الجمعة. نوفمبر 15th, 2024

إعداد/ رباب حدادة/تونس-31-7-2021


لقد تملكت جماعة”الإسلام السياسي” عقب أحداث 2011 والتي ركبت موجة ما سمي”الربيع العربي” بدعم من عديد الدوائر الغربية التي عاش”الإخوان” في كنفها وتحت مظلة مخابراتها، حالة من العنجهية والصلف والإستعلاء باسم الدين، قبل أن تنكشف حقيقتهم وتتعرى أوراقهم ودسائسهم المستمدة من فكر ظلامي ميز جماعة”الإخوان”منذ نشأتها عام 1928..
لم تكن الإنتفاضات ضد هذه الجماعة في مصر وتونس وسوريا وليبيا وغيرها من باب الترف السياسي، أو من منطلق حقد بدون مبرر أوأسباب وجيهة ،وإنما وقائع الأحداث المتتالية أثبتت مدى تمكنهم من مفاصل الدول المعنية وبخاصة في تونس،وهذا التمكن تبعته ممارسات من الإقصاء والإكراه وصلت حدّ الإغتيالات السياسية كما حصل للمناضلين شكري بلعيد والبراهمي وغيرهما لمجرد أنهم قالوا بأدب: لا، للتسلط على مقدرات الشعب،ولا لربط تونس بأحلاف مشبوهة ولا للإستغلال والفساد.
لقد حولوا البلاد إلى مرتع لشيوخ الفتنة والجماعات الظلامية ورفعوا شعار”الخلافة السادسة” في مسعى لضرب الدولة المدنية الحداثية ومكتسباتها، واستغلوا المال السياسي الفاسد وجلباب الدين للتمكّن وشراء الذمم، ودخلت البلاد في سلسة أزمات اقتصادية خانقة واحتقان اجتماعي مرير، كما أغرقت البلاد وأثقلتها بالديون الخارجية..
تجمعت إذن كل عوامل الغضب الشعبي لكي يقرر الشعب سحب ثقته ممن خانوا تطلعاته وتنكروا لمطالبه،وحولوا البلاد إلى قاعدة انطلاق للشباب المغرر به نحو بؤر التوتر لقتال الأشقاء في سوريا والعراق، وأفسدوا علاقات تونس بمحيطها العربي..

وكان لا بد من الوصول إلى نقطة الحسم واللاعودة،فهبت الجموع الشعبية في يوم تاريخي له رمزية خاصة بالنسبة للدولة المدنية الحداثية وهو الخامس والعشرون من يوليو 2021، لتقول كلمتها بضرورة إسقاط النخبة الحاكمة وحل برلمان أصبح مسرحا للمهازل والصراعات وتمرير القوانين التي تتناغم ومصالح مراكز النفوذ والمهربين.. وهنا التقط الرئيس التونسي المنتخب من شعبه بأكثر من ثلاثة ملايين صوت،اللحظة التاريخية واستجاب لنداءات المحتجين ومطالبهم لإنقاذ البلاد من الإنحدار والضياع..
هنا،جاءت الصدمة التي لم يستفق منها بعدُ عتاولة الجماعة وشيخهم الذي تربع على عرش البلاد عشر سنوات متتالية،وظل خمسين عاما على رأس حركة عرفت كيف تتسلل إلى بعض العقول باسم “العفة والدين”، فتعالت الأصوات المبحوحة من جديد تستخف بإرادة الجموع الشعبية التي ملأت ساحات المدن التونسية وشوارعها،وتطعن في موقف الرئيس سعيد الذي استجاب لنداءات شعبه.. وكعادة الجماعة يبرز مجددا التهديد بالعنف،وهو ما عبر عنه شيخها في تصريحات مع وكالة الأنباء الفرنسية وصحيفة “كورييري ديلاّ سيرا”الإيطالية، متباكيا تارة على ديمقراطية”شلّكوها”، ومحرضا الجيش تارة أخرى،ومحرضا الدول الأوروبية تارة ثالثة على شعبه بتخويفها من أن “هناك أكثر من 500 ألف مهاجر محتمل سيتوجهون إلى السواحل الإيطالية في وقت سريع، وتحديدا 500 ألف بالتمام والكمال،حسب
قراءته للغيب!

وواصل العزف على عنصر التخويف،قائلا: “يمكن حينذاك أن يتصاعد التهديد الإرهابي”، وكأن الغرب مغفل إلى هذه الدرجة ولا يعرف من وراء التطرف والإغتيالات السياسية وتسفير الشباب التونسي إلى بؤر الإرهاب!

وأعادت تصريحات الغنوشي “التهديدية”، الحديث عن حقيقة التنسيق بين حركة “النهضة” والميليشيات الإخوانية خاصة في ليبيا، باعتبارها تخوض معركة البقاء المشتركة في المنطقة.

ويقول الكاتب المختص بالشأن الليبي، أحمد جمعة:
“شكلت الميليشيات المسلحة المنتمية إلى جماعة الإخوان في ليبيا، وتحديدا التابعة لرئيس ما يسمى”المجلس الأعلى للدولة” الإخواني خالد المشري، أبرز التشكيلات المسلحة الداعمة لحكم حركة “النهضة ” والأكثر تفاعلا وتواصلا مع قياداتها، وهو ما يتطلب تحرك السلطة التنفيذية في ليبيا، وخاصة المجلس الرئاسي باعتباره القائد الأعلى للجيش بضبط الحدود المشتركة مع تونس ومنع أي عمليات إسناد لعناصر الجهاز السري لحركة النهضة.
ويقول جمعة إن الوجودد العسكري التركي في المنطقة الغربية بليبيا واحتلال بعض القواعد العسكرية وخاصة قاعدة عقبة بن نافع (الوطية)، وتمركو عناصر من المرتزقة السوريين، أحد أبرز التحديات التي تواجه تونس وليبيا وهو ما يتطلب تنسيقا مشتركا مع الجانب الرسمي الليبي ويقظة عناصر الأمن والجيش في تونس لمنع عمليات تسلل أو تنقل للإرهابيين عبر الحدود.

وتحدث جمعة عن الخوف والفزع الذي أصاب الأطراف الإقليمية الراعية للتنظيم الدولي للإخوان بسبب حراك الشارع التونسي، مؤكدا أن ذلك “يتطلب اصطفافا عربيا خلف الشعب التونسي ودعم تطلعاته في العيش الكريم والتحرر من حكم الإخوان ودعم الشعب التونسي الذي يرفض انخراط دولة تونس في لعبة المحاور التي تضعف مؤسسات الدولة وتجعلها مسلوبة القرار الوطني”.

وكانت النيابة التونسية قد أعلنت في 2019، فتح تحقيق في معلومات تفيد بامتلاك حركة النهضة، جهازا سريا أمنيا موازيا للدولة، واتهم هذا الجهاز بضلوعه في عديد الإغتيالات السياسية..

وكان وزير الداخلية التونسي الأسبق، لطفي بن جدو،قد ذكر أن حركة النهضة الإخوانية تمتلك أجهزة تنصت تفوق قدرات الجيش والأمن في البلاد، وهي تجهيزات في شكل حقائب قادرة على التقاط 4 آلاف مكالمة في الوقت ذاته، وعادة ما تنتقل على متن سيارات مغلقة.

من جهته، يرى الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي عمرو فاروق، أن حركة النهضة الإخوانية تعول على الجهاز السري للضغط على مؤسسات الدولة التونسية لكسب مساحات للتفاوض، خاصة أن هذا الجهاز يمكن وصفه بأنه “دولة ظل”، داخل البلاد.إلا أن حزم الرئيس سعيد ووعي المؤسسة العسكرية ويقظة الشعب التونسي،عوامل فاعلة لإنقاذ البلاد وإفشال كل مخططات الذين لفظهم الشعب.