تونس-27-3-2024
يبدو أن الترهات التي تتحدثُ عن نهاية حتمية لجماعة الإسلام السياسي في شمال أفريقيا أو المنطقة ككل باتت مُحقّقة، فكل المؤشرات القادمة من سوريا والعراق وحتى آسيا على خلفية التفجير الإرهابي الأخير تؤكد أنّ الجماعة لا زالت موجودة وتعمل بشكل سرّي ومنظّم عير آبهة لكل المطاردات الأمنية والملاحقات القضائية الدولية التي تصنّف قياداتها البارزة “شخصيات خطيرة “، فهذه الجماعة التي شاركت بعد ثورات ما يُعرفُ ب ” الربيع العربي” في الحكم على غرار تونس حيث تقمصت مقاليد السلطة واستمتعت بالاستيلاء على وزارات السيادة والمناصب العليا في الدولة وما حققه ذلك لها من امتيازات مادية تجعلها تقود تنظيماتها التكفيرية من أي مكان كانت فيه .
كل التجارب تؤكد أن الاسلام السياسي وبرغم الفشل في الحكم والرفض الشعبي لطريقة تسييره لدواليب الدولة في أي دولة سيطر فيها، لم ينته بل تلك الخبرات وإن كانت فاشلة أكسبته كيفية الاستمرار ولو كانت البيئة التي يعمل فيه مُربكة بالنسبة له، بل بالعكس فقد يساعده “الارباك” والفوضى خاصة على تنفيذ مخططاته العدوانية .
تلك “الانكسارات التي مُني بها”، في تونس ومصر والمغرب والجزائر سابقا ومحاولاته في سوريا لم تردعه على مواصلة المحاولة إيمانا منه ب مقولة ” حاول ستفلح”، برغم معرفته بطبيعة هذه الشعوب التي لن تقبل أن يحكمها كل ماهو قائم على الشريعة والدين المُؤول بطرق خاطئة لأهداف معينة، وبرغم ماحققه التنظيم في أفغانستان بعد عشرين عاما من المحاولة للاستيلاء على الحكم ونجاحه سيظل تركزه متقلصا وقد تحاول الدولة التي صنعته خلق تنظيمات أخرى تحت راية الإسلام السياسي لتحقيق مخططاتها لاعتبار أن تلك التنظيمات بيادق بيد “مؤسسوها”.
ويرى أحمد سلطان الخبير المصري في الجماعات الإرهابية، في حديث مع صحيفة ستراتيجيا نيوز،” أنّ المحاولات التي أجراها الإسلام السياسي كانت مراجعات جزئية التي انخرط فيها منتسبو الحركات الإسلامية لأدائها واستراتيجيتها، وسعيهم لإعادة بناء وترميم التنظيمات الحركية التي يعملون في إطارها، فجبهة صلاح عبد الحق داخل الإخوان تبنت خطابا سياسيا مغايرا أبدت فيه استعدادها للتصالح مع النظام المصري مقابل إطلاق سراح سجناء الجماعة، كما أقدمت الجماعة بجبهتيها على إجراء تغييرات تنظيمية أفضت إلى اختيار هيئة إدارية عليا حلت محل مكتب الإرشاد، بشكل مؤقت، للمرة الأولى منذ مغادرتها السلطة في 2013، وهو ما يبيِّن وجود حالة ديناميكية نشطة في الوقت الراهن”.
وأفاد بأنّهُ من الطبيعي أن تعود جماعات الإسلام السياسي إلى الواجهة خاصة وأن أفكارها لم تنته، لافتا إلى أنّ عودتها ستكون بطرق مختلفة عبر التغلغل داخل المجتمعات بشكل جديد وبإنشاء كيانات جديدة قد تكون واجهة لجماعات الإسلام السياسي.
وأكّد أنّ مايحفز على العودة وجود مشكلات حقيقية تعاني منها المنطقة ككل سواءً اقتصادية أو سياسية أو أمينة غيرها، مشيرا إلى أن هذه الأمور متداخلة إلى حدّ كبير وتمنح أي جماعة سياسية تريد العمل أو استغلال الظروف فرص للعودة بشكل كبير.
ولفت إلى أنه برغم الخسائر المادية واللوجستية الكبيرة للتنظيم ولجماعة الإسلام السياسي هي قادرة على الظهور بشكل أكبر حيث تُفسر التجارب السابقة في الخمسينات والستينات ومابعدهما سواءً في مصر أو المغرب أو تونس حين تم تقويضها لكنها عادت مجددا لاعتبارها كسبت الخبرة من العمل تمكنها من البقاء حتى في ظل الملاحقات الأمنية.
وأشار إلى أن الجماعة تعمل من أجل الانطلاق إلى أفق جديد يكون من الممكن فيه العمل والنشاط والتجنيد واستقطاب الأتباع والأنصار وهذا يعيد بناء التنظيمات، لافتا إلى أنه بخصوص الخسائر المادية لازالت هناك أطر اقتصادية تدعم هذه المجموعات عن طريق التبرعات أو المشاريع وبالتالي مسألة التمويل لم تعد معضلة.
وعن دورها في إعادة تشكل الأمن في المنطقة ، رد:ّ ربما يكون لها دور وقد يتم توظيف بعض الجماعات من قبل دول إقليمية أو قوى دولية في إعادة ترتيب المنطقة في المستقبل، وان كنت أرى أن التوجه في الوقت الحالي عوا بعاد الجماعات والبحث عن أطراف جديدة يمكن التعامل معها في حالات محدودة”.
وعن مسألة إبعادها او القضاء على الجماعة بشكل كامل ، قال، “أعتقد أمر بعيد المنال، حيث أن ذلك يتطلب إستراتيجية شاملة وقد شاهدنا في العقد الماضي توجه قوي لاكتشاف الإسلام السياسي، وكاد الأخير يفقد كل المعارف تقريبا بسبب الثغرات التي وجدت “.
ويتوقعُ محدثنا أن يكون مستقبل هذه الجماعات أفضل من ماضيها، مع اعتبار التغيير في استراتيجياتها خاصة وأنّ تجاربها السابقة قد أثبتت حتما فشلها في تدارك الأخطاء.