أنس نيري-12-10-2021
باتت القارة الإفريقية تُعرف ب’قارة الانقلابات’ وذلك نسبة لتاريخها الحافل بالانقلابات فقد شهدت ما يقارب ال 201 انقلابا .
وباتت الانقلابات العسكرية المتتالية التي عاشتها غرب إفريقيا تشكل تهديدا لبقية الدول التي لم تطلها بعد هذه الموجة، إذ تهدد أمنها و استقرارها خاصة بعد ما حدث في مالي و ماعاشته غينيا التي شهدت رابع محاولة انقلابية منذ 2020، حيث تدخلت المنظمات العالمية و الإقليمية و خاصة “تحت الإقليمية ” نظرا لإلمامها و اهتمامها المباشر بمثل هذه الأحداث.
وكان موقف مجلس الأمن الدولي واضحا في ما يخص الانقلاب العسكري في مالي ، إذ أدان بشدّة اعتقال الجيش ل”باه نداو” فلجأت الولايات المتحدة الأمريكية لسحب دعمها الأمني
إما بالنسبة لأحداث غينيا فقد ندّد الأمين العام للأمم المتحدة بأي استيلاء على السلطة بقوة السلاح في غينيا .
وبدوره أدان الاتحاد الإفريقي الانقلاب الغيني و طالب بإطلاق سراح الفا كوندي و ذلك وفقا لما جاء بالبيان المشترك الصادر عن رئيس الاتحاد الإفريقي و رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، و قد جاء في هذا البيان بدوره ضرورة النظر في الأوضاع الراهنة بغينيا و الخروج بإجراءات مناسبة .
أمّا في ما يخصّ المنظمات تحت الإقليمية يمكن الحديث مباشرة عن الايكواس أي المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا و التي تعنى مباشرة بالدول التي تواجه هذه التغيّرات وهذه المجموعة تعنى ب 15 دولة تقع في غرب إفريقيا وذلك بصفتها اتحادا اقتصاديا إقليميا .
لذلك على اثر ما حدث في مالي قررت المجموعة الاقتصادية تعليق عضوية مالي بداخلها ، وقد قرر رؤساء الدول والحكومات بعد مناقشات طويلة، تعليق عضوية مالي في مؤسسات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” و”الدعوة إلى تعيين رئيس وزراء مدني على الفور “. (هذا ما جاء في بيان نشر اثر القمة الاستثنائية للايكواس )، نفس الأمر بالنسبة لغينيا التي تقرر تعليق مشاركتها في هيئات المنظمة .
تخوف الرئيس الغاني و ضغطه نحو الإصلاح
سعى “نانا اكوفو أدو ” بصفته رئيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من جهة و بصفته رئيس غانا من جهة أخرى لمنع الترشح لفترة حكم ثالثة معتبرا أن الترشح لعهدة ثالثة سبب مباشر لتزايد الانقلابات، كما أن هذه الانقلابات تتعارض تماما مع بروتوكول الديمقراطية و الإدارة الرشيدة و هذا ما يفسر تعليق عضوية مالي و غينيا داخل الايكواس في انتظار تدارك الوضع و الخروج بإجراءات جديدة
وقد قال نانا اكوفو أدو في هذا الصدد و إن ماحدث في مالي لا يمكن إن يكون إلا وضع مؤقت و لا بد من الرجوع للنظام الديمقراطي، كما اظهر استنكاره في مناسبة أخرى لأي تعاطف من قبل الاتحاد الإفريقي تجاه الحكم العسكري في التشاد الذي ساد بعد وفاة الرئيس إدريس دباي وذلك وفقا لتصريح له ل”فرانس 24 ” .
و يفسر هذا الاستنكار و الرفض القطعي للانقلابات برفض الرئيس الغاني من حيث المبدأ لأي تدخل عسكري بأي دولة كانت خاصة و انه قد عرف بمبادئه المعارضة للحكام العسكريين و دعمه للديمقراطية خاصة في غانا و ذلك بصفته رئيسها مما جعلها تعرف ب”منارة الديمقراطية” في غرب إفريقيا، لذلك كانت انتخاباتها دائما سلمية، و هذا ما يسعى نانا اكوفو للحفاظ عليه سواء في غانا أو في بقية دول غرب إفريقيا لتجنب ما يحدث في غينيا و هو ما يفسر ضغطه المتواصل لمنع الترشح لولاية ثالثة .
بحسب ما جاء في تصريحه مؤخرا نتبين قلقه و تخوفه خاصة من خلال قوله انه مقتنع بان منع الترشح لولاية ثالثة هو ما يجب فعله لتجنب ما يحدث في غينيا كما ختم بكون مبادئ المجموعة الاقتصادية ضد أي تدخل في الحياة السياسية لأي دولة كانت .
هنا لا يمكن المرور دون ذكر الرابط بين تحديد فترة الحكم و الانقلابات التي وقعت مؤخرا, إذ تفسر هذه الظاهرة بتهرب القادة الأفارقة من تحديد فترة حكمهم ليتمكنوا بالتالي من العبث بالسلطة ، حيث قام بذلك قرابة 13 عشر زعيم منذ عام 2015 ” كان ثلث الانتخابات التي أجريت في أفريقيا يشوبه التهرب من تحديد عدد فترات الرئاسة وما نتج عن ذلك من شرعية مشكوك فيها لترشيحات أصحاب المناصب الذين يدافعون عن إعادة الفترة الرئاسية”
ويرى مراقبون أن الانقلابات العسكرية في إفريقيا، عادة ما تتأتى بسبب تولي غير الأكفاء مناصب قيادية و تشبثهم بالسلطة وتفشي الفساد ,.
وعادة ما تبدأ معظم الاستيلاءات العسكرية على السلطة، من قبل بعض الضباط المتمردين داخل الجيش، ويسعون بالاستيلاء على السلطة عن طريق احتجاز القادة أو إجبارهم على التنحي (كما هو الحال في مالي) ثم يلقون دعما في ما بعد و عادة ما يكون هذا الدعم خارجي ليصبح تسييرا خفيا وتحكما غير مباشر في الوضع.
والقصد من كل الأطراف الخارجية التقليدية هي الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا بالإضافة إلى روسيا و الصين التي بصدد الظهور على الساحة .
تخوّف غير معلن للأطراف الخارجية من موجة الانقلابات
بما إن إفريقيا أصبحت تمثل مسرحا للانقلابات فإنها أصبحت تهدد مصالح بعض الإطراف التي تتخذ منها مصدرا هاما لنموها الاقتصادي، و لسائل إن يسأل في هذا السياق عن السبب الحقيقي لضغط الرئيس الغاني لإحداث تغييرات ومنع الترشح للولاية الثالثة مستغلاّ في ذلك نفوذه ومنصبه كرئيس للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ثم التساؤل عن سرّ دعم فرنسا لنانا اكوفو و مشاطرته موقفه من الانقلابات العسكرية وذلك من خلال عدم دعمها للدول التي ليس لديها شرعية أو انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة و ذلك وفق ما جاء في تصريح لماكرون لصحيفة “جورنال دو ديمانش”. إذ عرفت القوات الفرنسية منذ 2013 بدورها الداعم للجيوش الإفريقية في مواجهة الجماعات المتشددة .
فمن المنطقي التطرق إلى النوايا الحقيقية لفرنسا و لتأثير الانقلابات على تمركزها بدول غرب إفريقيا خاصة و إن هذه الدول كانت مستعمرات فرنسية ، لذلك لا يمكن المرور دون الإشارة إلى إن شارل ديغول في سنة 1958 عند منحه لل 14 مستعمرة لحصولها على استقلالها عقد اتفاقا أمنيا مع هذه الدول مفاده وضع 85 من مداخليها تحت رقابة البنك المركزي الفرنسي .
كما يمكّن هذا الاتفاق فرنسا من الحصول على أي مواد خامة تكتشف في أراضي هذه المستعمرات كما يمنح هذا الاتفاق الشركات الفرنسية الأولوية في أي نشاط اقتصادي لديها ، كذلك احتكرت باريس عقود التدريب العسكري و حقوق الأنشطة الأمنية في هذه المستعمرات التي أجبرت بموجب هذا الاتفاق على التحالف مع فرنسا في حال خوضها لأي حرب.
بالتالي يمكن القول انه بالرغم من حصول هذه المستعمرات على استقلالها إلا إن هذا الاستقلال يبقى شكلي فالاستعمار مستمر و احتكار الثروات دائم وهو مايؤكد خطورة التغيرات التي تحصل في المستعمرات القديمة لفرنسا و تأثيره على مصالحها باعتبار إن القارة الإفريقية منبع الثروات .
و قد قالت بهذا الصدد ناتالي بامب مستشارة حزب ” الحرية و الديمقراطية لجمهورية ساحل العاج ” بعد 60 عاما لم تنل الدول الإفريقية الفرنكوفونية استقلالا حقيقيا و لا حرية ” كما أضافت ” بالنسبة التغيير هو مجرد لعب على الكلمات وماكرون أسوء الرؤساء الفرنسيين فيما يخص العلاقة مع المستعمرات السابقة. وتشبهه بشارل ديغول من جهة إخفاء النوايا الحقيقية”
فبالتالي من البديهي التطرق لتأثير الانقلاب العسكري و تزعزع أمن هذه الدول وثيقة الصلة بفرنسا على مصالحها فبالتالي من المنطقي إن تلتجئ للضغط على الرئيس الغاني بصفته رئيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا , من أجل إيجاد حل (وهو إيقاف الترشح لولاية ثالثة) الذي يمكن إن يخدم مصلحتها و يطمئنها ، خاصة بعد اتفاق ثمانية دول افريقية (بنين، وتوغو، وبوركينا فأسو، ومالي، و كوت ديفوار، والنيجر، وغينيا بيساو، والسنغال) بسحب احتياطاتها النقدية من المصرف المركزي الفرنسي و ذلك وفقا لما صرح به باتريس تالون (رئيس بنين) لإذاعة فرنسا الدولية .
و ستتزايد مخاوف فرنسا و لن يبقى لديها إلا الضغط على نانا اكوفو وضمانها لاستمرار سيطرتها على غانا خاصة، نظرا لموالاة رئيسها لها و نظرا لصفته و نفوذه داخل الايكواس .
ليس ذلك فقط بل إن اقتصاد غانا في نمو و ازدهار و هو ما يزيد تخوف فرنسا من خسارتها وخاصة من ترك الساحة لروسيا التي دخلت على الخط و بدأت بتقديم الدعم لدول غرب إفريقيا . بالتالي أصبح كسب نانا اكوفو هو اقرب حل .
لا يجب إن نمر دون ذكر حدث حصول غانا على الضوء الأخضر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإنشاء أول محطة نووية لها ، وهو ما أدى لظهور شركتين فرنسيتين للتفاوض مع المسؤولين الغانيين بهذا الشأن لذا ليس من مصلحتها إن تستسلم و تترك المجال خاصة لروسيا التي بدأت تنافسها و التي أبدت نواياها للاستثمار في هذا المشروع و ذلك من خلال بعث شركتها “روساتوم ” للتفاوض أيضا .
بالتالي يمكن أن نفهم النوايا الخفية لتخوف فرنسا من الانقلاب في غانا خاصة بعد ما شهدته الدول الاخرى من إحداث , و إذا تم التطرق لهذه الفكرة سيتم التطرق منطقيا لمواقف الرئيس الغاني و سر ضغطه لمنع الترشح للعهدة الثالثة .