الجمعة. نوفمبر 15th, 2024

التقت رئيسة الحكومة نجلاء بودن الاربعاء بقصر الحكومة بالقصبة  نظيرها الليبي عبد الحميد دبيبة رفقة وفد حكومي ليبي رفيع المستوى يضم كل من النائب الثاني لرئيس مجلسالوزراء، رمضان أبو جناح، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، عادل جمعةبالإضافة إلى محافظ البنك المركزي الصديق الكبير، ورئيس ديوان المحاسبة، كما يضم الوفد وزير الاقتصاد محمد الحويج، ووزير المالية خالد المبروك، ووزيرة العدل حليمة البوسيفي، ووزير الداخلية عماد الطرابلسي.

وقد جاءت الزيارة محملة بالعديد من الملفات الاقتصادية والتجارية سيما بعد الزيارة التي أداها الوفد التونسي رفيع المستوى و المتكون من وزيرة الصناعة والطاقة نايلة القنجي، ووزير النقل ربيع المجيدي، ووزيرة التجارة فضيلة الرابحي، ومديرة الشركة التونسية لصناعات التكرير فاختةالمحواشي، الى العاصمة طرابلس لبحث ومناقشة العديد من الملفات الاقتصادية والتجارية مع وزيرة الخارجية والتعاون الدولي الليبية نجلاء المنقوش.

 لكن اللافت في هذه الزيارة أنها لم تلامس المواضيع الحارقة على غرار موضوع النفط والغاز بقدر ما كانت مجرد وعود وتوافقات حول مسائل ونقاط على غرار:

* تسوية الديون المستحقة على الدولة الليبية في قطاع الكهرباء والصحة والطيران المدني.

*تدشين خط الشحن البحري الذي يبدأ في شهر ديسمبر/كانون الأول 2022.

 *بدء إجراءات توحيد المتطلبات الجمركية في معبر رأس جدير، مع اقتراب افتتاح البوابات بالمعبر.

*قرار بإلغاء جميع القيود المفروضة على حركة السلع بين البلدين لدعم التبادل التجاري المشترك.

*إطلاق الخطوات التمهيدية لإنشاء المنطقة الاقتصادية رأس جدير.

*تشكيل فريق مشترك بين البلدين لمراجعة ما يعرف بالأسماء المتشابهة لإزالة غير المطلوبين.

*تفعيل اللجنة العليا التونسية الليبية المتوقفة منذ 2009، بعودة انعقاد اجتماعاتها.

*تفعيل التعاون بين وزارتي العدل لاستمرار التشاور وحل مشكلة “غرف التحكيم.”

تعيش الدولة الليبية اليوم أزمة غير مسبوقة في تاريخها, تمثلت أساسا في غلاء المواد الغذائية وغياب السيولة المالية وتعطل كلي لمؤسسات الدولة, الأمر الذي جعل من صرف الأجور أمرا يلامس المستحيل, ناهيك عن حالة التعطل السياسي الكلي بين حكومة طرابلس المنتهية ولايتها  وبرلمان طبرق والعديد من الفواعل السياسية المتعارضة مع سياسات عبد الحميد الدبيبة, خاصة بعد اتفاق تمكين تركيا التنقيب على الطاقة برا وبحرا في الغرب الليبي.

هذه العوامل وغيرها زادت من توحيد الصفوف السياسية في الداخل الليبي, حيث يتصدر المشهد السياسي في ليبيا حراك سياسي يهدف أساسا إلى انهاء حكومة الدبيبة في خطوة أولى وتكوين حكومة مصغرة مناط بعهدتها انجاز الاستحقاقات الانتخابية المعطلة منذ سنوات في خطوة ثانية , وتكون مدفوعة بحزمة من التوافقات بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة والجيش في خطوة ثالثة, وقد لاقى هذا الحراك السياسي ترحابا كبيرا وفق بعض التحليلات سيما من الجانب المصري والاماراتي والمبعوث الأممي الذي واكب ولا يزال يواكب أهم محطات التوافق التي ظهرت على لقاءات المشري وعقيلة.

داخل هذا الاطار السياسي الداخلي في ليبيا, وانطلاقا من معطيات الأزمة المالية والغذائية في الداخل الليبي  يمكن أن تتنزل زيارة الدبيبة إلى تونس بماهي زيارة سياسية بامتياز, تهدف إلى بحث سند سياسي خارجيخاصة بعد تعطل قنوات التواصل بين الحكومة المصرية وحكومة الدبيبة والحذر الجزائري من الخطوات السياسية الغير محسوبة في علاقة  بأمن المنطقة, ويصبح من الوجاهة افتراض أن هذه الزيارة تهدف في جوهرها لخلق محور اقليمي يمكنه من تجاوز العاصفة ومحاولات اسقاطه وليست في التحليل الأخير الا ضرب من ضروب المسرح السياسي.

 ولعل مخرجات لقاء الدبيبة ورئيسة الحكومة نجلاء بودن خير دليل على ذلك حيث يمكن اعتبارها مخرجات على هامش ما يجب أن يطرح فعلا على طاولة الحوار ومن وراءه الاتفاقيات التي يجب ابرامها, ونقصد هنا ملف الطاقة من غاز ونفط الذي يمثل اليوم أزمة في الداخل التونسي ويثقل كاهل الاقتصاد الوطني, حيث جاءتالانتظارات من وراء هذه الزيارة رفيعة المستوى  مخيبة للآمال ودون المستوى ولم تطرح حتى فكرة الأسعار التفاضلية لهاتين المادتين, بل على العكس من ذلك تدفع اليوم الدولة التونسية فاتورة أزمة الطاقة من خبز وقوت أبناء شعبها عبر تكثيف التصدير للمواد الغذائية إلى الداخل الليبي  دون تعقل ولا رؤية استراتيجية لما قد تؤول إليه الأوضاع في العالم خاصة في ظل تواصل الأزمة الأوكرانية الروسية.

بالإضافة إلى ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الزيارة لا تمثل الدولة الليبية بقدر ما تمثل الغرب الليبي فحسب, وعليه فإن هذه الاتفاقيات على الرغم من هامشيتها إلا أنها قد تكون رهينة بقاء الدبيبة من عدمه, وقد تخلق شبه أزمة في المستقبل بين برلمان طبرق والعديد من الفواعل السياسية في ليبيا والدولة التونسية, خاصة وأن التوترات في الداخل الليبي بين الفرقاء على أشدها وتنذر بمزيد التوتر السياسي الذي قد ترافقه عمليات مسلحة كما هو الحال في السنوات الماضية, حيث كان من الأفضل على الدولة التونسية الوقوف على نفس المسافة من كل الأطراف المتنازعة ودفع ودعم العملية السياسية بين الفرقاء وتقريب وجهات النظر عوض البحث عن أشكال من التعاون التجاري والاقتصادي دون الأخذ بعين الاعتبار المسألة السياسية والديبلوماسية والاستراتيجية والمصالح المستقبلية للدولة التونسية التي يمكن استقراءها انطلاقا من الوضع الداخلي الليبي وما يحصل على المستوى الدولي والاقليمي, وحيث أننا نعرف جيدا علاقات الصداقة بين افراد الشعب الليبي والشعب التونسي وعلاقات التصاهر والتآخي والتحابب, ناهيك عن العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين, الا أننا نرى أن المصالح السياسية والاستراتيجية للدولة التونسية سابقة عن كل المصالح المادية الأخرى, وأن الخطوات المتأنية في العلاقات الدولية أفضل بكثير من الخطوات المتسارعة والمتسرعة.

في الاخير كيف يمكن ترجمة هذه الوعود التي طرحت على طاولة الحكومة التونسية, علما وأن الكثير من الوعود قد ألغيت من قبل مع جمهورية مصر العربية وتبين انها لم تكن إلا مجرد وعود تخفي مآرب سياسية واقليمية لحكومة طرابلس, وكيف يمكن تحويل وعود حكومة الدبيبة إلى منجز حقيقي سيما بعد حزمة العقود والاتفاقيات التجارية والاقتصادية  الممضاة بين حكومة الدبيبة وتركيا.