غينيا: 14-01-2022
خلال العام الماضي، تعرّضت دولتا البنين والتوغو لهجمات إرهابية، انطلاقا من النقاط الحدودية مع بوركينا فاسو، هذا ما شكّل أحد أهم التهديدات من إمكانية نقل نشاطات الجماعات المسلحة من منطقة الساحل إلى دول خليج غينيا ذات المناخ الرطب والغابات الكثيفة.
وشهدت منطقة الحدود المشتركة مع بوركينا فاسو عديد الهجومات؛ ففي 2 ديسمبر الماضي، قُتل جنديين من بنين في هجوم إرهابي وسقوط عديد الإصابات، في حين وقع هجوم ثان في منطقة بورجا شمالي بنين، بعد هجوم نفّذه مسلّحون على دورية عسكرية بمنطقة أليبوري شمالي البلاد، وأسفر الهجومان عن تحييد عدد من المسلّحين، ويعتبر هذان الهجومان الأولان من نوعهما ضدّ الجيش البينيني.
ومن جانبها، أعلنت قوات الجيش في التوغو، عن تصدّي قوّاتها، في شهر نوفمبر الماضي، لهجوم إرهابي بعد محاولة مجموعة مسلّحة عبور المنطقة الحدودية مع بوركينا فاسو إلى أراضيها.
وتعتبر كذلك، هذه المرة الأولى التي تعلن فيها القوات التوغولية عن اشتباكها مع مسلّحين منذ العام 2018، عندما أطلقت عملية عسكرية لمنع تسلّل المسلحين من بوركينا فاسو إلى أراضيها.
ويرى مراقبون أن المواجهات بين الجيش البوركينابي والجماعات الصغيرة التابعة لتنظيم القاعدة تجبر الأخيرة على الفرار إلى داخل الأراضي التوغولية أو البينينية.
وفق ما تفيده الدراسات والتقارير المهتمة بمسار نشاطات الجماعات الإرهابية في قارّة إفريقيا، فقد انطلقت هذه الجماعات من الجزائر خلال فترة التسعينات، لكنها بعدما خسرت معركتها مع الجيش الجزائري نهاية القرن الماضي، حاولت أن تجد موطأ قدم جديد لها في موريتانيا، لتلجأ في مرحلة ثانية إلى تركيز نشاطها في المنطقة الشمالية بمالي.
لقد كانت الركيزة الأولى لهذه الجماعات المسلحة هي استغلال ضعف جيوش منطقة الساحل الإفريقي، والنزاعات الإثنية والقبلية التي اندلعت في شمال مالي في العام 2012، ليعملوا على التحالف في البداية مع جماعة الطوارق والأزواد قبيل الانقلاب عليهم.
وكانت عمليّة تدخل القوات الفرنسية “عملية سيرفال” في العام 2013 بمالي، العنصر الداعم لعدم قدرة الجماعات الإرهابية التابعة للقاعدة، على إبقاء سيطرتها على المدن الكبرى شمالي مالي، غير أنّها تمكنت من التمدّد والانتشار إلى ما وراء نهر النيجر، بعد تحالفها مع جماعة “تحرير ماسينا”، التابعة لقبائل الفلاني.
ووفق ما أوردته المصادر المالية الرسمية، فقد تحالفت 4 جماعات مسلّحة بالساحل ما أمكنها من التمدّد في النيجر ثم بوركينا فاسو، وأصبح نشاطها في أكثر من 80 % من مساحة مالي.
واعتبر ظهور جماعة بوكو حرام في شمال نيجيريا في العام 2009، ثمّ انضمامها إلى “داعش” في العام 2015، هذا ما أدّى إلى اتساع نشاطها حول محيط بحيرة تشاد التي تتقاسمها 4 دول؛ نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون.
وفي ذات السياق، أدى سقوط إمارة داعش في مدينة سرت الليبية نهاية العام 2016، إلى تعزيز تواجد التنظيم الارهابي في منطقتي الساحل وبحيرة تشاد.
الحلقة الأضعف في خليج غينيا
تضمّ دول خليج غينيا الرئيسية كلا من؛ بنين والكوت ديفوار وغانا وغينيا وتوغو، وتعتبر دولتي البنين والتوغو الحلقة الأضعف ضمنها.
فلا يصنّف الجيشان التوغولي والبينين ضمن قائمة أقوى الجيوش في العالم وفي افريقيا ذاتا، فمقارنة بالبلدان الافريقية المجاورة كالجيش الغاني المصنّف في المرتبة الـ 17 إفريقيا أو الكوت ديفوار المصنّف الـ 24 إفريقيا، وإن دلّ هذا على شيء فيدلّ على تواضع وضعف القوات العسكرية لهذين البلدين.
يبلغ قوام جيش بنين نحو 11 ألف جندي وضابط، مزودين بـ 10 دبابات صينية، و47 مدرّعة فرنسية وأمريكية وصينية من طرازات قديمة، بالإضافة إلى عدد قليل من طائرات النقل والاستطلاع، بينها طائرتان فقط في الخدمة.
في حين لا يتجاوز قوام الجيش التوغولي، 11 ألف عنصرا، ويمتلك 11 دبابة سوفياتية قديمة أغلبها خرجت عن الخدمة من جيوش عديدة مثل “تي 34″، بالإضافة إلى نحو 50 عربة مدرعة.
هذا ما يؤكّد أنّ الجيشين البنيني والتوغولي هما من أضعف جيوش خليج غينيا، وهذا ما جعلهما هدفا سهلا للجماعات الإرهابية.
سياسة التوسّع في خليج غينيا
ارتكز مشروع توسّع تنظيم “القاعدة” في منطقة خليج غينيا، على معاقله في بوركينافاسو، للتسلّل نحو بنين عبر الحدود الشمالية، في حين عمد تنظيم بوكو حرام إلى الهجوم على بنين على الحدود الشرقية مع نيجيريا.
وبعد خسارتها لأهمّ معاقلها في غابة سامبيسا وبحيرة تشاد، شمال شرقي نيجيريا، خلال المواجهات الدامية مع تنظيم “داعش” في الغرب الإفريقي، انتقل نشاط جماعة بوكو حرام في مناطق متفرّقة من بينها ولاية النيجر في الشمال النيجيري على الحدود مع بنين.
وعكست مشاركة البنين في التحالف الإقليمي الخماسي، الذي تشكّل لمحاربة بوكو حرام في منطقة بحيرة تشاد، مع نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر، قلقها المتزايد من خطر تمدّد الجماعات المسلّحة إلى أراضيها، ولكن هذا التهديد أصبح يمثّل تهديدا مباشرا اليوم.
ولا تعتبر جماعة بوكو حرام الوحيدة النشطة على الحدود النيجيرية البينينية، حيث توجد جماعات مسلّحة أخرى نشطة في منطقة الشمال الغربي النيجيري، كجماعة “أنصارو” المبايعة للقاعدة والمتحالفة كذلك مع عصابات محليّة، التي بدورها أيضا تمثّل تهديدا على الدولة.
في المقابل، يتمركز وجود “داعش” في منطقة الحدود الثلاثة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو أو ما تعرف بـ “مثلّث النار”، لكن نشاطه يذهب نحو الشرق باتجاه بحيرة تشاد أكثر من تركيز اهتمامه بالتوسع نحو غرب نيجيريا باتجاه خليج غينيا.
ينبئ الوضع في خليج غينيا بمخاطر عديدة، خاصّة فيما يتعلّق بنشاط “القاعدة” و”داعش” و”بوكو حرام”، التي تستهدف جيوش هذه الدول التي تعتبر واهنة، وهذه التنظيمات تجيد جيّدا لعبة التحالفات مع عصابات التهريب والاختطاف والسرقة، بما يمثّل تهديدا جديا لدول خليج غينيا.
وهذا الوضع يضع دول خليج غينيا في حالة من الاستعداد الأمني والاجتماعي والسياسي، في سبيل مكافحة آفة الإرهاب المستفحلة في القارة السمراء التي كانت ولازالت تعتبر المسرح الأكثر ملائمة لنشاطاتها الإرهابية وفرض تحديات جسام لمنع تغلغلها أكثر في المنطقة.