السبت. نوفمبر 16th, 2024

تونس 14-4-2022

تحت العنوان أعلاه،جاء في مقال بجريدة” الصحافة”للكاتب الصحفي محمد بوعود:
ربما قد يكون التقسيم على عدد ولايات الجمهورية، ذلك أنها بالصدفة ست وعشرون ولاية، أي يمكن أن يختم القرآن في العاصمة ليلة السابع والعشرين ويكون بذلك قد صلّى فيها جميعا، وهذه بالتأكيد من باب الدعابة التي فرضتها رحلات الغنوشي “كعب داير” كما يقول الأشقاء المصريون زمن الأبيض والأسود، عن المتهم الذي يريد وكيل النيابة التشفي فيه، فيرسله مع حارس ليطوف به جميع نقاط الأمن في البلاد عسى أن تكون قد تعلقت به شبهة في إحداها.

فرئيس البرلمان سابقا، ورئيس حركة النهضة إلى الأبد، لا يبدو أنه يطوف المساجد فقط للتراويح، وإلا لكان اكتفى بأدائها كلها أو بعض ركعات منها في أقرب مسجد لمقر سكناه، بل الهدف بالتأكيد أبعد من ذلك، وهو ما بدأ يحققه أو على الأقل يحقق جزء منه، وهو الظهور الاعلامي المستمر، وعدم الركون إلى النسيان، وخلق الحدث كل ليلة أمام مسجد في جهة ما من البلاد، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام،وهو الأمر الذي يبقيه محور نقاش، ويمكّنه من أن يكون حاضرا باستمرار ويسجل تواجده كل ليلة في حوارات الفايسبوك والمقاهي واليوتيوب وحتى الجرائد والتلفزات..
الغنوشي يعرف جيدا أن هذه الحركات لن تجدي نفعا، ولن تعيده الى سلطة انتزعت منه لأنه لم يستطع الحفاظ عليها كما يجب، ويعرف أن روّاد المساجد للتراويح، إن كانوا معه فلن ينتظروا حضوره بينهم لتأكيد ذلك، وإن كانوا ضدّه فلن تغيّر صلاته على نفس حصيرتهم في شيء، وإن كانوا محايدين أيضا فسيلقون السلام ويغادرون ككل ليلة، لكنه يصرّ مع ذلك على الحضور وتسجيل تواجده، وتصرّ المجموعات المناهضة له على مطاردته من جامع إلى جامع، وتنتظره كل ليلة لتهتف بشعاراتها المعروفة، والتي يبدو أنها لم تعد تؤثر في الشيخ الذي خسر كل شيء ولن يضيره في شيء هتاف بعض المناوئين ضده او محاولة طرده أو حتى ان يقال عنه إنه يستعمل بيوت الله لغير الصلاة.
ويعلم جيدا رئيس البرلمان سابقا، أن هذه الحركات لن تضعف خصمه، ولن تقوّي جناحه، لكنها فقط تزعج رئيس الجمهورية وتقضّ مضاجع بعض معارضي الشيخ، وهذا يبدو أنه يكفي مرحليا الغنوشي ليستمر، فالخيارات أمامه لم تعد كثيرة، فالرجل فقد سطوة الحكم، وقوة السلطة، وبهرج الرئاسة في أعلى منصة البرلمان، وفقد الكثير من أنصاره وحلفائه، وفقد البنيان المتين لحركته التي كانت أغلبية وكانت قوية وكانت منظمة ومسيطرة، وكانت بالخصوص قادرة على تعبئة الأنصار بعشرات الآلاف، للتظاهر دعما له وللحكومات التي كان يعيّنها خفية ويدعمها علنا، وفقد أيضا القدرة على المناورة سياسيا باللعب على وتر التحالفات والاغراءات بالمناصب، وقلب الطاولة على الخصوم، وممارسة السياسة “بقلب ميّت” كما يقال، وفقد البساط الأحمر الذي كان يُفرش له في مطارات العواصم حيثما حلّ، وفقد أيضا القدرة على خطف الأضواء في مفتتح نشرات الأنباء على القنوات العربية والعالمية، واليوم لم يبق له إلا آليتان لا ثالث لهما، خاصة بعد أن ترك مهمة الاتصال بالخارج لمندوبيه في نيويورك وباريس ولندن وأنقرة والدوحة، وتفرّغ هو للصلاة “كعب داير” وللبرلمان بتطبيقة الزوم.
ربما لم يتخيّل الغنوشي أن يأتيه يوم يصبح فيه غير قادر على ملاقاة نوابه وجها لوجه، وهم الذين كانوا يملؤون عليه مكتبه حين يحضر، ونادرا ما يحضر، ويضيق بهم منزله حين لا يذهب الى باردو، وأصبح فقط يتواصل معهم بطريقة الزوم، وهي الوحيدة التي بقيت ممكنة تقريبا، بعد أن استحال عليه عقد اجتماعات لمجلسه الذي لا يريد أن يعترف بتجميده ثم بحلّه، ولا للجماهير التي كانت تحتشد في محمد الخامس ليخطب فيها، ولا أيضا للأحزاب والقوى التي كانت تتسابق الى بيته سعيا وراء رضائه وإرضائه، ولا أيضا للجلسات الحزبية والاجتماعات والمشاورات واجتماعات التنفيذي والسياسي والشورى والجهات والفروع..
الغنوشي بات موقنا أن تلك الأيام لن تعود، لكنه لم يستسلم، ومايزال يقاتل بكل الوسائل أملا في العودة إلى محيط السلطة ولو بنصيب قليل مما كان، ويبدو أنه لم يبق بيديه سلاح غير جلسات الزوم وتراويح “كعب داير”.. فهل يستطيع ياترى أن يحقق بها خرقا في جدار السلطة الجديدة من هنا إلى موعد ختم القرآن في ليلة سبعة وعشرين، أم أنها حشرجات النهاية السياسية التي لا يريد أن يقرّ بها ويصدّقها؟