الأربعاء. نوفمبر 20th, 2024

تونس:18-08-2021-أميرة زغدود

منذ توليه السلطة في تونس في 23 من اكتوبر 2019، كان شعار رئيس الجمهورية قيس سعيد دوما “نحن مع الوطن وفي خدمة مصلحة الوطن”، الكثيرون لم يستصيغوا هذا المبدأ لتبدأ ماكينات الخراب في التشكيك وحتى القيام بمناورات دنيئة، والدليل ما وصلت إليه الحالة السياسية في البلاد من تزعزع وشلل في مؤسسات سيادية كالوزارات، التي هي قوام أية دولة والكفيل الاول بتسيير عجلة عمل الدولة، خاصة على إثر فشل الحكومات المتعاقبة وحالة الاحتقان والتقاتل بين السلطات الثلاث .

ولئن اختلفت المواقف حول قرارات 25 يوليو لتكون فرصة للعديد من التأويلات المغلوطة في مجملها خاصّة التي ادّعت أنها انقلاب على الشرعية، والتي ما فتئت تصدح بذلك حدّ الاستجداء بالقوى الخارجية لتجريد القرارات من الشرعيّة لنراها اليوم داعية للحوار بما يتماشى مع مصلحة الوطن العليا ظاهريا ولكن خدمة لمصالحها الشخصية باطنا.

المتفق عليه اليوم، أنّه وبعد 3 أسابيع من القرارات الرئاسية من تعليق أعمال المجلس النيابي وتجميد أعضاءه، فتعتبر هذه القرارات لغاية تصحيح المسار من أجل الديمقراطية الحقّة، فمن غير المنطقي أن تكون القرارات الرئاسية وتفعيل الفصل 80 من الدستور قائمة دون أجندة فعليّة لما سيأتي بعدها..

إنّ الحديث عن مفهوم الديمقراطية في الدول العربية مبني بالأساس على الديمقراطية الغربية القائمة على صناديق الاقتراع فهي المثال المعتمد في كلّ الدول، ولكن هل هذا كفيل بالحديث عن ديمقراطية صحيحة وسط كلّ التجاوزات التي رصدت في تونس منذ ثورة 2011؟

جاءت قرارات 25 من يوليو لتكون نقطة تحوّل في مجريات الأحداث التي بقيت عالقة منذ تولي الرئيس سعيد مقاليد الحكم في البلاد، ولتكون أول استجابة من أصحاب القرار لدعوات الشعب التونسي لتحرير البلاد من المستعمر الجديد .

وفي تونس ومنذ 2011 لم تختلف كثيرا الأوضاع والتجاوزات عما سبقها، فقد صارت الأمور أكثر وضوحا وعلى بيّنة، فعلى مدار عشرية لا يمكن وصفها إلا بالظلامية وعشرية الفساد وسياسة الموالاة والمحسوبية وتخليص الحقوق استفحل الفساد وتمكّن الأخطبوط من زرع أذرعه ف كلّ مكان.

إنّ الرئيس قيس سعيد هو رجل قانون قبل أن يكون رئيس دولة، ومنذ توليه السلطة كانت لديه رؤية وإن لم تكن واضحة للجميع، لكن مجريات الاحداث كشفت تمكّنه من خفايا الاشكاليات الفعلية والسبب الرئيسي في تذبذب الأوضاع والاشكاليات المفروضة على تونس للنأي بها من مستنقع الفساد وقطع وريد استغلال النفوذ الذي استفحل والذي كان شعار رجالات الدولة الذين ما انفكوا يحملون شعارات مكافحة الفساد والفاسدين  خلال الفترات الانتخابية، لكن بعد 10 سنوات لماذا لم يتحرّك ساكن في هذا الملف؟ ومن يقف وراء عدم تجسيد الشعارات الانتخابية على أرض الواقع ؟؟

على مدار عشر سنوات، عايشت تونس أشدّ السنوات ظلما وقهرا دون التفاتة واحدة من الحكومات المتعاقبة، لسبب بسيط وهي انها حكومات المصالح الشخصية لا المصلحة الوطنية.

مثّلت لحظة بلوغ حركة النهضة للسلطة في تونس اللحظة الفارقة في تاريخ البلاد، فما فتئت تتربّص وتتلاعب بالمجريات لتتموقع جيدا بما يمكّنها من أن تتغلغل داخل مفاصل الدولة لتضمن بقائها دون سواها، ويمكن حصر تورّطها في ثلاث نقاط مهمّة:

فما شهدته تونس خلال حكم النهضة لم تشهده البلاد ولن تشهد مثيله، فكانت المرّة الاولى للمسّ من مقومات الدولة وهيبتها اذ تمّ التطاول على الرئيس من قبل نواب الشعب وكان التسيّب والاستهتار بالقوانين هو السمة الأبرز للمرحلة حيث أصبح مجلس النواب يمرّر قرارات حسب أجنداته الاخوانية، كما أنّها كانت السبب وراء تعطيل المؤسسات الاقتصادية فكانت العامل الأساسي من عوامل المسّ من مقومات الدولة.

ولم تقف التجاوزات على النقطة السابقة فقط بل بلغ حدّ الحديث عن المساس بالأمن القومي للبلاد، وأكبر دليل على هذا التجاوز الأمن الموازي أو ما يعرف بالجهاز السري للنهضة. فعند الحديث على أمن مواز فنحن نتحدّث عن تحدّ صارخ للدولة التونسية، فهذا الجهاز كانت مهمته التستر على جرائم الارهاب والارهابيين الذين ما انفكت حركة النهضة تحميهم وتوفر لهم الغطاء السياسي الذي اعتقد أن لا رادع له، فلا ننسى تعيين محمد الازهر لونقو على رأس ادارة المصالح المختصة، حيث شابت المذكور عدّة نقاط استفهام،فكيف يتم تعيينه وهو من تعلّقت به شبهات فساد وعلاقات مشبوهة مع لوبيات عدّة والاحزاب المتنفّذة في البلاد، كما أنّه متورط في ملفات فساد اداري ومالي، والتاريخ يثبت تورطّه في عديد ملفات الفساد حتى وقت نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي(قضيّة المخدرات الشهيرة لعام 1997)، وعلى الرغم مما سبق فقد تمّ تعيينه من قبل رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي، وإن دلّ هذا على شيء فيدلّ على أنّ حركة النهضة قد تمكّنت من التحكّم في التعيينات داخل اجهزة الدولة.

كما لعبت حركة النهضة على ربط تونس بمحاور اقليمية تتوافق مع أجندة الإخوان على غرار تركيا الراعي الرسمي للإخوان في منطقة افريقيا وقطر المموّل الرسمي للحركات الاخوانية وليبيا الجارة الحدودية مع تونس.

أما النقطة الثالثة والأهم فهي التغلغل داخل مفاصل الدولة، حيت صبّت حركة النهضة جام تركيزها على كيفية التغلغل لمفاصل الدولة التونسية ومحاولتها اختراق الاجهزة الامنية كوزارة الداخلية واستغلالها لأدوات مطيعة على غرار ما حدث مع رئيس الحكومة هشام المشيشي ، وقد استطاعت الحركة بالدليل أن تتغلغل داخل اجهزة الدولة من خلال التعيينات العشوائية التي قامت بها لتكون بالنسبة لها الانتعاشة الغير مسبوقة للحركة في “سوق التعيينات” سواءا على المستوىالمحلي والجهوي والمركزي في كافّة مؤسسات الدولة،كماأنّ الحركة تمكّنت من تعيين عدد من قياداتها في مختلف الدواوين الوزارية برتب وامتيازات فوق المتوقع والتي كانت السبب في ارهاق ميزانية الدولة التونسية وتعطيل سير دواليبها .

“لا عاش في تونس من خانها” هذا البيت الشعري من النشيد الوطني للبلاد التونسية هو شعار الرئيس قيس سعيد منذ دخوله قصر قرطاج فكان واضحا وصريحا أن كلّ من ثبت تورطه فله المحاسبة، وأن مصلحة الوطن هي فوق كلّ اعتبار، ليكون ردّه واضحا على كلّ من شكّك في قراراته ” أن لا عودة للوراء أبدا” وفي كلامه رسالة واضحة المعالم المحاسبة والقضاء على الفساد هما شعار المرحلة القادمة ولا يمكن عقد حوار مع من خرّبوا البلاد ورقصوا على خرابها.

وللحديث بقيّة..