السبت. ديسمبر 28th, 2024

اعداد: سارة الزنطور – باحثة متربّصة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس

تعززت العلاقات المغربية النيجيرية بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة ، وتجمع البلديناتفاقيات وشراكات إستراتيجية عميقة في المجال الاقتصادي، من أهمّها اتفاقية تطوير المنصة الكيميائية الأساسية وقطاع الأسمدة، حيث توالت البعثات التعاونية وتبادل الخبرات بين البلدين بشكل ملحوظ ولافت، خاصة في الآونة الأخيرةإذ احتلّ قطاع  الفلاحة والزّراعة وإدارة الثّروة الحيوانية جدول الأعمال واللقاءات في إطار برنامج المخطّط الوطني للمزارعين الشباب التابع للحكومة الفيدرالية الذي تديره هيئة تنمية الأراضي والذّي يجمع دولة نيجيريا مع المغرب وإسرائيل.لكن ظلّهذا المجال ذو قدر أقلّ شأنًا مقارنة بمجال الطاقة وخاصّة الغاز، فمنذ عام 2016 شهدت العلاقة بين البلدين طفرة نوعية بعد زيارة الملك محمد السادس العاصمة النّيجيرية أبوجالبعث مشروع ضخم يتمثّل في إنشاء خط أنبوب غاز ليربط بين نيجيريا والمغرب .

وبالرّغم من الأهداف الإستراتيجية الهامّة لهذا المشروع بالنّسبة للبلدين ولمنطقة غرب أفريقيا، فقد ظلّ رهن مرحلة الدّراسات لمدة طويلة نظرا لضعف الموارد وخاصّة تدهور البنى التّحتية في القارة الافريقية وانتظار الدّعم الخارجي، حتّى أنّ الكثير من البلدان الغربيةاعتبرت إلى حدود سنة 2020أنّ هذا المشروع الضّخم والطّموح فاقد لجدواه من حيث الارباح الاقتصادية مقارنةبتكلفته العالية، إلاّ أنّ ادعاءات اللاّجدوى وعدم النّفعية  سرعان ما تحولت إلى مطلب غربي أثّر بدورهعلى الرّؤية الغربية لمشروع أنبوب الغاز النيجيري- المغربي ليصبح بالنتيجة محطّ اهتمام وتنافس خاصّة منذ بدء الحرب الأوكرانية الروسية التّي  زادت من حدّة أزمة الطّاقة لدى الغرب وحوّلت إفريقيا إلى وجهة غربية بامتياز جعلت من الازماتالسّابقة ـ علىسبيل المثال بين المغرب والجزائرعلى خلفية قضية الصحراء الغربيةـ تتفاقمنتيجة مرور أنابيب الغاز النيجيرية إما من الجزائر أو عن طريق المغرب للوصول إلى أوروبا، وبيّنتالسّياسيات الغربيةالمتمحورة حول تحقيق المصالح الذّاتية، وخاصّة بعد إعلان المغرب اعترافها بإسرائيل كدولة وسيرها نحو تطبيع العلاقات معها.

فما هي  مظاهر العلاقة الاستراتيجية بين المغرب ونيجيريا؟

وما مدى تأثّر العلاقات بين البلدين بالمتغيرات العالمية الجديدة؟

مشروع خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي

استطاعت المغرب إقناع نيجيريا التي تمتلك احتياطات هائلة من الغازـ حيث تصدّرت المرتبةالأولى بالقارة والسّابعة عالمياـ بحقيقةأنه الشريك الأكثر موثوقية في مشروع خط أنابيب الغاز الضّخم الذّي رسمه الملك محمد السادس بمعية الرئيس النيجيري. وتعدُّ فكرة مشروع خط أنبوب الغاز المعطّل إلى حين هذه اللحظة  أطول خط أنابيب بحري في العالم وثاني أطول خط أنابيب بشكل عام،لأنه سيربط نيجيريا بالمغرب ويضمّ 11 دولة في غرب أفريقيا كغانا وليبيريا وساحل العاج انطلاقا من نيجيريا وصولا إلى المغرب ومن ثمّ إلى أوروبا بكلفة استثمارية تبلغ 2.8 مليار دولار.

وإن تكمن الأهمية الإستراتيجية لهذا المشروع الضّخم في كونه يمثّل الطريق الرئيسي لخلق التنمية و تحسين حياة ما يقارب 400 مليون نسمة الى جانب الأمنالطّاقي بالنسبة لدول أفريقيا، وإن حظي المشروع باهتمام وطني ودولي خاصة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية،  نظرا في أنّه سيحقّق للمغرب ومعها نيجيريا استقلالا في مجال الطاقة دون الحاجة إلى التزود بالغاز من الدول المصدرّة لهذه المادة الحيوية وسيساعد على تعزيز الصناعات والاقتصاديات المحلية من خلال توفير مصدر طاقة مستدام وسيدعّم أيضا التنمية الصناعية ويخلق فرص عمل، إلا أنّ هكذا مشروع تشوبه ألف شائبة خاصّة إذا ما عدنا بالتّوالي الى الرّفض الغربي وشركاته الاستثمارية التي أكّدت على التّكلفة المُشطّة للمشروع، ولعلّ العودة إليه اليوم ودعمه على الرغم من سابقية التأكد من الكلفة الباهظة يدخل أساسا في محاولات رتق الفتق الغربي الذي مزّقته السياسة الروسية وإحكام سيطرتها على كل منافذ الطاقة إما في سوريا أو ليبيا ومن قبلهما في بحر القزوين واليوم في أوكرانيا.

هذه الأزمة الغربية الروسية كان لها بالضرورة تبعات إقليمية ودولية،فالصراع المغربي الجزائري يأخذ اليوم منحا أكثر حدة وأكثر تشنجا، لا سيّما بعد النكبة المغربية التي تمثّلت في تطبيع العلاقات مع الكيان المحتل، ومشروع أنبوب الغاز مزدوج الهدف الذي تسعى المغرب إلى تركيزه، والذي يهدف أولا إلى فكّ الضّغط الروسي على أوروبا وضرب المقوّم الأساسي للعلاقة بين الجزائر وروسيا (الطاقة)، ناهيك عن تحوّلها استراتيجيا إلى دولة ذات نفوذ في المنطقة يكفلها لها تمكنها طاقيا.     

الجزائر تزاحم المغرب على الغاز النيجيري وتعرقل أنبوب الغاز

اتسمت العلاقات المغربية الجزائرية بالهشاشة خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في العام الماضي وقرار الجزائر بقطع الإمدادات عن خط أنابيب الغاز “المغرب العربي- أوروبا” لكن الغاز النيجيري فاقم التنافس بين البلدين، وتسعى الجزائر لعرقلة التعاون بين المغرب ونيجيريا ودول افريقية أخرى الى جانب الاتحاد الأوروبي من أجل مرور أنبوب الغاز النيجيري الأوروبي عبر أراضي المملكة المغربية، حيث تعكس هذه الخطوة محاولات الجزائر لمزاحمة المغرب في شتى المجالات خاصة الاقتصاد وبالتحديد سد كل المنافذ إما ديبلوماسيا عبر تدعيم العلاقات مع نيجيريا وتقديم خيارات وامتيازات أكثر مما قدمته المغرب وإما عبر الضغط السياسي وهذا وارد جدا عبر اللجوء للحلول العسكرية، لا سيّما بعد إعلان وزير النفط النيجيري أن بلاده والمغرب يعملان لاستكمال البحث عن رأسماليين لتمويل مشروع خط الأنابيب العملاق بين البلدين.  وإن سجلت المغرب نقاط هامّة مقابل الجزائر في الخطوط العريضة لمشروع الغاز هذا، إلا أنها تأخرت مقابل الجزائر إذا ما احتسبنا النقاط السياسية ار لتي تسجلها الجزائر سيما بعد زيارة وزير الخارجية الروسي “سرجي لافروف” (Sergueï Lavrov) الذي عبّر عن عمق العلاقات الجزائرية الروسية بالإضافة إلى تشابك المصالح الاقتصادية والاستراتيجية و زيارة وفد روسي عالي المستوى إلى نيجيريا وتأكيدهم على الاستثمار في هذا المشروع، ويعود ذلك أساسا إلى إغلاق كل المنافذ على الغرب أولا والتّخفيف من حجم العقوبات ثانيا ودعم شريكها دولة الجزائر في إفريقيا كقوّة تحفظ لها سياساتها وتدعم مشروعها المناهض لسياسات الغرب الاكراهية.

وإن يبدو أنّ مشروع الغاز المعلّق إلى اليوم ذوأبعاد اقتصادية تجارية بحتة، فهذا ليس إلا مسألة ظاهرية ذلك أن المسألة أعمق من ذلك تهدف بالأساس إلى ضرب وحدة الدولة الجزائرية وتعنتها أمام السياسات الغربية وخاصة فرنسا بتواطئ مغربي، وتهدف تباعا إلى إسقاط ورقة الطاقة الروسية وتسعى بالنتيجة إلى مزيد توتير العلاقات بين الدول الإفريقية وإثارة الفوضى التي تخدم مصالح جهات بعينها دون غيرها.