الجمعة. ديسمبر 27th, 2024

إعداد: فاتن جباري باحثة في المركز الدولي للدراسات الإستراتيجيّة الأمنيّة والعسكريّة

مراجعة وتدقيق: منى بوسيف باحثة في المركز الدولي للدراسات الإستراتيجيّة الأمنيّة والعسكريّة

 شهد العالم العربي منذ سنة 2011عدة ثورات عُرفت فيما بعد باسم”الربيع العربي”، أنهت إثرها عقودا من الجمود السياسي، في ظل أنظمة مضى على تسلمها الحكم عدة عقود. وشهدتخلالها عدة دولعربية الكثير من المظاهرات والاحتجاجات التي تطورت مطالبها مع الوقت ووصلت إلى حد المطالبة بإسقاط أنظمة الحكم والتمتع بالديمقراطية ومنع الاستبداد واحترام حقوق الانسان. وأصبحت تونس مثالا يُحتذى به في العيش بكرامة ورفاهيةثم مصر،فليبيا واليمن وسوريا. ومن أهم الثورات العربية التي قامت ضد أكثر أنظمة الحكم ديكتاتورية،كانت الثورة الليبية.

إلا أن القمع الممنهج والقوة المفرطة التي تعاملـت بها قوات الأمن معالمتظاهــرين أدت إلـى مقتـل وجـرح الكثيـر منهم في الاحتجاجات التي عمّت كافة أنحاء ليبيا.ولإن اشتدّ النزاع بين الطرفين،آثر المجتمع الدولي أن يتدخّل من بوابة مجلس الأمن، وكان التدخل الأسرع من سابقاته بتاريخ26 فيفري 2011 والذي أحال بموجبه الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب الفصل السابع، لتجد بدورها نفسها طرفا أساسيا في النزاع من خلال قيام المدعي العام بفتح تحقيق في الانتهاكات،والذي انتهى بإصدار عدة أوامر بالقبض على كبار المسؤولين،والتحقيق في الجرائم المدعي ارتكابها.

انطلاقا من هنا تبرز أهمية هذا الموضوع من خلال تسليط الضوء بالدراسة والتحليل على أهميته في إبراز خلفيات الثورة الليبية وانتهاجها فيما بعد منهج النزاع المسلح.وكيفية تعامل المجتمع الدولي مع الثورة من خلال تدخل مجلس الأمن الدولي وإحالته للوضع في ليبيا على المحكمة الجنائية الدولية. ومن ثم فإن الإشكالية الرئيسة التي يثيرها هذا الموضوع هي:

  • كيف تعاملت المحكمة الجنائية الدولية مع الأزمة السياسية في ليبيا؟
  • خلفيات التدخل الدولي في الأزمة الليبية

لقد شكلت الثورة الليبية أحد أبرز الثورات التي شهدتها المنطقة العربية في إطار ما يسمى بالربيع العربي، والتي عرفت في بداياتها العديد من المظاهرات، متأثرة بما سبقها على غرار الثورتين التونسية والمصريةللمطالبة بالعديد من المطالب التي تحلّت عموما بطابعها السّلمي، إلا أن القمع والقوة المفرطة الذين قوبلت بهما من قبل القوات الحكومية قد أدّيا بدورهما إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين السلميين، مما دفع هؤلاء المتظاهرين إلى المزيد من التظاهرات الشعبية، إذ اندلعت الاحتجاجات في كامل مناطق البلاد، لينفجر الوضع بعد ذلك بسرعة ويتحول إلى نزاع مسلح  بين قوات القذافي الحكومية وقوات المعارضة،مما دفع المجتمع الدولي للتدخّل في حل النزاع. وقد تمثّلت هذه الانتهاكات في اختراق جسيم للقانون الدولي الإنساني كان من أهمها وأسرعها على وجه الإطلاق. كما أصدر مجلس الأمن الدولي العديد من القرارات الدولية أهمها مذكرات القبض بحق كبار المسئولين في ليبيا القرار الذي أحيل بموجبه النزاع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي فتحت تحقيقا معمقا في الجرائم المدعى ارتكابها والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.

– جاء اندلاع الثورة الليبية تأثرا بما حصل في الثورات السابقةفي كل من تونس ومصر للمطالبة بإسقاط الحكم عبر العديد من المظاهرات السلمية، إلا أن القوة المفرطة والقمع الذي تعرض له المتظاهرون السلميون جعل هذه الثورة تنحرف عن مسارهاالسلمي وتتحول إلى نزاع مسلح ارتكبت فيه مختلف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية.

– لقد أدت الجرائم الدولية والانتهاكات الجسيمة المرتكبة في حق المدنيين إلى تدخل المجتمع الدولي في النزاع بهدف إنهائه وحماية المدنيين.

– يعتبر تدخل مجلس الأمن في النزاع المسلح الليبي من أهم أوجه التدخل في النزاع من خلال   إصداره للعديد من القرارات الدولية،ومن أهمها القرار 1973الذي فرض بموجبه منطقة حظر جوي على جميع الرحلات الجوية في المجال الجوي الليبي كما طالب جميع الدول والمنظمات بالتنفيذ الصارم لحظر الأسلحة، بهدف المساعدة على حماية المدنيين.

–  تدخل حلف الشمال الأطلسي في النزاع المسلح الليبي عبر قيامه بآلاف الغارات الجوية ضد القوات اللّيبية مما أدى إلى سيطرة قوات المعارضة على معظم أنحاء ليبيا ابّان ثورتها.

–  أخذ النزاع المسلح الليبي بعدا قضائيا جنائيا دوليا من خلال إصدار مجلس الأمن القرار رقم 1970 الذي أحال بموجبه النزاع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية التي فتحت تحقيقا في الجرائم المدعى ارتكابها.

– لقد أفضت التحقيقات التي قام بها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية إلى توجيه الاتهام إلىكبار المسؤولين في ليبيا، لتصدر المحكمة على أساسها مذكرات قبض بحقهم، أثار تدخل المحكمة الجنائية الدولية في النزاع المسلح الليبي بحق كبار المسؤولين الجدل حول مدى شرعية تدخلها وتحكمها في النظام الداخلي القائم. بالإضافة إلى إصدارها للعديد من مذكرات القبض، والتي تدورفي مجملها حول تعارض قرار الإحالة مع نظام روما الأساسي وعدم مشروعيته واتهام مجلس الأمن بإتباع الانتقائية وسياسة الكيل بمكيالين من خلالالاعتبارات السياسية على عملها.

  • دور المحكمة الجنائية الدولية في إدارة النزاع الليبي

على الرغم من أهمية الدور الذي قامت به المحكمة الجنائية الدولية في النزاع المسلح الليبي من خلال فتحها تحقيقا معمقا في الجرائم المدعى ارتكابها والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي تتمحور في مجملها حول العديد من مذكرات القبض بحق كبار المسؤولين، إلا أنه هناك العديد من المآخذ التي تؤاخذ عليها والتي تتمحور أساسا في:

  1. تعارض قرار الإحالة مع نظام روما الأساسي وعدم مشروعيته

من خلال تقييد مجلس الأمن لسلطات المحكمة الجنائية الدولية والتدخل في عملها من خلال إدراج القرار 1970 بضغط من الولايات المتحدة من أجل عدم إحالة رعاياها الذين يرتكبون جرائم دولية أمام محاكمها الوطنية خلال تلك النزاعات أمام المحكمة، بهدف منع الدول التي أبرمت معها اتفاقيات ثنائية من مقاضاتهم.

-2سلطة مجلس الأمن الدولي على قرارات المحكمة

ذلك أنه من أهممظاهر العلاقة بين مجلس الأمن الدولي والمحكمة هي تلك الحالاتالتي يعطي فيها النظام الأساسي للمحكمة إلى المجلس نفوذا وصلاحيات واسعة تتمثل في إحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة الدولية طبقا للمادة 11 كما له الحق في طلب وقف التحقيق او المحاكمة لمدة قابلة للتجديد دون قيد أو شرط.

هذا الأمر سيؤدي حتما إلىتسيّسها، نظرا لكونالمجلس جهازا سياسيا ينصب اهتمامه الرئيسي في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين في حين انالمحكمة هيئة قضائية ينصب اهتمامها في تحديد المسؤولين على الجرائم الدولية.

ان تفرد مجلس الأمن بنفوذه دون غيره من الأجهزة وتبعيته للدول العظمى صاحبة القرارات الدولية سيؤدي حتما الى المساس بمبدأ المساواة بين الدول وخلق النزاع وتشكل دور سلبي للمجلس في منظومة العدالة الدولية وخصوصا الأزمة الليبية الحالية.

لا بد من القولإن تبعية المحكمة لمجلس الأمنيفسر بأن موازين القوى مازالت مجمدة في القوى المنتصرة خلال الحرب العالمية الثانية وهي الدول الخمس دائمة العضوية لدى مجلس الأمن الدولي أي روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ثم الصين وبريطانيا وفرنسا.ذلك علاوة على حقها في استعمال الفيتوالدولي ضد أي قرار يتعارض مع مصالحها.

لقد أفضى ذلك إلى فكرة ازدواجية المعايير المعتمدة حيال الوضع في ليبيا فقد استطاع مجلس الأمن الدولي في ضل النظام العالمي الجديد التحكم بالشؤون السيادية للدول مستخدما في ذلك أساليب الضغط والإكراهكفرض الانتخابات أو استعمال أو إتباع استراتيجيات مغايرة تجاه أوضاع متماثلة وهذه الازدواجية ماهي إلا نتيجة لاختلاف وجهات النظر بين الدول او التحالفات المسيطرة تجاه القضية الواحدة.ويرجع هذا الأمر الى غياب الضوابط الضامنة لعدالة المجلس وخصوصا إزاء مناخ سياسي دولي وأزمات عالمية تتسم بشدة الغموض والاضطراب التي تعكس في القضية الليبية سوء نية في الالتزام بالشرعية الدولية.

لم يكن للتدخل الدولي في الوضع الليبي، بتعلة محاربة الإرهاب والتطرفوصيانة الاستقرار الإقليمي داخل المنطقة،سوى تكريسا لمنطق تصفية الحسابات وفرض عقوبات على الدول المارقة عن سياسة الأقوى، أي الدول التي لها “اليد العليا” في تقرير مصير ليبيا وليست ليبيا فقط بل وما جاورها حتى من الدول الضعيفة والمعزولة. وينطبق ذلك على قضايا عديدة معروضة على المحكمة منها الوضع في السودان وغانا والقارة الإفريقيةومنطقة الشرق الأوسط عموما.