الجمعة. نوفمبر 15th, 2024

خاص – ليبيا


سؤال لطالما راود العديد، فالنفوذ الروسي في ليبيا ليس عميقًا، ولا يمكن مقارنته بالنفوذ التركي العسكري والاقتصادي العلني أو النفوذ الأمريكي السياسي المتعجرف، وكأن روسيا مختفية في الظلال بالرغم من نجاح مجموعة “فاغنر” الروسية في حملة المشير خليفة حفتر على الإرهاب في 2019، بينما الإشارات جميعها تدل على أن أمريكا تحاول احتواء ليبيا والتقارب مع النخب السياسية الموالية لروسيا لدفعها بعيدًا عنها.

هذا الأمر تحدث عنه مؤسس الشركة العسكرية الروسية الخاصة “فاغنر”، يفغيني بريغوجين، ردًا على مجموعة أسئلة طرحها صحفي روسي، قائلًا: “قد أكون مخطئا ولا أعرف بعض التفاصيل عن العلاقات مع جنوب إفريقيا وأنغولا وبعض الدول الأخرى. لكن في البلدان التي أنا منغمس فيها جيدًا، أعتقد أننا لا نفعل شيئًا على الإطلاق”.

وأضاف: “تقوم بيروقراطيتنا بجعل كل شيء يأخذ وقتًا طويلًا، نحن لا نتخذ أي خطوات نشطة في هذه البلدان. وحتى عندما نقوم بمساعدتهم، تكون المساعدة بطيئة، وقليلة، بحيث يكون من الأفضل عدم تلقي مثل هذه المساعدة”.

واكمل بريغوجين في رده على الأسئلة: “في الأماكن التي يتواجد فيها فاغنر، نواجه صعوبات هائلة، خصوصًا من طرف وزارة الدفاع والخارجية، ولذلك وعلى الصعيد الآخر يتفاعل الأمريكيون والفرنسيون بشكل أكبر بعشرات المرات مع المعطيات في القارة الإفريقية بالمقارنة مع روسيا”.

مضيفًا: “انظر إلى ليبيا نفسها، حيث كانت العلاقات بينها وبين روسيا على أعلى مستوى قبل عامين. بينما الآن، دخل الوضع في ركود كامل وشامل. الليبيون يأتون ويطرحون السؤال: أين أنتم أيها الروس؟ إلى أين ذهبتم؟”.

وبالفعل فإن النفوذ الروسي في ليبيا يبدو وكأنه اختفى فجأة، بينما واشنطن تضع استراتيجية عشرية جديدة للقارة بأكملها، وتبعث بمسؤوليها ودبلوماسييها لمقابلة جميع الأطراف الليبية، والضغط عليهم جميعًا وفرض الاجندات، لم تقابل بزيارات وخطط مماثلة من قبل وزارة الخارجية الروسية، التي تكتفي بتصريح أو اثنين، وكأنها غير عابئة بالأمر تمامًا.

وسابقًا لعبت قوات جماعة “فاغنر” الروسية الخاصة دورًا كبيرًا في ليبيا، فقد ساهمت بمحاربة الإرهاب وتأمين الحدود، وكان لها دور محوري ومفصلي في تقدم قوات الجيش الوطني الليبي التابع للمشير خليفة حفتر، داخل طرابلس، أثناء عملية طوفان الكرامة التي أطلقها باتجاه العاصمة الليبية لكبح جماح الميليشيات المسلحة الإجرامية المتعددة، ولكن بالرغم من التقدم الكبير، لم تقم وزارة الخارجية بدعم هذا التقدم سياسيًا، ولا وزارة الدفاع الروسية عسكريًا.

والآن تتواجد مجموعة “فاغنر” الروسية في أكثر من موقع في ليبيا، وتؤمن توازن قوى للجيش الوطني أمام نظيره المدعوم تركيًا غربي ليبيا، هذه المجموعة التي وبشكل مذهل يحارب جزء منها حلف الناتو بأكلمه في مدينة أرتيوموفسك شرقي أوكرانيا، في خضم العملية العسكرية الروسية الخاصة، وتكّبد القوات الأوكرانية خسائر كبيرة بالرغم من التسليح المهول الذي حصلت عليه من دول حلف شمال الأطلسي.

مجموعة فاغنر مهّدت الطريق من خلال مشاركتها في العملية العسكرية الروسية الخاصة، لروسيا لفرض نفسها كلاعب أساسي في العالم بعد أن أثبتت بأن حقبة هيمنة القطب العالمي الواحد، قد ولّت، وهذا الأمر فتح الباب على مصراعيه للدول الراغبة بفك الهيمنة الغربية عنها، والتقارب مع روسيا أو الصين، كـ ليبيا، ولكن لم تتفاعل وزارة الخارجية الروسية مع المعطيات الجديدة كما كان مرتقبًا.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن معسكر شرق ليبيا المكوّن من الجيش الوطني الليبي، والبرلمان، لا يرغبان في أن تكون ليبيا تحت الوصاية الأمريكية، وأن تكون ثرواتها مستباحة، وقراراتها مقيدة، وسيادتها معدومة، لذلك طلبت المؤازرة من “فاغنر” في المقام الأول، وهذا الامر الذي لم تكمله وزارة الدفاع ولا حتى وزارة الخارجية الروسية، ولم تساهم بتحقيقه بشكل علني، سواء بحماية حلفائها في ليبيا علنيًا، أو بإرسال قوات أو دعم قوات فاغنر الموجودة أساسًا على الأرض.