نورشان ساسي:17-9-2021
لا يزال الملفّ الليبي ملفا مُهمّا يشغل السياسة المصرية حيث يواصل البلدان الالتفاف حول طاولة الحوار بلقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة يوم 15 سبتمبر في قصر الإتحادية في القاهرة لبحث عودة العمالة المصرية ودعم خطة إعادة الإعمار الليبية و قد تم خلال اللقاء توقيع 13 مذكرة تفاهم بين البلدين.
وقدّرت قيمة الإتفاقيات المبرمة ب 147 مليار دينار ليبي تشمل عديد المجالات منها البنية التحتية و الشباب والرياضة و التأمينات الإجتماعية و المواصلات ،الكهرباء والبترول وتحلية المياه، كما تم التطرق خلال اللقاء إلى ضرورة مكافحة التهريب إضافة إلى إنشاء مذكرة تفاهم لإنشاء اللجنة التجارية المشتركة بين حكومتي البلدين حيث تصر ليبيا على الإقتداء بالتجربة المصرية .
ويذكر أنه تم توقيع 11 إتفاقية بين البلدين خلال شهر أبريل المنقضي وذلك من أجل إعادة إعمار ليبيا و تعزيز الإقتصاد المصري من خلال الإستثمار في الأراضي الليبية ، وتصل عدد الاتفاقيات المبرمة بين البلدين إلى حد الآن الي 60 إتفاقية تشمل عديد المجالات ستحقق من خلالها مصر أرباح هامة ستساهم في نمو الإقتصاد المصري نموا مهما .
وقد شهدت الأوضاع الدبلوماسية بين البلدين تطورا كبيرا خاصة بعد الزيارة التي أداها رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى ليبيا رفقة 11 وزيرا في شهر أبريل حيث تمت مناقشة عديد القضايا المتعلقة بالبلدين و تباحث خطة الإعمار و إعادة البناء ، في أكثر من مناسبة تبين مصر إهتمامها الكبير بالملف الليبي و إستعدادها المطلق الى إتخاذ كل المسارات التي تؤدي إلى تحقيق الأرباح على الأراضي الليبية .
إضافة إلى لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بقائد الجيش الليبي خليفة حفتر والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي في 14 سبتمبر الجاري أين دارت مجريات اللقاء حول البحث عن سبل إستعادة الأمن و الإستقرار في ليبيا، كما أفاد السيسي باهتمام القاهرة بإستقرار ليبيا و الحفاظ على الأمن ورفض التدخل السلبي في الشأن الليبي وشمل اللقاء أيضا التأكيد على إستعداد الطرفين إلى تعزيز المسار الأمني من أجل إخراج المرتزقة من الأراضي الليبية ورفض الحياد بمسار خطة الإعمار نحو تحقيق المصالح الذاتية للأطراف المتدخلة خاصة وأن تركيا تسعى إلى تولي مشاريع الإعمار لوحدها إلى جانب مالطا التي تعمل على تعزيز نفوذها قبل إنتخابات ديسمبر واهتمامها الكبير بقطاع الطاقة الليبي ، دون التغافل عن حساسية هذه الفترة التي ستقرر المصير الليبي خلال المرحلة القادمة من خلال صناديق الإقتراع ورسم طريق الليبيين في الأيام المقبلة ودون شك أن هذه المفاوضات ستكون فارقة في المرحلة الإنتقالية الليبية.
لكن تدور التساؤلات حول ما إذا كانت هذه المفاوضات في هذه الفترة بالذات ستكون داعمة للمسار الليبي أم معرقلة له خصوصا مع تأجج الأوضاع الديبلوماسية بين الأطراف المتدخلة حيث يمثل التواجد التركي قلقا للتدخل المصري، وفشل الطرفين على التفاوض في أكثر من مناسبة حيث يتواصل إختلاف وجهات النظر و تتعمق الإختلافات حول الملف كل مرة ، وما يزيد الأمور تعقيدا هي الخلافات السياسية بين رؤساء الدولتين ، التركي رجب طيب أردوغان و المصري عبد الفتاح السيسي ، خصوصا وأن مصر داعمة للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر الذي يواجه حكومة الوفاق التي كان يترأسها فائز السراج والتي كان موقف مصر من هذه الحكومة واضحا حيث اتهمتها بالإرهاب ، في مقابل وقوف تركيا في صف حكومة الوفاق و رفضها للموقف المصري وإدانته وهو ما يزيد من تخوف مصر من توسع التواجد التركي في ليبيا.
تمثل المفاوضات التي تجريها مصر مع ليبيا هذه الفترة رسالة تحمل عديد الرموز والشيفرات التي ستكون محور إهتمام الأطراف الأخرى المتدخلة والتي ستؤسس لمسار ديبلوماسي جديد ربما أو ستغير الخريطة الجغرا-سياسية في ليبيا، ويبدو أن مصر قد فهمت مدى ضرورة التفاهم مع بقية الأطراف من أجل تحقيق أهدافها وأنها ستخسر سلسلة مفاوضات مربحة في حال تواصل النزاع، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال التسريع في نسق إبرام الإتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة بين البلدين حيث تمت برمجة اللقاء بين الدبيبة والسيسي بعد أقل من 24 ساعة من لقاء السيسي بقائد الجيش الليبي خليفة حفتر والمستشار عقيلة صالح وهو ما يبين بوضوح مدى أهمية التسريع في المفاوضات بالنسبة لمصر كما تصر على الثبات على موقفها الذي يؤكد على ضرورة إنجاح خطة الإعمار ومد يد المساعدة في المرحلة الليبية القادمة مع الحفاظ على الأرباح لصالح مصر.