الأحد. ديسمبر 29th, 2024

اعداد أميرة زغدود:

تتأتى الأهمية الجيوستراتيجية لدولة معينة أو منطقة بعينها من خلال ما تمتلكه من ميزات أو خصائص  مقارنة مع الأقاليم المجاورة لها ومن خلال الحاجة الدولية لهذه المنطقة دون غيرها، وتتخطى الأهمية الجيو ستراتيجية البُعد المحلي لتبلغتأثير الامتداد العالمي الذي من شأنه التأثير على التوازن الإقليمي والدولي، وتعتبر الجهة الشرقية للقارة الإفريقية أو ما تعرف بـ “منطقة القرن الإفريقي”منطقة استراتيجية نظرا لعديد العوامل ومن هذا المنطلق اكتسبت دول القرن الافريقي مكانة مميزّة مقارنة ببعض الأقاليم الأخرى بالقارة.

وتعتبر إثيوبيا إحدى دول القرن الافريقي التي لها من الأهمية ما يجعلها فاعلة على المستويين الإقليمي والدولي،ومثّل تقلّد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد السلطة بإثيوبيا في أفريل من العام 2018، نقطة تحوّل في المشهدية السياسية بالبلد الإفريقي الذي يسعى إلى النهوض الاقتصادي، وإذ مثَّلت خطوات آبي أحمد المتسارعة، نحو إرساء إصلاحات سياسيّة واقتصادية واعدة، كعمليّة قطع مع ما سبق تاريخ البلاد، حيثسعت العاصمة أديس أبابا الى الخروج من خانة الصراعات إلى دولة تبحثعن المصالحة مع دول الجوار، لغاية إعادة تموضعها على نحو جديد يمكِّنها من مواصلة مشروع نهوضها الاقتصادي.

في هذا التقرير سنعرض لكم تفاصيل هذه الدولة الافريقية التي تشهد تحديات جسام للنأي بها عن الحروب أو الفشل في مشروع سياسة النهوض الاقتصادي، ومدى تأثير الأطماع الخارجية والتحالفات الدولية الجديدة لآبي أحمد.

إثيوبيا الدولة

دولة إثيوبيا تُعرف رسميّا باسم “جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية”،وكانت فيما سبق تعرف بـ “بلاد الحبشة”، هي دولة إفريقية غير ساحلية تقع في الجانب الشرقيللقارة السمراء،تشترك في حدودها مع إريتريا من الشمال وجيبوتي من الشمال الشرقي والصومال من الشرق وكينيا من الجنوب وجنوب السودان من الغرب والسودان من الشمال الغربي.

وفقا لإحصائياتالعام 2021، بلغ عدد سكّانها أكثر من117,876,227 نسمة، لتحتّل إثيوبيا بذلك المرتبة 12 من حيث عدد السكان في العالم، وثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في القارة الأفريقيةبعد نيجيريا، وتبلغ مساحتها الإجماليّة 1،100،000 كيلومتر مربع.

وتعتبرإثيوبيا موطن لأكثر من 80 مجموعة عرقية مختلفة، معظمها لها لغتها وممارساتها الثقافية الخاصّة.

عاصمتها المركزية وأكبر مدنها هي “أديس أبابا”،التي أصبحت اليوم تعتبر عاصمة القارّة الافريقية،حيث تعدّ إثيوبياموطنا للعديد من المنظمات الدولية:كالاتحاد الأفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، فضلا على وجود سفارة فيها لكلّ دولة في القارة والعالم.

آبي أحمد وصفحة جديدة

إنّ المنهج الجديد الذي حداه آبي أحمد عكس صورة جديدة من خلال خطّته العمليّة داخليا وخارجيا، حيث عمد إلى احداث تغييرات في عديد المناصب الحسّاسة في الدولة وقام بإزاحة الطبقة السياسيّة والعسكريّة التي ظلّت مهيمنة لعقود على السلطة في إثيوبيا وسهر على إبقاء الجيش بعيدا عن التجاذبات السياسية، وذلك على خلفيّةهيمنةالقياديين العسكريين من قومية “تيغراي”على مفاصل السياسة الإثيوبية الداخلية والخارجية لما يزيد عن 20 سنة.

ليتمّ تعيين “سيري مكونن” قائدًا للقوّات المسلّحة خلفًا لـ “سامورا يونس” الذي ترأس القوات المسلّحة لأربعة عقود، كما عُيّن قائد القوات الجوية، آدم محمد، رئيسًا لجهاز الاستخبارات والأمن الوطني خلفا لِـ”جيتاتشو أسافا”.

وجاءت هذه التعيينات في إطار تعهّدات آبي أحمد، التي تحدّث عنها بداية توليه لمنصب رئاسة الوزراء في أفريل 2018، حيث وعد بجملة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية بالبلد الافريقي كاستجابة منه لمطالب المحتجين على خلفيّة الاضطرابات التي شهدتها البلاد في السنوات التي سبقت قدومه.

إلى جانب، فتح آبي أحمد لحوارات بنَّاءة مع القوميات الأكثر تهميشا سياسيًّا واقتصاديًّا، هذا ما عكس صورة مغايرةللسياسات الداخلية الإثيوبية في تعاطيها مع مسائلها الداخلية الحرجة التي تواصلت منذ العام 2016.

الموارد سبب الأطماع

كانت ولا تزال إثيوبيا تمتلك جملة من الموارد الطبيعية المهمّة التي تزيغ أعين الأطماع الخارجيةكالذهب والبلاتين والنحاس والبوتاس والغاز الطبيعي والطاقة الكهرومائية التي أضحت من نعمة إلى نقمة في الوقت الحالي.

يعدّ اقتصاد إثيوبيا إحدى أقوىالاقتصادات في العالم، إذ تُعتبر دولة قويّة تعتمد أساسا على ما لديها من موارد طبيعية والعوامل الحيوية التي يحتوي عليها الاقتصاد، حيث مكَّنته من الازدهار وتحقيق نسب نموّ مستمرّ الأمر الذي أدّى إلى تطوّر صناعي كبير.

وفقا لإحصائيات العام 2020، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي 95.91 مليار دولار، ويُعتبر هذا المؤشر حلما تسعى الكثير من الدول إلى تحقيقه، لارتباط ازدهار اقتصاد البلاد وتحسّنهابزيادة معدّلات الناتج المحلي الإجمالي.

كما أنّ توفّر الآبار النفطية داخل البلاد تعود على الدولة بالعديد من الإيرادات المالية وكذلك تحقّق التوازن، حيث تسهر على توفير العديد من فرص العمل للأفراد مقابل توفّر العديد من المنتجات الأساسية للمواطنين بأسعار معقولة.

وتعوّل دولة إثيوبيا بدرجة أولى على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، التي بدورها تسهّل تحريك العجلة الاقتصادية بالبلاد وترفع من معدّلات النموّ الاقتصادي الإثيوبي.

ويعمل قطاع الصناعة على جذب المستثمرين للاستثمار داخل البلاد وبذلك توفّر لهم الفرصة لعرض منتجاتهم في العالم الخارجي.

كما تمتلك إثيوبيا علاقات تجارية قويّة مع العديد من بلدان العالم، فإثيوبيا توازن بين ميزان المدفوعات مع العديد من الدول.

في حين، يعود القطاع السياحي على الدولة بالعديد من الإيرادات الماليّة الضخمة سنويّا، كما أنّه يجذب الكثير من السياح من مختلف أنحاء العالم، ويعتبر هذا القطاع مركز جذب للمستثمرين للاستثمار في البلاد، لتكون زيادة نسب الاستثمارات الخارجية عاملا في ارتفاع نسبة الإيرادات الماليّة وانعكاساته الإيجابية على الاقتصاد العام.

الأهمية الاستراتيجية

تعتبر إثيوبيا النقطة الهشّة والاستراتيجية الجيوسياسية بمنطقة القرن الإفريقي، نظرا لموقعها الجغرافي إذ تتوسّط عددا من الدول التي تشكّلنقاط خطر إقليمي على المنطقة وأيضا على العديد من الجهات.

ومنذ وقت قريب، كان يُنظر إلى إثيوبيا على أنّها الدولة الافريقية الأكثر استقرارًا في منطقة إقليمية غيرمستقرّة، وقد ساهم ذلك في أن تصبح إثيوبيا شريكًا رئيسيًا وفاعلا في الحرب ضدّ الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي.

الصراع الداخلي يهدّد المصالح

منذ نوفمبر 2020، تعيش إثيوبيا حالة من الصراع المسلّح ضدّ قوات إقليم تيغراي الشمالي، لتتهافت وساطات حكومات كبرى لإنهاء القتال في اثيوبيا الذي يضرّ استمرارهبمصالحها هناك، وسعيها الدؤوب لعودة الاستقرار ومنع النزاعات الإثنيةخوفا من تعمّق الصراعواستمراره لسنوات طويلة.

وبرزت خطورة الصراع بين قوات الجيش الفيدرالي ومقاتلي جبهة تحرير شعب تيغراي في امتداده ليطال أقاليم أخرى على غرار إقليم عفر المتفرّع بين إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي، ومسلمي بني شنقول في إثيوبيا والسودان، والنوير والأنواك في إثيوبيا ودولة جنوب السودان، دون السهو عن خطورة ما يمكن أن تطاله المنطقة لإقليمية من صراعات جديدة هي في غنى عنها.

قد يبدو للوهلة الأولى أنّ الصراع الدائر في اثيوبيا هو صراع إثني أو صراع سياسي داخلي، ولكنّ الحقيقة أنّ الصراع هو صراع تحرّكه أطراف خارجيةهدفها الفوزبالموارد بالاقتصادية مهما كلّف الأمر.

الأهمية الجيو-استراتيجية لاثيوبيا

منذ سنين، تعتبر دول منطقة القرن الإفريقي والتي من بينها إثيوبيا محطّ أنظار القوى الدولية الكبرى، نظرا لأهميّتها الإستراتيجية وامتلاكها لعدد من طرق التجارة الدولية البرية والبحرية، ليزداد بذلك التنافس الغربي على بسط النفوذ في دول هذه المنطقة.

لم يقتصر التنافس الخارجي على دول الغرب فقط بل كذلك سعت عديد الدول العربية لبسط يدها على موارد هذه الدولة الإفريقية الغنية الفقيرة نتيجة الحروب والصراعات، وحاولت هذه الدول خلال السنوات الأخيرة العمل على تقوية حضورها في تلك الدول نظرا للأهميّة الاقتصادية والإستراتيجية للمنطقة عموما وللبلدان التي يمرّ نفطها عبر المنافذ البحرية التي تتحكّم فيها هذه الدول.

وتطول قائمة الطامعين في ثروات بلدان القارة السمراء، وعلى رأسهاته القائمة نجد الولايات المتحدة والصين والهند واليابان وتركيا وإيران وإسرائيل تسعى جاهدة لتقوية حضورها ونفوذها في هذه الدول.

الأطراف الخارجية المتدخلة في إثيوبيا

ففي حين، ركّزت الولايات المتحدة اهتمامها بدول القرن الإفريقي بعد حرب الخليج الثانية خاصّة وأنّ واشنطن تتمسّك بسياسة الربط بين الأمن القومي الأميركي وأمن الطاقة النفطية في العالم،لتحصل بذلك على إمكانية تحكّمها في منابع الطاقة بالمنطقة أكثر مقارنةبالقرن الماضي.

وساهمت حالة الفراغ العسكري والأمني التي شهدها الإقليم خلال السنوات الأخيرة في تعميق الأزمة هذا ما دفع واشنطن للاهتمام بها أكثر، خاصّة بعد تخلّي فرنسا وبريطانيا وإيطاليا عن هذه المنطقة التي كانت مجالا لنفوذها بالتقاسم التاريخي، لتبدأ أيضا الصين في عملية التغلغل في القارّة الإفريقية عامّة ودول منطقة القرن الإفريقي خاصّة.

تواجد عسكري علني

اليوم وبشكل معلن، تمتلك واشنطن قاعدة عسكرية في جيبوتي، كما تحدّثت عديد المصادر الصحفية عن وجود قواعد عسكريّة سريّة لها بعدد من دول القرن الأفريقي؛ حيث توجد قاعدتين بحريتين في كينيا “مومباسا” و”نابلوك”،وتمتلك الو. م في إثيوبيا قاعدة “أربا مينش” الجويّة للطائرات بدون طيّار منذ عام 2011، ومهمّتها الاستطلاع والتجسّس علىمنطقة شرق إفريقيا.

أما عند الحديث عن التواجد الإسرائيلي فقد وجدت إسرائيل مجالا حيويا في تلك المنطقة الحيويّة، لتأسّس وجودا عسكريا وأمنيا،وعملت على تطوير علاقاتها السياسية مع بعض أنظمة تلك المنطقة وخاصة النظام الإريتري والإثيوبي.

ويعتبر الكيان الإسرائيليهو العقل المدبّر والمستفيد الأكبر من بناء سدّالنهضة الإثيوبي، حيث عملت تل أبيب في السنوات الأخيرة على رفع مستوى علاقاتها بإثيوبيا، كيف لا وهناك قرابة 130 ألف يهودي من أصول إثيوبية يعيشون داخل إسرائيل من يهود الفلاشا الذين استماتت إسرائيل سابقا لتسفيرهم إلى المستوطنات الإسرائيلية.

وفي يوليو 2019، كشف موقع “تيك ديبكا” الاستخباري الإسرائيلي عن عمل تل أبيب إلى تحصين سدّ النهضة الإثيوبي، ومساعدة أديس أبابا على حماية سدّها الذي قد يتعرض إلى هجمات في حال فشل المفاوضات مع دول المصبّ مصر والسودان.

كما ذكر نفس الموقع أنّ طواقم من ثلاثة مصانع متخصصة في الصناعات العسكرية والدفاعية والجوية في إسرائيل أنهت في العام 2019 العمل على نصب منظومات دفاعية جوية متطورة من طراز “Spyder-MR” حول السدّ الإثيوبي.

ومن جهة أخرى، نجدالإمارات قد أصبحت من اللاعبين الرئيسيين في منطقة القرن الأفريقي التي تزداد أهميتها الاستراتيجية، لارتباطها بكلّ من البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، ففي الوقت الذي تعيش دولة إثيوبيا على وقع حرب مباشرة ومسلّحة بين الحكومة المركزية وقوات جبهة تحرير تيغراي وعدد من الأقاليم المتحالفة ضدّ الحكومة المركزية.

وتعتبر الإمارات إحدى أهم حلفاء آبي أحمد في حربه ضدّ المتمردين، وتفيد التقارير أنّ في الفترة بين شهر أغسطس ونوفمبر 2021، باستقبال قاعدة “هرر ميدا” الجويّة جنوبي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لأكثر من مئة رحلة جوية محمّلةبالأسلحةً والذخائر القادمة من الإمارات إلى الجيش الإثيوبي، وهناك تقارير تسربت تفيدباستخدام السفن عبر الصومال لنقل الأسلحة الإماراتية لقوات الجيش المركزي.

كما أسهمت تركيا في تقويض الجهود الامريكية لوقف الاقتتال عبر توفيرها الطائرات المسيّرة وبعض الاسلحة لإثيوبيا، وفي حينأنّها دائما ما تشير إلى أنّ تعاملها مع هذه الدولة يتعلّق بالجانب التجاري في المقام الأوّل، فيرى المراقبون أنّ لتركيا كذلك بعض الاهتمامات السياسية في القارة الافريقية دفعتها الى تنظيم لقاء قمة تركي – افريقي مؤخراً.

عبر التاريخ كانت دول القارة السمراء الزاخرة بالموارد الطبيعية ،التي تجعل منها دولا متقدّمة، ولكنّ الحروب والصراعات السياسية قوّضت مشروع النهضة الإفريقية المحتمل، على اعتبار أنّ “القارة الافريقية هي المستقبل”، وتوجّهت جميع الأنظار حولها لنجد الكلّ يبحث عن حصّة من الكعكعة، لتطول قائمة المتدخلين تحت غطاء الاستثمارات الأجنبية التي هي في الحقيقة تعمل على تحقيق أرباح هائلة مقابل فتات لا يسمن ولا يغني من جوع، وإثيوبيا ليست بمعزل عما سبق وقيل فهي تميّزت بموقع استراتيجي يمكّنها من أن يكون النقطة الحساسة التي يمكن بها الضغط على عديد الجهات ممن لا يتفقون مع أصحاب المصالح فيها.