مقديشو-الصومال-
يعتبر فترة حكم الرئيس المنتهية ولايته السيد محمد عبدالله فرماجو، من الفترات التي تراجعت فيها مسيرة إعادة بناء الدولة الصومالية وعلاقاتها مع الخارج إلى الوراء بسبب النهج السياسي المتبع في إدارة البلاد وإقامة العلاقات الخارجية.
اتسمت هذه الفترة بمجموعة من السمات السلبية التي يُعتقد بأنها أوصلت البلاد إلى حافة هاوية حرب أهلية مدمرة، ومن هذه السمات:
1.الشعارات البراقة والوعود الكاذبة: إن رفع السيد فرماجو أثناء حملته الانتخابية لشعارات برّاقة والضرب بوتر الوطنية الزائفة واستعدائه المصطنع لإثيوبيا خلال هذه الفترة من العوامل التي ساعدته على الفوز بكرسي الرئاسة في الـ 8/فبراير/2017م، إلاّ أن هذه الشعارات ثبت زيفها وبطلانها عند أوّل امتحان واجهته إدارته والمتمثل في قضية تسليم المناضل قلب طغح إلى إثيوبيا العدو التقليدي للصومال في بدايات عهد الرئيس فرماجو، أي في أواخر أغسطس 2017م، مما مثل صدمة كبيرة عند كثير من الوطنيين الّذين كانو يرون في فرماجو رجل المرحلة الوطني الّذي جاء لاستعادة هيبة الدولة الصومالية وكرامة مواطنيها، لكن حدث العكس، ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل تبنى مجلس الوزراء الصومالي في الـ 6/سبتمبر/2017م، قرارا وزاريا يصنف الجبهة الوطنية لتحرير أوغادينيا ضمن الحركات الإرهابية في المنطقة، وهو ما لم تتجرّأ عليه حكومة صومالية قط! كذلك كان من بين الوعود التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية استتاب الأمن والتعاون مع الشعب من أجل التصدي للهجمات التفجيرية الدموية، وذلك عن طريق رصد مكافأة مالية ضخمة لكل من يدلي بمعلومات حول التفجيرات التي تعدّها حركة الشباب، إلى جانب تعهّده بأن حكومته ستتولى تكاليف إعادة بناء وترميم كل مبنى يتضرر بهجمات حركة الشباب، لكن شيئا من هذه الوعود لم تف به حكومته خلال هذه الفترة التي تعدّ من أعقد الفترات اضطرابا للأمن كما سنوضحه لاحقا.
2.إنشاء جيش قوي من الذباب الألكتروني: بعدما أدركت إدارة فرماجو تراجع شعبيتها بسبب انتهاء رصيد الوطنية الزائفة، اتجهت إلى تأسيس جيش قوي من الذباب الألكتروني الّذي أنشأ حسابات وهمية وبأسماء حقيقية ومستعارة على مواقع التواصل الاجتماعي للتطبيل لفرماجو ولتضليل رأي العام الصومالي ومحاولة منهم لتقديم صورة إيجابية عن النظام على أنه لا يزال يحظى بدعم الكثير من أبناء الشعب، ولم تتورّع هذه الحسابات الوهمية من سب وشتم كل من يخالف رأي الفئة الحاكمة، حتى ولو كان هذا المخالف عضوا في النظام الحالي أو كان رئيسا سابقا أو تولى منصبا إداريا أو سياسيا في الأنظمة السابقة، مما ساهم في إذكاء نار العداوة والبغضاء بين النخب السياسية والاجتماعية الصومالية!
2.إقصاء الآخر المخالف: إن مما أوصل البلاد إلى حافة الهاوية المجهوله أو ما جعله على شفا جرف من الحرب الأهلية هو انتهاج نظام فرماجو سياسة إقصاء الطرف الآخر، حيث استهل بداية عهده بالردّ على الأصوات السياسية المعارضة بمداهمة منزل السياسي عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي زعيم حزب ودجر المعارض والمرشح الرئاسي الحالي، وذلك في الـ 17/ديسمبر/2017م، عندما داهمت عناصر من جهاز المخابرات والأمن الوطني منزل السياسي عبدالشكور في مقديشو مما أوقع قتلى وجرحى في صفوف من كانو في المنزل أثناء الهجوم، وكان من بين الجرحى السياسي عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي الّذي اعتقلته القوات الأمنية وهو جريح. كما أن الضغط الّذي دفع السيد جواري إلى الاستقالة عن منصبه كرئيس لمجلس الشعب في البرلمان الفيدرالي يعدّ جزءا من سياسة إقصاء الطرف الآخر المخالف، ثم إن التضييق على إيصال المساعدات الدولية إلى صوماليلاند وما رافقه من جمود في المفاوضات بين الطرفين، كان كله جزءا من سياسة إقصاء الطرف الآخر وإخلاء الساحة لرأي واحد هو رأي السلطة الحاكمة، وعلى هذا الأساس ساءت علاقة الحكومة الفيدرالية مع الولايات الإقليمية جميعها، وبذلت الغالي والنفيس من أجل تغيير قادتها ورؤسائها وتنصيب موالين لها على هذه الولايات، حتى ولو كانت فاتورة ذلك دماء الأبرياء كما حدث في ولايات جنوب غرب الصومال (2018 م)، غلمذغ (2020)، وهيرشبيلي (2020 م)، ولما فشلت الحكومة الفيدرالية في تنفيذ سياستها هذه في ولايتي بونتلاند وجوبالاند، اتبعت نهجا آخر لمعاقبتهما وصلت إلى درجة فرض حظر جوي على مدينة كسمايو بسبب الخلاف السياسي معها، مما تسبب في حالة إنسانية سيئة أثرت على سكّان هذه المدينة الصومالية! كما أثرت بشكل سلبي على حرية التنقل لبعض الساسة حيث منعت السلطات الحكومية في سبتمبر 2019م الرئيس الصومالي الأسبق شريف شيخ أحمد من السفر إلى كسمايو مما أدخل البلاد منذ ذلك الحين إلى أجواء من الترقب والاحتقان السياسي الّذي وصل إلى مرحلة انقسم فيها الجيش وحدثت فيها مواجهات مسلحة داخل صفوفه في الـ 25/أبريل/2021م، ما بين مؤيد لفرماجو ومعارض لقراره بالتمديد الإداري، إلاّ أن نار هذه الفتنة قد تم إخمادها بجهود محلية مكثفة وبالتعاون مع قوى إقليمية ودولية معنية باستقرار الصومال!
3.ارتماء في أحضان إثيوبيا: اتسم عهد فرماجو بالارتماء في أحضان إثيوبيا بدءا من تسليم قلب طغح إليها، مرورا بتوقيع اتفافيات تعاون ثنائية لم يتم الكشف عنها مثل الاتفاقيات المبرمة في 2018م بين الطرفين بشأن استخدام إثيوبيا لـ 4 موانئ صومالية لم يتم تحديدها بعد، على الرغم من عدم عرض هذه الاتفاقيات على البرلمان الفيدرالي الصومالي مما أدّى إلى مزيد من الشكوك حول نوعية العلاقات بين الطرفين. ولم ينته هذا الارتماء في أحضان إثيوبيا عند هذا الحدّ بل وصل إلى درجة الطرد من دائرة النظام الحاكم كل من خالف إثيوبيا في رأي أو فكر سياسي إزاء المنطقة ولو كان هذا المخالف أقرب الأقربين إلى الرئيس المنتهية ولايته، كما حدث مع السفير أحمد عيسى عوض وزير الخارجية الصومالي السابق الّذي تمت إقالته في 19/نوفمبر/2020م، بعد تخبط وزارته في تبني الموقف الرسمي للصومال إزاء الأحداث الأخيرة في إقليم تيغراي الإثيوبي إذ نشرت الوزارة حينها على حسابها في تويتر تغريدة تقول فيها: “تعرب الجمهورية الصومالية الفيدرالية عن قلقها إزاء تطورات الأوضاع في إثيوبيا، كما أنهاتجدد دعمها لوحدة إثيوبيا وتماسكها، وتدعو إلى الحوار من أجل إنهاء الصراع الداخلي في إثيوبيا بشكل ودي”. إلاّ أنه بعد قليل من هذه التغريدة، غرّد السفير على حسابه الشخصي في تويتر قائلا: “للتوضيح، لا يوجد بيان رسمي من الخارجية الصومالية حول الأوضاع في إثيوبيا، وأن ما يتم تداوله من بيانات وتصريحات بشأن هذا الموضوع ما هي إلاّ بيانات غير صحيحة، وبالتالي فهي لا تعبّر عن مواقف الحكومة الصومالية”. مما جعل المتابعين يبحثون عن خيط دقيق يربط بين هذه التغريدات وإقالة الوزير الّذي شغل هذا المنصب منذ الـ 4/يناير/2018م!
4.فقدان السياسة الخارجية بوصلتها: فقدت السياسة الخارجية الصومالية بوصلتها خلال فترة حكم الرئيس المنتهية ولايته والّذي وصل إلى سدّة الحكم والعلاقات الخارجية الصومالية في أوجها حيث نالت قبل ذلك بسنوات أي في 2013م، باعتراف أمريكي رسمي، إلى جانب تدفق السفراء إلى البلاد وافتتاحهم في العاصمة مقديشو سفارات دولهم، ويمكن القول بأن فرماجو تولّى مقاليد إدارة البلاد والصومال ليس لها عدوّ خارجي على الأقل بسبب رشد السياسة الخارجية لسلفه، بينما سيسلم السلطة والصومال خسرت أشقائها قبل أعدائها بسبب السياسة الخارجية الهوجاء للرئيس فرماجو الّذي طرد نيكولاس هايسوم المبعوث الأممي من البلاد مطلع عام 2019م، واستعدى جمهورية جيبوتي الشقيقة، وخفّض من مستوى العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب قطع علاقاته الدبلوماسية مع الجارة كينيا، والتي على الرغم من الجهود القطرية لم تعد بعد إلى سابق عهدها. ووفقا لهذه السياسة الخارجية الخرقاء فقد انحصرت العلاقات الدبلوماسية الصومالية فقط مع إثيوبيا، إرتيريا، وقطر، مما أوصل البلاد إلى مرحلة شبه حصار سياسي عليها!
5.الفشل في استتاب أمن العاصمة مقديشو: على الرغم من وعوده المغرية لكل من يدلي بمعلومات أمنية صحيحة، وعلى الرغم من استخدام الحواجز الإسمنتية واستمرار إغلاق الطرقات الرئيسة في العاصمة مقديشو لمدة تزيد عن سنتين على الأقل بحجة الحفاظ على أمن العاصمة مقديشو، إلاّ أنها عرفت خلال هذه الفترة أشد التفجيرات إيلاما وأكثرها دموية بدءا من تفجير تقاطع زوبي في الـ 14/أكتوبر/2017م، والّذي راح ضحيته ما يقارب الألف من القتلى والجرحى، مرورا بتفجير بلدية مقديشو في الـ 24/يوليو/2019م، والّذي راح ضحيته مسؤولون كبار في إدارة إقليم بنادر، على رأسهم المهندس عبدالرحمن عمر عثمان (يريسو) عمدة العاصمة مقديشو ومحافظ إقليم بنادر، وصولا إلى تفجير إكس كنترول أفجويي في الـ 28/ديسمبر/2019م والّذي راح ضحيته ما يزيد عن 100 أشخاص أغلبهم من طلبة الجامعات والمدارس وممن كانت لهم محلات تجارية على جنبات الطريق، بالإضافة إلى ذلك كانت هناك تفجيرات أخرى متعددة ومتنوعة الشكل والنوع، إلى جانب اقتحام المباني والفنادق الرئيسية في العاصمة مقديشو، مما يخلف خسائر في الأرواح والأموال أورثت سكان العاصمة مقديشو خوفا ورعبا لم يألفوه خلال السنين الماضية لعهد الرئيس المنتهية ولايته.
6.الفشل في إجراء انتخابات مباشرة وغير مباشرة: في يونيو 2018م، توصلت الحكومة الفيدرالية مع الولايات الإقليمية وفي اجتماع المجلس الأمني القومي المنعقد ببيدوة اتفاقية تنص على تبني الصومال لنظام التمثيل النسبي المغلق، وأنه سيكون النموذج الانتخابي المتبع في انتخابات الصومال لعام 2020م، غير أنه في الـ 27/يونيو/2020م، أعلنت حليمة يري رئيسة اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات أمام البرلمان بأنه لا يمكن إجراء انتخابات صوت واحد لشخص واحد المنصوص عليه في قانون الانتخابات المصادق عليه، في موعدها المحدّد، وبالتالي فإن اللجنة تحتاج إلى 13 شهرا إضافيا لاستكمال الخطوات اللازمة لإجراء هذا النوع من الانتخابات، مما مثل لدى قطاع عريض من النخبة السياسية بأنها دعوة ضمنية إلى التمديد الإداري للسلطة الحالية أو إلى تأجيل الانتخابات عن موعدها، وهنا ظهرت الأصوات المعارضة للتمديد أو بالتأجيل مصرّة على إجراء انتخابات توافقية سلمية في موعدها المحدد، فكانت مؤتمرات طوسمريب 1، 2، 3، والتي توّجت باتفاقية الـ 17/سبتمبر/2020م التي حدّدت فيها الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية إجراء انتخابات توافقية غير مباشرة، إلاّ ان الخلاف نشب مرّة أخرى بين موقعي هذه الاتفاقية حول تنفيذ قراراتها مما أدخل البلاد مرّة أخرى إلى متاهات سياسية عقيمة تسببت في انقسام الجيش واصطدامه في العاصمة مقديشو في الـ 25/أبريل/2021م، ما بين رافض ومؤيد لقرار التمديد الإداري الّذي صادق عليه مجلس الشعب بطريقة غير قانونية في الـ 12/أبريل/2021م.
إن جميع ما تقدم من الأمور لتكشف عن صدق حقيقة الوضع السياسي والأمني الحالي في الصومال، وأن الرئيس المنتهية ولايته السيد فرماجو قد أوصل البلاد بسبب سياسته المنغلقة إلى حافة حرب أهلية مدمرة، فهل بإمكانه الترشح مرّة أخرى لرئاسة البلاد، وهل في تقديرك سيحقق نجاحا في السباق الانتخابي القادم.
الصومال الجديد*