو، فإن تعليق العمل بدستور 2014 كان ضرورة سياسية اقتضتها رؤية قيس سعيد الهادفة إلي تغيير بنية النظام السياسي الذي أكد فشله طيلة أكثر من عشرة سنوات و تحول إلي مشكل وعائق أمام الشعاراتالمركزية للثورة وحال دون تحققها ومأسستها وتحويلها إلي واقع عملي كماكان يجب أن يكون, بالإضافة إلى ذلك فإن تعليق العمل بالدستور يعتبر الخطوة المركزية في المشروع القاعدي للرئيس قيس سعيد, الذي جاء محملا بجملة من القرارات التي أكدت منذ الوهلة الأولى على ضرورةقلببنية النظام السياسي وفق منظور ينطلق  من القاعدة وصولا إلي المركز، خلافا للرؤية السياسية المركزية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ إعلان الاستقلال.

لهذه الاسباب وغيرها مما لحق الدولة والشعب من معاناة وازمات سياسية واقتصادية واجتماعية، كان العمل على صياغةدستور جديد للبلاد يتم من خلاله ترتيب السلط الثلاث ويتخذ من العدالة الاجتماعية مرجعا له أمرا في غاية قصوى منالأهمية، بعيدا عن المحصصاتالحزبية والفئوية وتكريسا لعلوية القانون ونفاذه, الخطوة الضرورية للتأصيل لتونسالجديدة.

ولم يكن ذلك ممكنا الا من خلال ايجاد آلية تسمح بالمضي قدما نحو صياغة دستور جديد للبلاد عدى العودةللشعب واستشارته على بنية النظام السياسي الأفضل للدولة والتعبير عن رأيه بكل حرية وشفافية وتكريسا في الآن نفسه للإرادة الشعبية… لذلك كان التفكير في  الاستشارة الوطنية الحل الأمثل والأكثر اتصالا بالإرادة الشعبية ومعرفة ببنية النظام السياسي الأمثل والأنسب وفق مخرجات الاستشارة.

انطلاقا من  هذا التمشي  استطاعت الدولة أن توفر كل الظروف لإنجاحالاستشارةالوطنية ومن ثمة تحديد بنية النظام السياسي الذي من وراءه يمكن صياغة دستور جديد يترجم مخرجات الاستشارة الوطنية واستكمال مسار 25 يوليو, ومن ثمة الاستفتاء على الدستور وشكل النظام الانتخابي.

كل هذه الأحداث وهذه الاجراءات وعلى الرغم من العراقيل الداخلية والخارجية, إلا أنها استطاعت أن تمر إلى بر الأمان وأن تفرز دستورا جديدا للبلاد ونظام انتخابي قادر على استيعاب كل الجهات وبأكثر تمثيلية ممكنة لأضيق الدوائر, ولعل البرلمان في شكله الحالي وما يستوعبه من اختلافات هو الوجه الجديد لما يجب ان تكون عليه العملية السياسية في تونس, حيث تم القطع مع نظام الانتخاب على القوائم الذي ساهم بشكل كبير في نزيف الكتل والتكتلات الحزبية داخل قبة البرلمان وحول المشهد السياسي طيلة العشرية الأخيرة إلى فلكلور ومدعاة للسخرية.

إن مسار 25 يوليو وما رافقه من اصلاحات وحملة شرسة على بارونات الفساد جاء محملا بمشروع كامل ومكتمل من حيث الرؤية والتصور السياسيإذ يتوفر المشروع القاعدي للرئيس قيس سعيد على بنية فكرية أكثر اتصال بالإرادة الشعبية وأكثر نجاعة من حيث العملية السياسية في رمتها, ذلك أن مجالس الأقاليم والجهات باعتبارها الخطوة الأخيرة لاستكمال المشروع سوف تكون المسمار الأخير في نعش النظام المركزي والعمل الحزبي في شكله الكلاسيكي وستكون بالنتيجة الركيزة القاعدية التي من وراءها سيتم التأسيس لتونس الجديدة والمعاصرة. يعتبر مسار 25 يوليو في تجلياته المختلفة وفي محطاته الفارقة وفي أحداثه المتسارعة المرحلة الضرورية التي سيتم من وراءها القضاء على التصورات الكلاسيكية للعملية السياسية في تونس, حيث يسعى هذا الأخير لإرساء نظام سياسي يستجيب للإرادة العامة عبر تكريس ثقافة القانون من جهة والعدالة الاجتماعية من جهة ثانية وسوف لن يخلق فحسب شبه توازنات بين المركز والجهات بقدر ما سيأصل لثقافة اللامركزية التي كانت سببا مباشرا في الفروقات والفوارق الاجتماعية.