عادل الهبلاني-12-7-2022
لا تزال ورقة دعم الحركات الارهابية قائمة الذات وتلعب دور حيوي في ظل التوترات التي يشهدها العالم وتشهدها القارة الافريقية على وجه الخصوص, ويبدو ان فكرة القضاء على داعش ليست الا ضرب من ضروب المغالطة وأن ملاحقة التنظيم أين ما حل ليست أيضا سوى مسرحية يحرك خيوطها الغرب وعلى رأسهم أمريكا, فما تشهده سوريا اليوم وخاصة في محافظة الرقة والتفجيرات والعمليات التي ينفذها داعش في العراق, تنذر بعودة التنظيم على أكثر من واجهة, وتبين تباعا أن المسألة تجاوزت انحصار التنظيم بين العراق وسوريا سيما بعد سلسلة العمليات الارهابية التي ينفذها التنظيم في افريقيا, لنجده اليوم ينزل بطم طميمه على القارة السمراء وشمالها التي تعيش بدورها توترات ونزاعات ومتغيرات سياسية غير مسبوقة في تاريخها المعاصر.
بعد شبه الخفوت والتقلص في حجم تنظيم داعش الارهابي في كل من سوريا والعراق على وجه الخصوص, أصبح الحديث اليوم عن عودة التنظيم وهجرته واستنهاضهوبالنتيجةتمدده أكثر فأكثر بعد لملمة صفوفه أمرا واقعا في الشرق الأوسط و القارة الافريقية.ولما كانت بدايات العودة خاصة في مدينة الحسكة في أعقاب الهروب الأخير من سجن الحسكة التي رافقتها أعمال إرهابية في مناطق متفرقة من سوريا والحدود العراقية, فإن عودة التنظيم بشكل جلي تعرف أوجها في قارة إفريقيا, حيث وجد التنظيم لنفسه ثلاث منافذ لبسط نفوذه في قارة إفريقيا, مستثمرا بذلك البنية السياسية والأمنية الهشة التي تعيشها أغلب دول إفريقيا, وقد أصبح تنظيم داعش اليوم أكثر خطورة سيما بعد الخبرة القتالية التي اكتسبها وتمكن قياداته وتمرس مقاتليه ميدانيا,بالاضافة إلى قضاء التنظيم على بقية التنظيمات الأخرى على غرار بوكو حرام وتنظيم القاعدة, وأصبحت اختياراته أكثر استراتيجية مرتبطة أساسا بتنفيذ الأجندات الخارجية وتحت طلب قوى إقليمية على غرار أمريكا فرنسا وتركيا , حيث تكون هناك قراءة مسبقة تقوم على فهم أوضاع الدول الأمنية والسياسية بهدف الاستثمار والتوغل على أكثر من جبهة وبث الفوضى وتشتيت محاولات التصدي و يتم من خلالها وبعد ذلك تحريك خيوط داعش.
ويعود تمكن داعش من التوغل في عمق إفريقيا إلى أسباب متعددة, تكمن أساسا في الصراعات والتوترات التي تعيشها إفريقيا والهشاشة السياسية وغياب الحوكمة الرشيدة التي من شأنها أن تقضي على حالة الريبة التي تكتنف أغلب شعوب إفريقيا التي مازالت إلى اليوم لم تصفي مشاكلها العالقة ذات الصبغة العرقية والدينية والاقتصادية التي ساهمت في مزيد تجذير الفقر والجوع والحاجة, ناهيك عن تحول القارة السمراء إلى حلبة صراع بين قوى إقليمية ودولية كبرى,فالانقسامات السياسية وحالة التعطل والأزمات المتتالية التي تعيشها ليبيا وغياب الأمن والفوضى العارمة وحظر التسليح, جعلت من الأراضي الليبية أراضي خصبة والبوابة الاولى إلى عمق إفريقيا لإعادة داعش لملمة صفوفه ورص مقاتليه العائدين من سوريا عبر تركيا إلى ليبيا وتمركزهم في درنا وسرت والصحراء الليبية التي تفيد آخر التقارير الاستخباراتية أن عدد الارهابيين فيها وصل إلى 3000 ارهابي.
هذه العوامل مضاف إليها الموقع الاستراتيجي لليبيا والذي يجعلها بوابة داعشالأولى إلى افريقيا عبر الجنوب الليبي كأهم محطة لتحريك مقاتليه مرورا بتشاد التي أنشأ فيها أربعة ولايات في منطقة بحيرة التشاد تحت قيادة مركزية في ولاية بورنو في نيجيريا, ويجعل من الصومال والسودان البوابتان الثانيتان لمزيد توغل داعش عبر البحر الأحمر.
هذه المنافذ التي اعتمدها التنظيم للتواجد في افريقيا تجعل من شبكة علاقاته وتحركاته معقدة جدا وأهدافه أكثر تعقيدا واستقرائه استخباراتيا والتصدي له عسكريا أمر ليس بالسهل, كما أنها تفتح باب التساؤلات والاحراجات حول الدعم الذي يتلقاه التنظيم من جهات مختلفة سيما وأن القارة الافريقية أصبحت مطلبا دوليا ومنطقة صراع إقليمي لما تتمع به من خيرات وثروات. ولعل فهم التوتر بين فرنسا من جهة وايطاليا وتركيا من جهة أخرى والصراع الروسي الصيني الأمريكي من جهة أخرى يدعم فكرة أن غض الطرف على جرائم التنظيم والاستثمار فيه أمرا واقعيا سيما وأن القوى الغربية على رأسهم أمريكا لها سابقات في العراق وسوريا وتعاملات ودعم للحركات الارهابية وتنظيم داعش على وجه التحديد.
وبالعودة على توغل وتغلغل داعش في القارة الافريقية وعمقها وملاحقة تحركاته وجرائمه التي يقوم بارتكابها والتي تتزايد يوم بعد يوم وفق مقتضيات سياسة ومصالح داعميه ومحركي خيوطه, فالقارة الافريقية اليوم تحوي أكثر من 5000 افريقي من جنسيات مختلفة ينشطون مع جماعات ارهابية في مناطق النزاع, وإذ يتفاقم حجم الارهابيين وعلى رأسهم تنظيم داعش, فإن أرقام الجرائم والعمليات الارهابية مرعبة, حيث ينفذ التنظيم ما لا يقل عن 54 عملية ارهابية في مناطق متعددة في افريقيا وهو رقم يعد الاكبر من بين بقية الاماكن التي يتواجد فيها التنظيم.
وتعد ارتباطات داعش الداخلية أي ارتباطاته بحركات أخرى والته وبايعته على غرار “بوكو حرام” في نيجيريا و”حركة الشباب المجاهدين” الصومالية و”حركة انصار الدين السلفية الجهادية” في مالي و”حركة التوحيد والجهاد” في غرب افريقيا و بالإضافة إلى “تحالف القوى الديمقراطية” التي تعتبر مصدر قوة داعش في وسط افريقيا واعلانه ولاية له وسط افريقيا, هي أهم الأسباب الداخلية التي زادت من تعاضم التنظيم وتوغله أكثر فأكثر في القارة الافريقية.
في المقابل فإن الاسباب الخارجية وهي الأكثر خطورة على القارة الافريقية والتي حولتها قوى الشر, أي أمريكا وفرنسا على وجه الخصوص إلى مسرح صراع إقليمي بينها وبين الشرق وخاصة روسيا وعودتها القوية على الساحة الدولية والصين التنين الاقتصادي الذي زعزع أركان قوى الهيمنة القديمة. حيث ووفق استقرائنا للمشهد الافريقي والتراجع الذي شهدناه في الآونة الاخيرة لقوى التحالف الدولي لمقاومة الارهاب نفهم جيدا الارتباطات الوثيقة بين التنظيمات الارهابية والتكتيكات الاستراتيجية وخاصة منها الامريكية الفرنسية, والتي تقوم أساسا على غض النظر على ما يفعله داعش اليوم في افريقيا, ومن ثمة التدخل والضغط وإقامة وابرام الاتفاقيات من أجل الحماية من الارهاب عبر التركيز العسكري على أراضي دول افريقيا التي عصف بها الارهاب اليوم, وخير دليل على ذلك تواجد 14 قاعدة عسكرية امريكية في افريقيا وأكبرهم التي تم انشاءها مؤخرا في جيبوتي واليت تتحوز على آلاف الهكتارات.
إن توغل داعش اليوم في افريقيا وتمكنه من الارتباط داخليا بطريقة جعلته قادرا على استيعاب كل الحركات الارهابية الاخرى أو القضاء عليها لهو أمر غاية في الخطورة وذلك يعود أساسا للحجم الهائل الذي أصبح عليه التنظيم وتمركزه داخل جغرافيا هي الأكثر تشابكا وتشعبا, ناهيك عن ارتباطاته الخارجية مع القوى الغربية وانخراطه في صراع اقليمي يهدد أكثر فأكثر أمن افريقيا وسلامها وسلام شعوبها.