الأثنين. نوفمبر 18th, 2024

اثيوبيا- 24-5-2021

مياه النيل العابرة لمصر و السودان تنبع من هضبة أثيوبيا حيث قامت الدولة الأثيوبية ببناء سدّ النهضة أكبر سد في إفريقيا وواحد من أكبر 12 سد في العالم، وسينجم عنه تشكل بحيرة اصطناعية بمساحة 246 كيلومترا مربعا وتتسع إلى أكثر من 74 مليار متر مكعب.
وتتواصل المفاوضات من أجل حلّ أزمة السد بين دولة المنبع (أثيوبيا) و دول المصب (السودان و مصر)حيث سيحول بناء أثيوبيا للسد دون تحقيق الاكتفاء المائي للكل من السودان و مصر.

وإنطلق بناء السدّ عام 2011 ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم فشلت كل المفاوضات بين الأطراف الثلاث للوصول إلى تقسيم عادل لمياه النيل و تعتبر مصر الجانب الأكثر تضررا في هذه الأزمة بما أن للسودان بعض المنافع في هذا المشروع كمنع الفيضانات التي تلحق أضرار فادحة بها غير أن أثيوبيا تبقى المتحكم في السدّ دون اتفاق مع السودان و ذلك مصدر قلقها،من جهتها تعتبر أثيوبيا أن التقسيم التاريخي للمياه غير عادل و لن تتحمل مسؤوليته و هي تعمل على إعادة التقسيم من خلال سد النهضة.

ولم تنجح المفاوضات الأولى بإشراف مجلس الأمن و لا حتى المفاوضات الأخيرة بوساطة الاتحاد الإفريقي في تحديد التزام قانوني بين جميع الدول يضمن الأمن المائي لكل منها و حتى اتفاق المبادئ لسنة 2015 تم اختراقه من الجانب الأثيوبي بعملية الملء الأولى للسد في جويلية 2020 بما أن موسم الأمطار في أثيوبيا يصادف أشهر الصيف.

وفي إطار تواصل العمل الأثيوبي على إنهاء انشاء السدّ تعلن أديس أبابا لاستعدادها لعملية الملء الثانية للسد في الأشهر القادمة في تجاهل لكل الأطراف الإقليمية و الدولية و في رفض لكل الحلول المقترحة من الجانب السوداني و المصري و الذي و كانت آخر المقترحات مطالبة أثيوبيا بزيادة فتحات السد من 2 إلى أربعة على أن تتحمل مصر تكلفة الفتحتين الإضافيتين لكن أثيوبيا رفضت و حسب ما كشف عنه وزير الموارد المالية و الري امحمد عبد العاطي أن أثيوبيا ستشغل فتحتي السد طوال موسم الأمطار القادم بقدرة 50 مليون متر مكعب و ذلك لا يفي بحاجيات السودان وحدها.

وقُدمت خيارات أخرى من الجانب المصري لأثيوبيا أثناء التفاوض منها التزام مصر بتوليد 80 بالمائة من الكهرباء لأثيوبيا في أسوا فترات الجفاف لكنها حسب عبد العاطي “لا تريد أي التزام و لا تريد اتفاقا على الإطلاق”
وبدورها قالت وزارة الخارجية الأثيوبية صراحة إنه”لا يمكن لأي قوة أن تعطل الجهود الجارية لملئ السد و سير العمل بما يتماشى مع ملئ و تشغيل المشروع” هذا التصعيد من الجانب الأثيوبي رافقه تصعيد من الجانب المصري و السوداني فقد عادت المناورات المشتركة بين البلدين تحت ما سمي بمناورات “حماة النيل” و هي ثالث العمليات المشتركة بعد عمليتي “نسور النيل “1 و “نسور النيل 2”
المناورات العسكرية الحالية تختلف عن سابقاتها بضخامة العتاد العسكري المصري الذي وجه إلى السودان من اجل التدريبات المشتركة في رسالة واضحة لأديس أبابا خاصة أمام تحذير مصر المتجدد لأثيوبيا من المرور إلى الملء الثاني للسد و مخالفة تعهداتها السابقة في اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015 و بيان الاتحاد الإفريقي ل2020 اللذان اعتبرتهما واشنطن أساس التفاوض بين الدول الثلاث.و و قد عبر وزير الخارجية سامح شكري عن الموقف المصري صراحة في مداخلة تلفزيونية قائلا”إذا ما أقدمت (أثيوبيا) على الملء الثاني لسد النهضة دون اتفاق شامل يعد هذا الأمر مخالفة لتعهداتها وفقا للاتفاق المبادئ و تكون أثيوبيا قد دخلت في مرحلة الخروج عن القانون الدولي ،و تعد جولة خارجة عن إطار القانون و التصرف المسؤول”.

وبين الديبلوماسية و التهديد العسكري تعمل كل من السودان و خاصة مصر المتضرر الأول على الوصول إلى اتفاق قبل نهاية الملء فعدم تضرر مصر من عملية الملء الأولى تعود أسبابها لارتفاع معدل الأمطار أكثر من المتوسط في الصيف الماضي ما جعل منسوب المياه يتجاوز حدود السد الذي لم يكتمل إنشاؤه و تمكنت مصر من الحصول على مستحقاتها المائية من النيل.

العرقلة المتواصلة للمفاوضات هي إستراتيجية أثيوبية للمماطلة و ربح الوقت حتى انتهاء الأعمال و تشغيل السد واضعة باقي الدول و الهياكل الدولية تحت حتمية الأمر الواقع أمام صمت دولي لمجلس الأمن و الاتحاد الإفريقي اللذان اشرفا على المفاوضات و لم يتخذا أي إجراءات جادة تحل الأزمة و تضع حلولا فعلية. سياسة الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه الملف أيضا تعكس حيادا أمريكيا إن لم نقل دعما للجانب الأثيوبي بالرغم من كل التوقعات بتغير سياسة بايدن اتجاه ملف سد النهضة إلا أن تصريحات إدارته تبقى غير واضحة و ضبابية.

فهل ستواصل أثيوبيا التصعيد و السير بالأزمة إلى تصادم عسكري مع كل من مصر و السودان بالرغم من وجود أزمة إقليم تيغراي الذي يشغل كذلك الحكومة الأثيوبية؟

ما مدى جدية لجوء الطرف المصري إلى حل عسكري خاصة مع التذبذب في الموقف السوداني الذي بقي رافضا لسنوات أي حلول عسكرية و فضل الحلول الدبلوماسية و القضائية طيلة العقد الماضي؟