فاتن جباري قسم البحوث والعلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول
تشهد كل من النيجر ومالي منذ أسابيع تصاعد في حدة المواجهات العسكرية بين الحكومة المركزية وما يعرف بتنسيقية حركات أزواد التي يقودها “الطوارق”، لتنضم البلاد مجدداً إلى جارتها في وسط وغرب إفريقيا والتي تشهد أيضاً توترات وصراعات مستمرة وما يعقد الوضع أكثر عاملين:
– الأول، إمكانية ارتباط هذه المعارك بالصراع الدولي في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا بالبحر الأحمر
– الثاني، الصراع الإقليمي والذي يتركز خاصة في القارة السوداء بما يعكس وجود التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي سرعان ما تسعى لاستغلال أي تطور أمني أو سياسي أو عسكري في المنطقة.
وخلال الشهر المنقضي من العام 2023 شنت حركات “أزواد” ، هجوما على مدينة بوريم في منطقة غاو شمالي مالي، معلنة السيطرة عليها، ولكن أعلن الجيش المالي أنه تصدى لها ومن ثم اشتدت المعارك بين الحركات الازوادية المسلحة من جهة، والجيش المالي من جهة أخرى بولاية تمبكتو، وعقب ذلك نفذ الجيش المالي هجمات جوية ضد قوات الحركات الازوادية.
بعد ذلك أعلن عن مقتل خمسة جنود ماليين وفقد 11 آخرين بعد هجوم استهدف ثكنتين عسكريتين، وأعلنت تنسيقية حركات أزواد مسؤوليتها عن الهجوم.
كما نفذ الجيش المالي ضربات جوية ضد مقاتلي داعش أسفرت عن مقتل ثلاثة منهم حسب بيانه. وفي يوم الأربعاء الثالث من جانفي 2024 نفذت الجماعة هجوما ضد قافلة أخرى للجيش المالي وفاغنر بين تونكا وغوندام أسفر عن تفجير سيارة أخرى في نفس الطريق الذي انفجرت فيه سيارة أخرى قبل يوم.
أحداث تضعنا في سيناريوهات قتالية داعشية جديدة اذ أن الخطر الأبرز من كل ذلك هو استغلال التنظيمات الإرهابية لهذه التطورات، حيث أصبحت أفريقيا ومنطقة الساحل بشكل خاص مركزاً للنشاط الجهادي العالمي.
وتقع مالي في قلب تلك المعركة وسط تحول التحالفات والاضطرابات السياسية في جميع أنحاء القارة.
فبعد النفور الذي أدى الى زحف تنظيم القاعدة وداعش في كل من سورية والعراق، فإن هناك فرصة للقاعدة وداعش لتوسيع منطقة نفوذ تمتد من منطقة الساحل إلى نيجيريا، عبر غابات الكونغو، وعلى طول الطريق إلى شواطئ أفريقيا والصومال.
أولا – ماهي أبرز مسببات الصراع؟
منذ العام 2012 ، تطالب “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” للحصول على الحكم ذاتي حيث قالت الحركة في بيان لها أن انطلاق العمليات الحربية ضد القوات المالية جاء بعد رفض الحكومة في باماكو الاستجابة لدعوات ومطالب الحركة الداعية إلى حل القضية بشكل سلمي عبر الحوار.
بعد ذلك أعلنت “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” استقلال المناطق التي سيطرت عليها في شمال مالي تحت اسم “جمهورية أزواد” وقالت الحركة إنها قررت بشكل أحادي وقف العمليات العسكرية نزولاً عند طلب المجتمع الدولي وخصوصا مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة وفرنسا ودول المنطقة، لكن المسار تغير مع إعلان الحركة الازوادية الاندماج مع حركة أنصار الدين وإنشاء دولة إسلامية في “دولة أزواد”.
توجت هذه التطورات بإبرام اتفاقية الجزائر في ماي 2015 بين الحركات الازوادية والحكومة المالية، وقد تضمنت الاتفاقية تخلي الحركة عن مطلب الانفصال مقابل منحها حكماً ذاتياً موسع الصلاحيات ودمج مقاتلي الحركة في الجيش وتنظيم مؤتمر عام للمصالحة خلال سنتين من توقيع الاتفاق.
ثانيا – كيف تجدد القتال ؟
وسط تعثر تطبيق الاتفاقيات الخاصة بمطالب الحركات الازوادية السياسية والخاصة بالحصول على حكم ذاتي موسع، ومع اقتراب انسحاب بعثة الأمم المتحدة ارتفعت فرص حدوث مواجهات عسكرية.
وقد بدأت الحركة الازوادية خلال الأيام الماضية بإستهداف القواعد والثكنات العسكرية في المناطق التي تدخل ضمن نطاق سيطرتهم بسبب الخلاف بشأن مسؤولية إدارة هذه القواعد.
لقد تبين أن الحركة تسعى للضغط على القوات التابعة للحكومة المركزية حيث تقوم بقطع الإمدادات عنها وقطع الطرق والجسور بهدف دفعها للانسحاب وإعلان في المرحلة المقبلة استقلال هذه المناطق أو دفع الحكومة المالية الحالية لتطبيق اتفاقية الجزائر ومنح الحركة حكماً ذاتياً موسع الصلاحيات.
ومن دوافع تحرك الحركة الازوادية التي يقودها “الطوارق”، هو أن الدستور الجديد للبلاد لا يأخذ بمطالبهم، كما أنهم يرون بـأن تهميشهم يزداد خاصة مع تنصل الحكومة المركزية في مالي من تطبيق الاتفاقيات السابقة.
الانسحابات العسكرية الفرنسية والأممية شكلت من جهة أخرى دافعا، حيث تريد الحركة تعبئة الفراغ وبعد حدوث الانقلاب العسكري المزدوج في 2020 و2021، دفع المجلس العسكري القوات الفرنسية التي كانت تنفذ مهاما ضد التنظيمات المتطرفة، إلى مغادرة البلاد في 2022 كما حدث نفس الأمر مع بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) في 2023 فضلاً عن قرار الدولة بإنهاء التعاون الأمني مع فرنسا والأمم المتحدة.
ثالثا – التنافس الدولي يزيد من تعقيد الصراع
ما يزيد من التعقيدات في مالي هو بوادر التنافس والصراع بين القوى الدولية هناك، وبالتزامن مع دفع المجلس العسكري في مالي للقوات الفرنسية وعموم ممثلي الدول الغربية ومنظمات الأمم المتحدة وغيرها للخروج والانسحاب من البلاد، فإن هذه السلطات تزيد من علاقاتها مع روسيا التي دفعت المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر لإقامة تحالف ثلاثي .
تم الإعلان عن التحالف الثلاثي بعد اجتماع المندوبين الروسيين مع قادة المجلس العسكري في باماكو وأوغدوغو، وبعد إعلان الولايات المتحدة أنها ستستأنف العمليات العسكرية في النيجر في أعقاب الانقلاب الذي وقع في أواخر جويلية من العام 2023.
وبالإضافة إلى مهمة مكافحة الإرهاب، تضمنت معاهدة الدفاع الجديدة المساعدة المتبادلة بين الحكومات الثلاث بما فيه روسيا في حالة “التمرد” أو “العدوان الأجنبي”.
وقد يؤدي هذا إلى قيام مالي وبوركينا فاسو بتقديم المساعدة للمجلس العسكري في النيجر إذا نفذت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “ايكواس” تهديدها باستخدام القوة العسكرية لإعادة رئيس النيجر المخلوع ويعني ذلك أيضًا أن بوركينا فاسو والنيجر يمكنهما مساعدة مالي في حربها المتجددة ضد الفصائل المتمردة في شمال البلاد.
هذه التطورات تشير إلى إمكانية أن تشهد عموم هذه المنطقة حالة من التوتر والصراع على وقع التنافس الأميركي الغربي مع روسيا، خاصة أن إفريقيا تعد أهم المناطق التي يجري الصراع عليها.
رابعا – فرصة مواتية للتنظيمات الإرهابية من خلال التسلسل الزمني للأحداث
تجيد التنظيمات الإرهابية في مالي استغلال الظروف والتطورات الحاصلة حيث سبق أن شنت هجوماً على الحركة الازوادية وذلك بعد أن سيطرت على مناطق عديدة انسحب منها الجيش المالي. وما يزيد من فرص حدوث ذلك مرة أخرى هو أن هذه التطورات ترافقت بالفعل مع تحركات للتنظيمات الإرهابية وفق التقارير المتاحة. ويمنح انسحاب القوات الفرنسية والقوات الأممية التي كانت تقاتل هذه التنظيمات الإرهابية فرصة ثمينة لهذه التنظيمات لكي تعيد نشاطها وتستغل ضعف القوات الحكومية وانشغالها بالحرب مع الحركة الازوادية.
وتنشط “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة في قسم كبير من شمال مالي ووسطها وصولا إلى أطراف باماكو. وينشط تنظيم داعش، الذي هاجم في أوت 2023 قوات عسكرية من جيش مالي كانت في طريقها إلى النيجر، وفق سبوتنيك الروسية وفي 8 سبتمبر استهدفت عملية انتحارية معسكراً للجيش المالي في غاو شمال البلاد.
الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في شمال مالي ظلت تحاصر مدينة تمبكتو حتى الان، حيث بدأ نفوذ “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في المنطقة عندما قامت بعثة مينوسما بإخلاء معسكراتها استجابة لطلب إدارة باماكو.
لقد أصبح الوضع في” تمبكتو” سيئاً على نحو متزايد، مع توقف النقل الجوي والبري، مما أجبر أكثر من 34,000 من السكان على الفرار من المدينة، وقد تم قطع الطريق المؤدي إلى المدينة.
وبشكل مأساوي، في 7 سبتمبر، استهدف هجوم صاروخي عبّارة الركاب الوحيدة التي تبحر على مسار تمبكتو-باماكو على نهر النيجر، مما أدى إلى مقتل 49 شخصاً.
وما زاد من الفوضى أن مطار تمبكتو واجه تهديدات أمنية، حيث سقطت ثلاث قذائف مدفعية على مقربة منه بشكل خطير مما دفع سكان مالي، شركة الطيران الوحيدة التي تخدم تمبكتو، إلى تعليق رحلاتها في 11 سبتمبر 2023
متطرفي تنظيم داعش ضاعفوا تقريباً الأراضي التي يسيطرون عليها في مالي في أقل من عام. ويستفيد منافسوهم المرتبطون بتنظيم القاعدة من الجمود والضعف الملحوظ للجماعات المسلحة منذ عام 2015.
وأضافوا أن التنفيذ المتعثر لإتفاق السلام والهجمات المستمرة على المجتمعات أتاح لتنظيم داعش والجماعات التابعة لتنظيم القاعدة فرصة “لإعادة تمثيل سيناريو عام 2012”. لقد عززت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مواقعها في منطقة “ليبتاكو-غورما” في الأشهر القليلة الماضية، وذلك بعد معارك وحشية مع ولاية الساحل التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية.
بحسب ما ورد من أنباء فقد وافق المجلس العسكري المالي على وقف إطلاق النار مع تنظيم داعش، على أمل استعادة موقعه حول بلدة “أنديرامبوكان”، التي توفر موقعًا استراتيجيًا على الحدود النيجرية والطريق المؤدي إلى عاصمة النيجر مع ذلك، لم يتمكن الجيش المالي من الحفاظ على وجوده في هذه المناطق.
ففي يوم الإثنين من العام 2024 نفذت الجماعة كمينا ضد الجيش المالي وفاغنر بين “دوانزا و بوني” أسفر عن مقتل جندي والاستيلاء على عدد من الأسلحة.
في اليوم التالي نفذت الجماعة المتشددة عملية بعبوات ناسفة استهدفت قافلة عسكرية للجيش المالي ومجموعة الفيلق بين “تونكا وغوندام بولاية تمبكتو” أسفرت عن تفجير سيارة.
وفي نفس اليوم استهدفت الجماعة سيارة أخرى للجيش المالي وفاغنر داخل مدينة غاو ما أدى إلى تدميرها. كما هاجم مقاتلي داعش بوابة عسكرية للجيش المالي و”حركة إنقاذ أزواد “في مدخل مدينة “مينكا باتجاه أضرنبوكار” أسفرت عن مقتل 3 جنود من حركة إنقاذ أزواد وإحراق سيارة والاستيلاء على أخرى ومقتل أربعة من المهاجمين حسب بيان الحركة.
رد الجيش المالي بنفيذ ضربات جوية ضد مقاتلي داعش أسفرت عن مقتل ثلاثة منهم حسب بيانه.
بعد ذلك 2024 نفذت الجماعة هجوما ضد قافلة أخرى للجيش المالي وفيلق روسيا بين “تونكا وغوندام” أسفر عن تفجير سيارة أخرى في نفس الطريق الذي انفجرت فيه سيارة أخرى قبل يوم.
خلاصة
من خلال ما سبق يتبين بأن الأمور تتجه إلى أن تكون أكثر تعقيداً في مالي والنيجر وكذلك الدول المحاذية لها يعطني دول الساحل والصحراء ولا ننسى السودان وليبيا.
ومن المتوقع أن يعمل الجيش المالي على طلب المساعدة من التحالف الذي تم إنشاؤه التحالف الروسي الثلاثي. لضبط الأوضاع في البلاد حيث يتشكل الفيلق الافريقي الروسي ليحل محل قوات فاغنر بالقارة السمراء.
حيث يسعى هذا التحالف الى حسم المعارك عسكرياً، اذا ما تم حل هذه الملفات سياسياً، فالحرب الطويلة بين الطرفين سمحت للحركات المعارضة بتقوية قدراتها.
هذا ما يخشى معه حدوث أنزلاق إقليمي متى استغلت هذه الجماعات المتطرفة الفجوات الأمنية الجغراسياسية المتاحة للإعادة الانصهار من جديد في المنطقة ككل في “العبوة الناسفة الأرهاب”.