الخرطوم: السودان: 12-10-2021
في إطار الحملة التصعيدية ضدّ المكوّن المدني في الشراكة السياسية الحاكمة للفترة الانتقالية، طالب رئيس مجلس السيادة في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، من الحكومة الانتقالية ورئيسها عبد الله حمدوك، أمس الاثنين، بضرورة إصلاحات شاملة واستكمال عمليّة بناء الهياكل التشريعية والقضائية والدستورية بالبلاد، مؤكدا على أنّه لا يمكن تجاوز الوضع الراهن أو الخروج من الأزمة السياسية إلا عن طريق حلّ الحكومة.
وجاء هذا المطلب في حركة استباقية للفريق أوّل البرهان ضدّ التحركات التي تقوم بها قوى الحرية والتغيير لتنحية المؤسسة العسكريّة عن السلطة مستفيدة من دعم القوى الدولية للمدنيين دون إنكار منه ضرورة الحرص للتوصّل إلى توافق وطني وتوسيع قاعدة المشاركة في السلطة، وإشراك كل القوى الثوريّة والوطنيّة إلا حزب المؤتمر الوطني المحلول.
وفي كلمة ألقاها البرهان أمام ضبّاط وضباط الصفّ ومجموعة من الجنود، قال أنّ بعض القوى السياسية تحاول إلهاء الرأي العام بافتعال المشاكل مع القوّات المسلّحة والدعم السريع والعمل على التشكيك في مدى وطنيّتها، واقحامها في معضلات تعيق عمليّة الانتقال السياسي والتي تسبّبت فيها هذه القوى من خلال رفضها للحوار.
وتابع البرهان القول: “ظلّ المدنيون في تواصل مستمرّ مع المكوّن العسكري منذ بداية الأزمة الحالية، لكن المكوّن العسكري رفض كل المحاولات لاستمرار الشراكة بشكلها السابق”، في إشارة منه إلى إصراره على عدم الاستمرار في الشراكة، وفي اطار العمل على عدم توسيع قاعدة الأحزاب السياسية في الحكومة الانتقالية لتشمل جميع الأحزاب عدا المؤتمر الوطني.
ومن جانبه، اعتبر القيادي نورالدين صلاح الدين بقوى الحرية والتغيير أنّ مطالب البرهان بحلّ الحكومة يشكّل امتداداً لسلسلة من التصريحات السلبيّة من جانب العسكريين في مجلس السيادة، كما أنّه يعطي إيحاءات بأنّ هناك رغبة لديهم في الاخلال بالتزامات الوثيقة الدستورية، مما قد يؤدي إلى تغيير الوضعية الدستورية الحالية.
وأوضح أن الحكومة التي يطالب البرهان بحلها ليست طرفًا في تعطيل استكمال بقية مؤسسات الفترة الانتقالية، قائلا “وعلى العسكريين أن يُعلنوا مطالبهم بشكل علني لتكون هناك فرصة للتفاوض حولها وتُوضع هذه المطالب على طاولة المباحثات بين جميع المكونات بما يحافظ على تماسك المرحلة الحالية التي تشهد أزمات عديدة أغلبها له خلفية بالنزاع القائم بين المدنيين والعسكريين”.
وتفجرت الأزمة السياسية بين المكوّن العسكري بمجلس السيادة وأطراف في الحكومة الانتقالية، بعد الانقلاب العسكري الفاشل في 21 أيلول الماضي، مما أدّى إلى تعليق الاجتماعات المشتركة على مستوى البرلمان المؤقّت.
وتأتي هذه التطورات والحركة التصعيدية على خلفيّة الأزمة السياسيّة التي تتصاعد في البلاد، والتي تمثّلت ذروتها على إثر تصريح رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك حول تعثّر عمل مؤسّسات الدولة ضمن الشراكة، في تصريح اعتبر الأول من نوعه.
وتزامن خطاب رئيس مجلس السيادة مع قيام قوى ثورية بحملة توقيعات إلكترونية للمطالبة بإقالته ونائبه محمد حمدان دقلو من منصبيهما، والتصميم على إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية، ورفض تعدُّد الجيوش والميليشيات وتكوين جيش وطني موحّد لحماية حدود الوطن.
ومنذ أسبوعين، خرجت مظاهرات في العاصمة الخرطوم مطالبة بتمكين الحكم المدني من السلطة بعد تصاعد حدّة الخلافات مع العسكريين، ووفق تصريح وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، الذي شدّد رفض الحكومة لتمسّك المكون العسكري بجهازي الشرطة والاستخبارات وتبعيتهما لقيادة الجيش.
وعلى الرغم من تدخّل عديد القوى الداخلية منها والخارجية، والتي أخفقت في محاولات التهدئة التي شرع فيها حمدوك من خلال اعتماد حلّ الحوار مع البرهان أكثر من مرة في لجم حالة الانفلات السياسي، خاصة بعد الانشقاق في قوى الحرية والتغيير وتشكيل تيار “الميثاق الوطني المنحاز إلى استمرار الشراكة مع الجيش.
ويرى مراقبون، أنّ الأوضاع قد وصلت إلى طريق شبه مسدود بين الجانبين، خاصّة بعد حركة التصعيد المتزايدة والاتجاه نحو اقحام الشارع في المعركة السياسية، والذي بسببه باتت نخبه مقسّمة بين المكوّنين، ما سيؤدي إلى مزيد التدهور وتفجير الخلافات التي ظلّت مكتومة الفترة الماضية.