أفريقيا-ثرية الريماني-8-9-2021
يتخبّط الطفل الإفريقي بين سياسة الترهيب والترغيب، وهو الذي يعاني من عدّة أزمات اقتصادية ومشكل الرعاية الصحية و المأزق التعليمي أو المشاكل الأمنية أيضا، إذا تعرف الدول الإفريقية بضعف خدماتها و هشاشة مؤسساتها.
ومع إنتشار جائحة كورونا، تعمّقت وتفاقمت حدة ما تواجهه دول القارة من أزمات إنسانية، إستغلّتها الجماعات المسلّحة الإرهابية ووظّفتها في تجنيد الأطفال بعد ترهيبهم أو إغرائهم بالمال والطعام وتوفير الخدمات التي تعجز الحكومات عن توفيرها لهم ومنحهم الحماية والسلطة التي يفتقدونها في كنف الدولة.
فهو الطفل الفاقد للرعاية ولأبسط مقومات الحياة الكريمة، وقد عانى الطفل في القارة السمراء من الترويع والتهديد والزواج القسري والقتل والاغتصاب والتحرش الجنسي والخطب ما يفسّر ارتفاع وتيرة خطف الطلاب من المدارس مؤخرا، تلك الظاهرة التي أقلقت الأمم المتحدّة التي عبّرت عن غضبها من عدم وجود أساليب ردع وغياب الأمن الذي دفع بازدياد تلك الممارسات من قبل المتطرفين .
وكانت الأمم المتحدة قد أدرجت عام 2017، أسماء الدول التي تعمل على تجنيد الأطفال كجمهوربة أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي ونيجيريا والصومال و جنوب السودان و السودان، وذلك عبراستغلال الأطفال كدروع بشرية كعادة دأب عليها العسكريون الذين يشهد عليهم التاريخ بإدماجهم الأطفال في صفوف المقاتلين ك”نابليون بونابرت” تحديدا سنة 1814 و الذي قام بتجنيد عدد هام من المراهقين للقيام بأعمال قتالية إلى جانب جيشه.
وكشفت منظمة “رؤية العالم” و هي منظمة دولية غير حكومية مهتمة بشؤون الأطفال في العالم و في الدول الأفريقية خاصة، أن 300 ألف شخص، بعضهم لم يتعد سنّه السبع سنوات، و قد جندوا في مختلف أنحاء العالم سنة 2019.
و على الرغم من أن المساعي الدولية للقضاء على هذه الظاهرة موجودة، إلا أن مشاركة الأطفال في الحروب لا تزال متواصلة بل ازدادت انتشارا في السنوات الأخيرة بسبب النزاعات المنتشرة في أفريقيا، إذ تلجأ مليشيات و قوات شبه عسكرية و أخرى حكومية إلى تجنيد الأطفال واستخدامهم في مهام عسكرية ولوجستية مختلفة، فإما أن يكون الطفل مقاتلا، أو حمالا أو عبدا يستغل جنسيا أو جاسوسا و يمكن أن تجده ممرضا يعتني بالجنود المصابين في الحروب و المواجهات.
وإرتفع عدد الأطفال المجندين في الجماعات الإرهابية في بوركينا فاسو إلى خمسة أضعاف خلال عام 2020 .
وتعتمد هذه التنظيمات في استقطابها الأطفال آليات محددة للتجنيد أهمها زرع “الفكر التكفيري” داخل الأطفال وإخضاعهم لنظام تعليمي ديني، كما يتمّ تقسيم الأطفال حسب المهارات فمنهم من يتميز بقدرته على الخطابة و التأثير في الآخرين بأسلوب سلس، و منهم من يتميز بالثبات الانفعالي وانعدام العاطفة فيتم توظيفه في عمليات الجلد و الإعدام، هذا بالنسبة للمصنفين أما فئة اللامنتمين لأي فصيلة و يرفضون الانصياع للأوامر و التعليمات فإما أن يكون التعذيب او القتل مصيرهم.
إما تجنيد بالغصب و الإكراه و إما بدافع الثأر و الانتقام لفقدان أحد أفراد العائلة و إما بسبب الفقر المدقع و كحل للخروج منه و كسب الرزق، كلها أسباب جعلت من الطفل مهضوم الحقوق الاجتماعية كحق التعليم و حق العيش داخل بيئة سليمة و آمنة، فتلقاه مجردا من كل ما يحيل على براءة الطفولة و نعومة الأطفال ليصنعوا منهم وحوشا صغيرة مروضة تفتك بالآخر في أي زمان و مكان.
وجدير بالذكر ان التنظيمات الإرهابية، في افريقيا قد إتّجهت إلى تعويض الخسائر التي تكبّدتها في صفوف قيادات ومقاتليها وأفرعه الإقليمية الأفريقية في إطار الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل بدعم من عدد من الدول الأفريقية، عبر تجنيد الأطفال في أفريقيا التي تتوافر فيها البيئة الحاضنة والمُحفِّزة لاستقطابهم طوعاً وقسرا.
وبات ‘أشبال أفريقيا’ قنابل موقوتة تنتظر الانفجار في الدول، بسبب تنامي ظاهرة تجنيد الأطفال من قبل التنظيمات والجماعات الإرهابية في أفريقيا، أمثال «داعش» و«القاعدة» و«بوكو حرام» و«الشباب»، حتى أصبحت تُشكّل كارثة إنسانية وخطراً كبيراً يهدد جميع دول العالم دون استثناء.
هناك حاجة ملحة من أجل تكاثف الجهود الإقليمية والدولية من أجل التخفيف من حدة الأزمات الإنسانية والاقتصادية والسياسية والأمنية التي تواجهها غالبية دول القارة السمراء، لاسيما في منطقة الساحل الأفريقي والتي تتعاظم حدتها على المرأة والطفل باعتبارهما الفئتين الأضعف، وتنجح التنظيمات الإرهابية في توظيفها لدعم نشاطها، وتأسيس أجيال جديدة من الإرهابيين.