تونس-27-12-2021
جاء في افتتاحية صحيفة”الشروق” التونسية أمس، بقلم الكاتب الصحفي عبد الحميد الرياحي:
من جديد، تعود الأزمة الليبية إلى مزاد الدول الكبرى التي عادت إلى الضغط من أجل تحديد موعد جديد للانتخابات الرئاسية التي كان مبرمجا لها أن تجرى يوم 24 ديسمبر، قبل أن يجهضها صراع وتناحر “الإخوة الأعداء” وفشلهم في بلورة حد أدنى من التوافق حول هذا الإستحقاق الحاسم الذي يدرك كل الليبيين على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم وتدرك معهم دول الجوار أن هذه الانتخابات هي أهم المفاتيح لاتجاه ليبيا صوب الهدوء والاستقرار.
الدول الغربية الكبرى هي التي دمّرت ليبيا وإن كان بدرجات تورط متفاوتة، وهي التي صبت الزيت على نار الحريق الكبير الذي أشعله الليبيون في وطنهم. وهذه الدول هي التي عادت بعد أن اطمأنت إلى استئصال الدولة الوطنية من عروقها لتضغط باتجاه إرساء سلطة سياسية جديدة تنبع من انتخابات تعددية وتتوفر على درجات من الشفافية والنزاهة.. وفي حالتي الحرب والسلم فإن الدول الغربية لا تتحرك بدوافع إنسانية ولا من باب تحمل المسؤولية ومساعدة الليبيين لوجه الله.. وهي أيضا وفي كل الحالات لا تتحرك لأجل عيون أصحاب النفط بل من أجل النفط النائم تحت أقدام أصحاب النفط الذين تفرقوا شيعا ونِحَلا وانخرطوا في اقتتال بدا وكأنه بلا نهاية.
وسط هذا المشهد الغائم والملغوم تظهر الجامعة العربية وفيّة لتخبطها ولضعفها بعد أن اكتفت بالإعراب عن قلقها وانشغالها واختفت وراء دعوات صالحات بعودة لغة العقل وتوصل الفرقاء الليبيين إلى تفاهمات تفتح الطريق أمام تحديد موعد جديد للاستحقاق الرئاسي في ليبيا. والواقع أن الجامعة العربية وفي علاقة بالأزمة الليبية وكذلك بالأزمة السورية كانت قد اكتفت بإعطاء الاشارات الخضراء المطلوبة للعدوان على ليبيا وعلى سوريا، وركنت إلى الفرجة هنا وهناك وبَلَدان عربيّان عضوان في الجامعة يتعرضان للتدمير ولمحاولة تمزيق الأوصال تحت مشرط التقسيم وإعادة التشكيل الذي كان قد اتخذ من وصفة “دمّر نفسك بنفسك” عنوانا للجيل الجديد من الحروب التي يشنها الغرب في سبيل تمهيد الأرضية أمام عبور قطار الشرق الأوسط الجديد. هذه الوصفة التي يتولى بموجبها أبناء البلد تدمير أوطانهم وإضعافها وإلقاء قرارها الوطني المستقل على رصيف التدخلات الأجنبية وفي مزادات مصالح الدول الكبرى التي تتدخل في الأخير لجني الثمار حين تظهر في مظهر المنقذ والمتحمس لوقف الاقتتال وإنهاء عاصفة القتل والتدمير.
وعودة إلى الأزمة الليبية، فإن هذا ما حدث تحديدا حين تولى الليبيون تدمير بلدهم واستدعاء أطراف أجنبية ومليشيات ومرتزقة من الخارج فاتحين بذلك الطريق أمام الضغوط والتدخلات الأجنبية إلى وقت كان يفترض أن تفرز مسارات التسوية السياسية رئيسا جديدا للبلاد ومؤسسات منتخبة قبل أن تتصادم الادارات والحسابات بشأنها لتحيلها إلى دائرة التأجيل التي لا شيء يمنع من تكرارها مرات ومرّات بسبب الحسابات السياسية لهذا الطرف أو ذاك.
إن فصول الأزمة الليبية وتفرعاتها كشفت لمختلف الفرقاء على الساحة الليبية أن بداية الخلاص تكمن في استعادة القرار الوطني الحر والمستقل وفي إذابة جبال الشك والريبة فيما بينهم حتى يتسنى لهم أن يتوجهوا لإنجاز عملية سياسية مثمرة تفضي إلى تصعيد مؤسسات جديدة في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة ولا اقصاء فيها ويقبل الجميع بنتائجها، لأن ما بعد الإستحقاق الرئاسي يبقى أهم مما يسبقه، إذ أن عدم القبول بالنتائج لا قدر الله سيكون الشرارة التي تشعل حروبا جديدة قد تأخذ ليبيا فعلا إلى مربع التقسيم.
لقد أصبحت كل الأوراق مكشوفة أمام الليبيين.. كما أصبحت طرق الخلاص واضحة أمامهم وما عليهم إلا الإرتقاء إلى مستوى اللحظة التاريخية لإنقاذ ليبيا الوطن والشعب قبل أن تنقضّ عليها وحوش الغابة وتحولها أشلاء لا قدر الله.