17-10-2023
كتب على جدران محيطة بنهر السين في باريس في الأيام الأولى التي أعقبت مذبحة 17 أكتوبر 1961 عبارة تقول: “هنا نغرق الجزائريين”.
هذه العبارة الكريهة لم تبق في مكانها إلا فترة وجيزة، لكن اللافت أن فرنسا لم تعترف رسميا بها إلا في ذكراها الستين عام 2021!
الرئاسة الفرنسية أقرت قبل عامين فقط من الآن لأول مرة بـ “اعتقال ما يقرب من 12 ألف جزائري ونقلهم إلى محتشدات بملعب كوبرتان… وفي قصر الرياضة وأماكن أخرى. وبالإضافة إلى العديد من المصابين، قتل العشرات، وألقيت جثثهم في نهر السين “.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ندد في تلك المناسبة، بما وصفت بـ “جرائم لا تغتفر”، نفذت “تحت سلطة موريس بابون”.
من يكون موريس بابون؟
موريس بابون كان يتولى قيادة الشرطة الفرنسية حينها وهو من تولى التخطيط وقيادة تلك المجزرة الرهيبة التي راح ضحيتها بحسب تقارير ما يزيد عن 400 جزائري.
الأدهى أن بابون كان تعاون مع النازيين حين كان مسؤولا في حكومة فيشي المتعاونة مع الاحتلال.
المسؤول عن مجزرة 17 أكتوبر 1961، لم يتعرض لأي مساءلة وبقي في منصبه.
بابون حوكم وسجن لعشر سنوات، ليس لوقوفه وراء تلك المجزرة، بل لمشاركته في نقل اليهود الفرنسيين إلى معسكرات الاعتقال النازية فترة الحرب العالمية الثانية، وكان في ذلك الوقت يشغل منصب رئيس الشرطة في مدينة بوردو!
تفاصيل المذبحة:
خرج حوالي 30 ألف جزائري إلى الشوارع في مساء يوم 17 أكتوبر عام 1961 في مظاهرة سلمية من دون أن يتعرضوا لرجال الأمن بأي أذى ولم يقوموا بأي استفزاز، إلا أن وحدات الشرطة عاملت المحتجين الجزائريين بقسوة ووحشية وأطلقت النار عليهم وقتلت المئات، ثم قامت بإلقاء جثث الضحايا في نهر السين!
كل ذنب المهاجرين الجزائريين في فرنسا في ذلك الوقت أنهم احتجوا بطريقة سلمية ومتحضرة على فرض السلطات حظر تجول ضدهم بدأ يوم 5 أكتوبر 1961 من الساعة 20:30 إلى الساعة 05:00.
تلك المذبحة وصفها المؤرخان البريطانيان جيم هاوس ونيل ماكماستر في كتابهما “الجزائريون والجمهورية وإرهاب الدولة”، بأنها أقسى قمع للدولة نفذ في مواجهة احتجاجات شوارع في أوروبا الغربية.
أما السلطات الفرنسية في ذلك الوقت، فقد ذكرت في تقاريرها الرسمية أن ضحايا الأحداث لم يتجاوز عددهم ثلاثة أشخاص، بل لأن أحدهم توفي بسبب نوبة قلبية.
الرواية الرسمية الفرنسية ذكرت فقط أن الشرطة اعتقلت 11538 جزائريا في تلك الأحداث، وحشرتهم في مراكز الشرطة ومخيمات أقيمت خصيصا، وأيضا في قصر الرياضة في باريس وفي القصر الكبير.
في تلك المعتقلات تعرض الجزائريون لصنوف من أنواع التعذيب والإذلال بما في ذلك الضرب حتى الموت.
السلطات الفرنسية منعت أي تحقيقات في المذبحة ومنعت حتى الصحفيين من الوصول إلى الشهود، وعملت كل ما بوسعها لتبقى الجريمة دفينة.
حتى في عام 2001 حين قرر عمدة باريس برتراند ديلانو، وضع لوحة تذكارية على جسر سان ميشيل، انهالت الانتقادات الحادة من نواب فرنسيين يمينيين.
وحين وضعت لوحة تذكارية كتب عليها: “من هنا في 17 أكتوبر 1961، ألقت الشرطة بالجزائريين في نهر السين”، سارع متطرفون فرنسيون إلى نزعها وتحطيمها.
لاحقا أعيد ترميمها وهي اليوم في قلب باريس، شاهدة على جرائم فرنسا ضد الجزائريين.
ماكرون كان قبل الاعتراف الرسمي في عام 2021 قد غرّد عن المجزرة في 17 أكتوبر 2018، وكتب قائلا: “17 أكتوبر 1961 كان يوم القمع الوحشي للمتظاهرين الجزائريين. يجب على الجمهورية مواجهة هذا الماضي الأخير، الذي لا يزال ساخنا. هذا شرط لبناء مستقبل سلمي مع الجزائر ومواطنينا من أصل جزائري”.