الأربعاء. ديسمبر 25th, 2024

الاعداد: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

موجات شعبية تخرج يوميا للتنديد بالتواجد الفرنسي في بلدانهم، انها الدول الافريقية أو كما يحلو لفرنسا تسميتها “افريقيا الفرنكوفونية”، صحوة كبيرة لدى الشعوب والشباب الافريقي الذي أصبح يعلم جيدا أنه يسكن القارة الأغنى في العالم وفي نفس الوقت هو الافقر و”الاجهل” في العالم، وبالتالي لن يعد هذا الشباب الذي يحلم بمستبله وبمستقبل أولاده قادرا على السكوت على هذا السارق بقفازاته البيضاء، فائرادة الشعوب لا تقهر، وها هي اليوم افريقيا تعطي درسا للمستعمر وتقول له “اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر… ولا بد للقيد أن ينكسر.

وها هي فرنسا اليوم تطرد شرّ طردة من القارة الأفريقية بل أكثر تعرى عوراتها وتظهر على حقيقتها التي طالما أردت طمسها، فكما يقول الأفارقة “فرنسا من أقذر الدول الاستعمارية، فهي ناهبة لثروات الشعوب ومستعمرة عنصرية تدخل على الدول بقوة السلاح والاستعمار وعندما تخرج عسكريا تبقى اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، فهي لا تحترم الشعوب بل همّها الوحيد هي ثرواتنا”.

واليوم يشهد العالم “ثورات الصحوة الافريقية” فلقد اتسعت الخلافات بين فرنسا وبين العديد من دول القارة، ولا سيما في منطقة الساحل والصحراء. فبعد أن الانقلاب العسكري الذي حصل في مالي واضطرارها لسحب قواتها من مالي، التي اتخذت خطوات أخرى مناهضة للنفوذ الفرنسي، على غرار وضع مادة في الدستور تقضي بأن تكون اللغة الفرنسية هي “لغة العمل” فقط بعد أن كانت اللغة الرسمية، فوجئت باريس بوقوع انقلاب النيجر، في 26 جويلية الفائت، الذي اتخذ بدوره قرارات مناوئة لها، على غرار طرد السفير الفرنسي ووقف توريد اليورانيوم إليها.

وفي إطار ما يمكن تسميته “كرة الثلج” أو “حرب التحرر الافريقي”، وقع انقلاب جديد في الغابون عملاق البيترول، في 30 أغسطس الجاري، وهي إشارة أخرى الى الاستفاقة الافريقية وبداية نهاية النفوذ الفرنسي في المنطقة، في ظل العلاقة القوية التي تؤسسها باريس مع الرئيس علي بونجو وكذلك العلاقات مع الرؤساء المنطقة التي تعوّل عليهم والتي أصبحت عروشهم تتهاوى في ظلّ الصحوة الافريقية والتراجع الكبير للنفوذ الفرنسي والغربي التي تهرأ أمام الدب الروسي والتنين الصيني.

محاولات فرنسية فاشلة في الشرق الأوسط:

وكردّة فعل مظطربة جدا فرنسا بدأت في تنشيط أدوارها في منطقة الشرق الأوسط التي خسرتها منذ زمن في محاولة فاشلة منها، ولا سيما في بعض الدول وإزاء عدد من الملفات، على النحو التالي:

فرنسا تعرض على دول الشرق الأوسط تجربتها في مكافحة الإرهاب:

ارتفاع مستوى مشاركة القوات الفرنسية التي تعمل ضمن التحالف الدولي لمكافحة “داعش” في العراق، خلال شهر أغسطس الحالي، حيث أصدرت هيئة الأركان العامة للجيوش الفرنسية بياناً، في 29 أغسطس الجاري، جاء فيه أن “وحدة من الجنود الفرنسيين نفذت عملية استطلاع على مسافة نحو 100 كم شمال بغداد لدعم القوات العراقية، وقامت مجموعة من الإرهابيين المتحصنين بمهاجمة القوات العراقية، ورد الجنود الفرنسيون على الفور لدعم الشريك، وألحقت خسائر فادحة بالعدو”، مشيرة إلى أن هذه المواجهة أسفرت عن مقتل جندي فرنسي وإصابة أربعة آخرين، ليرتفع عدد قتلى القوات الفرنسية خلال هذا الشهر إلى ثلاثة جنود. وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عقب العملية الأخيرة، على استمرار باريس في دعم بغداد في الحرب ضد الإرهاب، وهناك خبراء وناشطين فرنسيين قد أعربوا عن استيائهم الكبير من تصريح ماكرون واتهموه بأنه يدفع بالجنود الفرنسيين للموت ليخفي فشله في إفريقيا، وأن الشرق الأوسط ليست ميدان فرنسا ولم تكن يوما وبالتالي هي محاولة فاشلة ويجب أن يتراجع عمّا يفعله.

التدخل في الملف اللبناني وهناك موجة غضب كبير ضد فرنسا في لبنان:

يعتبر اللبنانيون أن التدخل الفرنسي في لبنان قد “زاد الطين بلّة” وفرنسا لم تفهم أنها غير مرغوب بها في فرنسا وفي المقابل وبمحاولة فاشلة جديدة قالت وزيرة الخارجية كاترين كولونا، أمام مؤتمر “سفراء فرنسا حول العالم”الذي عقد في 28 أغسطس الحالي أن “لبنان بلد مميز ولن تتخلى عنه فرنسا”، وأشاد ماكرون بالجهود التي يبذلها وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان –الذي قام بتعيينه مبعوثاً خاصاً إلى لبنان– من أجل حلحلة الملفات الصعبة، وعلى رأسها أزمة الفراغ الرئاسي، منذ انتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق ميشال عون في 30 أكتوبر الماضي.، في حين يؤكد اللبنانيون أن التدخل الفرنسي غير مرغوب فيه بل ويعتبرونه تدخل زاد الأمر تعقيدا ومن أوصل الوضع في لبنان على ما هو عليه هو التدخل الفرنسي في الملف السياسي وأنها تريد أن تفرض “أشخاصا مفرنسين” وبالتالي الانتقال الى دائرة الشرق الأوسط سيعجل أكثر فأكثر بنهايتها وفشل سياستها الخارجية التي تعتمد على السرقات والاستغلال.وبالرغم من أن باريس أعلنت أن هناك “مؤشرات انفراجة” في الملف اللبناني، حيث قد يتم التوصل إلى تسوية لأزمة الفراغ الرئاسي التي يواجهها في سبتمبر القادم، في ظل الجولات التي يقوم بها المبعوث الفرنسي إلى لبنان “جان إيف لودريان”، حيث سيقوم بزيارة ثالثة في الثُلث الأول من الشهر المقبل، إلا أن هذا الاحتمال ما زال يتسم بالغموض، في ظل تقاطع مصالح الأطراف المعنية في الداخل، ولا سيما حزب الله وحلفاءه من جهة والقوى المناوئة له من جهة أخرى، والتي انعكست في التوتر والتصعيد الذي اندلع في منطقة الكحالة التي تقع في جبل لبنان، في 9 أغسطس الجاري، والذي سبقته الاشتباكات التي وقعت في مخيم عين الحلوة بعدة أيام وفي الأخير وبحسب متابعتنا للملف فالتدخل الفرنسي أصبح مرفوض تماما من قبل كل القوى السياسية والشعبية في لبنان.

الضغط من خلال ملف “حقوق الانسان” في سوريا:

وجهّت باريس بيانا وجهت فيه اتهاما مباشرا لحكومة الأسد عن أحداث الغوطة بمناسبة حلول الذكرى العاشرة للهجوم الكيماوي الذي وقع في الغوطة الشرقية لريف دمشق، في 21 أغسطس 2013، وأعلنت “التزام فرنسا بضمان عدم إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب”. وقد دفع ذلك دمشق إلى إدانة هذا البيان –الذي توازى مع بيان أمريكي مماثل- الذي حمل في رؤيتها ادعاءات باطلة، وأكدت الخارجية السورية أنه “من السخرية أن تدعي فرنسا والولايات المتحدة استخدام أسلحة من هذا النوع في سوريا، في الوقت الذي قامت فيه الكثير من البلدان باستخدام هذه الأسلحة ضد شعوب آسيا وأفريقيا” ولم تنجح فرنسا بجلب الرأي العام اليها في الشرق الأوسط فهي دولة مرفوضة تماما في الشرق الأوسط. كذلك لا تمثل فرنسا رقما صعباً في المشهد السوري، في ظل وجود أطراف أخرى لها مصالح ووجود على الأرض، مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيران وتركيا فليس لها مكان وكذلك مرفوضة أصلا. ويمكن القول إن هذه القوى الأربع هي التي تمتلك القدرة دون غيرها على الانخراط في صياغة الترتيبات السياسية والأمنية التي يمكن أن يجري العمل وفقاً لها داخل سوريا خلال المرحلة القادمة، وهي ترتيبات قد لا تتوافق بالضرورة مع مصالح وحسابات فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية.

الخلاصة:

خلاصة الوضع الفرنسي يمكن القول أن فرنسا تشهد انهيارا كبيرا في السياسة الخارجية لها سواء في الدول الافريقية وكذلك في الشرق الأوسط ولم يبقة لها سوى بعض الدول في شمال افريقيا التي لم تعد تحكم السيطرة عليها كما قبل وهناك تململ كبير حولها فهي اليوم أمام العديد من الأزمات وخاصة هي تجاه الأزمات التي تواجه وجودها في منطقة الساحل تحديدا وفي منطقة شمال افريقيا والدور قادم وبشكل لم تتوقعه وستجد نفسها أمام المباغتة والصدمة.

وما أشرنا إليه في العديد من البحوث والدراسات السابقة وهذه الورقة نستشفه كذلك من خلال معطى نعتبره مهم جدا علاوة على الاحتجاجات والإجراءات المناهضة للوجود الفرنسي في الدول الافريقية، هو الانتقادات التي باتت توجهها قوى في الداخل الفرنسي نفسه، وبدت جلية في الرسالة التي وجهها 100 عضو عن حزب “الجمهوريين” في مجلس الشيوخ الفرنسي إلى الرئيس ماكرون، في 8 أغسطس الجاري، والذين أكدوا فيها أن عملية “برخان” قد باءت بالفشل ودعوا إلى إجراء مراجعة للسياسة الفرنسية في أفريقيا، وهو ما يعني في النهاية أن السياسة الخارجية الفرنسية باتت أمام اختبار صعب خلال المرحلة الحالية وفرنسا قد دخلت فعلا في أزمة خارجية سياسية وكذلك في أزمة اقتصادية خانقة وخاصة بعد الحرب الأكرانية الروسية.