الأحد. نوفمبر 17th, 2024

قسم البحوث و الدراسات الافريقية بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية و العسكرية

اعداد صبرين العجرودي / 04/02/2021

المراجعة : الدكتورة بدرة قعلول

بعد مرحلة إستقلال الدول الإفريقية، سارت القوى العالمية  باتجاه ترسيخ سياسات جديدة لاستغلال هذه الدول، وهو وما حرك لدى البعض من مناطق الاستعمار الإفريقية الرغبة في التحرر والإستقلال، احتجاجا على مخلفات هذه السياسات من طمس للسيادة وتعميق للفقر وللتراجع الإقتصادي. اتخذت الاكواس من الاستقلالية الإقتصادية هدفا رئيسيا لها رغم ما  تتعرض له من تحديات لكنها و على قدر سعيها لذلك فإنه يتم عرقلتها والتضييق عليها من القوى المسيطرة عليها.

المجموعة الإقتصادية لدول إفريقيا الغربية (ECOWAS)

باللغة الإنجليزية  (economic community of west African state وباختصار (ECOWAS ) و باللغة الفرنسية    (Communauté économique des États de l’Adrique de l’Ouest  و باختصار (CEDEAO) .

و هي منظمة تعاون إفريقية حكومية  تجمع بين 15 دولة وترفع شعار التعاون و التبادل الإقتصادي بين دول منطقة الغرب الإفريقي لبناء اقتصاد موحد وشامل في  بينها ويقع مقرها في أبوجا عاصمة نيجيريا.

كانت فكرة السعي لتنسيق إطار مشترك للتعاون الإقتصادي بين دول إفريقيا الغربية قد ظهرت منذ خمسينات القرن العشرين، و بعد حصول أغلب دول المنطقة على استقلالها في فترة الستينات لاحت في الأفق من جديد، وانطلقت المبادرة من طرف رئيس ليبيريا  “وليام تومبان” في عام 1964 لتكوين منظمة تعاون اقتصادي لدول الغرب الإفريقي وتم توقيع اتفاق بين ليبيريا وساحل العاج وغينيا وسيراليون، لكن التجربة بائت بالفشل.

إلا أن المبادرة انطلقت من جديد عام 1972من طرف الرئيس النيجيري والرئيس التغولي نياسينغبي أياديما الذي عملا على اقناع قادة 12 دولة للانخراط في منظمة التعاون الإقتصادي، وقد انتهت هذه المبادرات  بانعقاد اجتماع في منروفيا عاصمة ليبيريا عام 1975 حيث تم التوقيع على معاهدة المجموعة الإقتصادية من طرف 15 دولة في إفريقيا الغربية  ( بنين، بوركينا فاسو، نيجر، نيجيريا، كوت ديفوار، غامبيا، غانا، غينيا، السنيغال، توغو، مالي، ليبيريا، سيراليون، الرأس الأخضر )، وقد كانت موريتانيا عضوة في الإكواس إلا أنها انسحبت عام 2000 معلنة ان السبب وراء قرار انسحابها هو تركيز جهود المجموعة على اتحاد المغرب العربي.

وتهدف المنظمة إلى تحقيق وحدة اقتصادية بين دول منطقة الغرب الإفريقي وتعزيز النشاط الإقتصادي الداخلي عبر فتح الحدود بين هذه الدول خاصة وأنها تعاني من حالة اللاستقرار السياسي والإجتماعي الذي انعكسا على نموها الإقتصادي، لذلك بدأت منذ عام 2000 بالعمل بجواز سفر موحد ECOWAS Passport  بين دول الغرب الإفريقي يمكّن شعوب الدول الأعضاء بالمنظمة بحرية التنقل داخل كامل المنطقة دون طلب تأشيرة لمدة لا تتجاوز 90 يوما.

ورغم أن أهداف الإكواس اقتصادية، إلا أن الظروف السياسية والأمنية  حتمت عليها القيام ببروتوكل دفاع مشترك عام 1978، فضلا عن نص يقضي بنشر قوة لحل الصراعات في حالة حصول حرب بين دولتين من أعضاء المجموعة، وفي عام 1999 تم إنشاء بروتوكول اخر للتدخل وقت النزاعات سميت بالإكوموك.

وقد تحولت الإكوموك لاحقا في عام 2004 إلى قوة الردع التابعة للإكواس للتقيد بدور حفظ الأمن والإستقرار في دول  التي تشهد أزمات وصراعات في كامل القارة وذلك لإنضمام المشروع للإتحاد الإفريقي.

رغم الجهود المعتمدة من الإكواس في تحقيق الوحدة الإقتصادية ودورها الهام في تكريس آليات حفظ الأمن والسلام، فقد حالت كل من الظروف الإجتماعية والسياسية والبيئية دون تحقيق النجاح الكلي للشراكة الإقتصادية بين دول الغرب الإفريقي، وقد تصدر في الواجهة التمدد الأجنبي الذي استغل ضعف السلطات المركزية للقارة الإفريقية بأكملها واقتصادها الهش للتوغل داخل دولها موظفا بذلك طرقا وأشكالا مختلفة لضمان مصالحه، من ذلك الإستثمارات الإقتصادية والتبادلات التجارية والقواعد العسكرية بتعلة مكافحة الجماعات والحركات الإرهابية التي بدورها تغولت داخل القارة السمراء.

الوحدة الإقتصادية بين دول الغرب الإفريقي  … الطريق نحو التحرر من فرنسا

بات السعي من أجل التخلص من بقايا الإستعمار في دول الغرب الإفريقي  وإعادة بناء سياسات اقتصادية جديدة تفتح لها المجال نحو تحقيق النمو،  هدفا بارزا على الساحة الدولية والإقليمية. وكانت الإكواس مثالا هاما على ذلك حيث تركزت مساعيها على إنشاء عملة موحدة بين الدول أعضاء المنظمة  وفي عام 2019 تم الإتفاق على “إيكو” اسما للعملة الموحدة.

وليس الهدف من توحيد العملة  بين دول الغرب الإفريقي تكريس للتكامل الإقتصادي والإندماج فيما بينها فقط، بل هي منطلق هام  للخروج من أيدي المستعمر الفرنسي وتحقيق الإستقلالية الإقتصادية، وهو ما يبرر العراقيل التي تكرسها باريس لتعطيل سير هذا المشروع، فقد أنشئت فرنسا في عام 1945 خلال فترة الإستعمار فرنك (CFA ) وكان مرتبطا “بالفرنك” العملة الفرنسية القديمة، وحاليا هي مرتبطة بالأورو  ويُطلقُ عليها ” فرنك الغرب الإفريقي “.

 وتقوم ثمانية بلدان من دول الغرب الإفريقي باستخدام هذه العملة  (بنين، بوركينا فاسو، غينيا بيساو، ساحل العاج، مالي، النيجر، السنيغال، توغو) حيث تملك فرنسا قدرة كبيرة على التحكم بها والهيمنة على مختلف هياكلها الإقتصادية  من ذلك حق الفيتو في قرارت مجالس إدارة البنكيين المركزيين المرتبطين بهذه العملة  وهما البنك المركزي لدول غرب إفريقيا وبنك دول وسط إفريقيا الوسطى، وتمثل هذه العملة عائقا أمام تحقيق  النمو الإقتصادي والوحدة الإقتصادية بين دول الغرب الإفريقي التي قُسمت إلى كتلتين وفقا للعملة المُستخدمة، حيث أن ثمانية دول تقوم باستخدام عملة CFA  في حين أن بقية الدول تستخدم العملة الخاصة بها.

وقد  نشأ صراع داخل الإكواس بين هاذين  الكتلتين، إحداهما منظمة اتحاد غرب إفريقيا الإقتصادي والنقدي الذي تأسس عام 1994 والذي يضم الدول التي تستخدم عملة  CFA ومعظمها دول فرنكفونية، والمنظمة الثانية هي منطقة غرب إفريقيا النقدية التي اُنشئت عام 2000 وتتكون من الدول التي تستخدم عملاتها الخاصة وتسعى الاكواس لتوحيد عملتها في  المستقبل.

وبناء عليه تسعى دول الغرب الإفريقي إلى التخلص من التضييق المُمارس على عملتها بالقيام بعملة مشتركة فيما بينها، وهو ما تتخوف منه فرنسا خاصة وأن ذلك سيجعلها تتنازل عن احتياطات العملة .. وقد استغلت فرنسا هذا الصراع لتعمل على تعميقه  وتكتسب ولاء بعض الدول المستخدمة لعملتها التي لا ترا أن عملة ” الفرنك غرب الإفريقي ” تمثل حاجزا أمام تحقيق التنمية في هذه الدول الإفريقية وأن المشاكل التي تعاني منها تعود اساس لقادة هذه الدول، ولكن ذلك لم يمنع وقوف بعض الدول الأخرى احتجاجا على الهيمنة الفرنسية المفروضة على عملتها داعية إلى فك الإرتباط بالعملة الفرنسىة  وتحقيق الإستقلالية حيث اعتبرت أن هذه العملة استعمارية  وهي إحدى السياسات النيوكولونيالية  لفرنسا.

تحويل مشروع العملة الموحدة لصالح فرنسا

لا يمكن لفرنسا التخلي عن نفوذها في منطقة الغرب الإفريقي بهذه السهولة لذلك فقد تركزت مساعيها على التخطيط لسياسة جديدة لإحتواء مشروع العملة الموحدة والحفاظ على نفوذها بشكل اخر وهي مشروع ” إصلاح عملة فرنك الغرب الإفريقي “، وقد تم الإعلان من طرف رئيس الكوت ديفوار حسن واتار( رئيس منظمة اتحاد غرب إفريقيا الإقتصادي) مع الرئيس الفرنسي ماكرون في مؤتمر صحفي مشترك عن جملة الإصلاحات التي زعمت أنها تحقيق لتطلعات الإكواس حول الإقتصاد المشترك بين دول الغرب الإفريقي، أبرزها تغيير اسم العملة إلى عملة ” ايكو ” و تنازل فرنسا عن نصف احتياطاتها لصالح دول الغرب الإفريقي في حين أنها ستحتفظ بالنصف الاخر، كما أعلن أنها ستتنازل عن دورها في التحكم في العملة، لكن اتحاد غرب إفريقيا الإقتصادي سيحافظ على علاقة عملة الايكو باليورو، وبالتالي سيبقى سعر صرف العملة مثلما هو.

كما ستبقي فرنسا اتحاد غرب إفريقيا الإقتصادي والنقدي المكون من الدول الثمانية  تحت هيمنتها لذلك ستقوم بتحويل احتياطاتها من العملات الأجنبية إلى البنك المركزي لدول غرب إفريقيا ثم سيقع نقلها إلى البنك المركزي الأوروبي.  

وبذلك ستحافظ فرنسا على مصالحها من دول اتحاد غرب افريقيا الإقتصادي والنقدي بتخزين احتياطاتها كما أنها ستعمق الصراع بين الكتلتين  خاصة وأن بقية الدول الاخرى ترفض هذه التغييرات الإستعمارية الجديدة التي من الواضح أنها ستكون ذات استغلال أعمق نظرا بأن عملة الايكو ستظم أيضا الدول الاخرى التي لم تكن عملتها مرتبطة بالعملة الفرنسية، وبناءا على ذلك ستسيطر فرنسا على جميع دول الغرب الإفريقي تحت غطاء مشروع العملة الموحدة .

دخول الولايات المتحدة الأمريكية بغطاء الإرهاب

ينتهي نفوذ الولايات المتحدة بانتهاء مصالحها، هكذا تنظر أمريكا للعالم أي باعتباره مجالا لبسط النفوذ من أجل ضمان قوتها عالميا، حيث تمثل منطقة الغرب الإفريقي التي تتحد دولها ضمن منظمة الإيكواس أرضا خصبة من الثروات الطبيعية، في مقدمتها الثروات  النفطية  التي يتركز نسبة 70 % من نفط كامل القارة في دولها، لذلك تبرز الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر مستهلك عالمي للنفط من منطقة الغرب الإفريقي، كما يتمتع هذا الإقليم بكثافة سكانية هامة حيث يمثل سكانه 30 % من إجمالي سكان القارة الإفريقية وهو ما يحفز التبادلات التجارية و يجعل منه مجالا هاما للإستثمارات الأجنبية.

 لذلك تتعارض أهداف الإكواس المتمثلة في تكريس اقتصادي داخلي مع سياسات الأمريكية المتركزة على بسط النفوذ وتأمين المصالح داخل المنطقة، فسعي الاكواس إلى فتح الحدود بين دول الغرب الإفريقي وتسهيل المبادلات التجارية هو بالأساس تضييق على النفوذ الخارجي في المنطقة، ويندرج ذلك بالتعامل الداخلي بين دول الغرب الإفريقي التي ستحقق اقتصادا مستقلا من خلال فك هيمنة الأطراف المُستغلة لثرواتها وخروجها عن التبعية.

ولم يكن القضاء على الإرهاب إلا بطاقة لدخول الولايات المتحدة الأمريكية  إلى المنطقة مُدعية أن الحركات الإرهابية في كامل القارة تمثل مهددا هام لأمنها القومي، لذلك لم تتوانى في إنشاء الأفريكوم لحماية مصالحها سواءا من الأطراف الخاريجية أو الداخلية التي تحاول عرقلة تمددها.

وبالتالي ستسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى منع فتح الحدود بين دول الغرب الإفريقي بتعلة أن ذلك لن يساهم إلا في دعم تمدد الجماعات الإرهابية وتغولها في المنطقة  وهو ما أشار إليه السفير ناثان سيلز المنسق الأمريكي لمكافحة الإرهاب في وزارة الخاريجية ، كما أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية  تعمل على قدم وساق بالتعاون مع حلفائها وشراكائها في ردع التحركات الإرهابية، وبذلك فإن فتح الحدود بين هذه الدول سيكون عائقا أمام نجاح الخطط في الحد منه .

وعموما فإن هذه السياسات عادة مألوفة بالنسبة لبقية الأطراف المهيمنة على القارة السمراء، فهي تبرر دخولها إما بالدعم الإقتصادي المزعوم لهذه الدول الفقيرة أو بغطاء مكافحة الإرهاب، وبالتالي فإن مشروع الإكواس ليس إلا حاجزا أمام تبعية دول الغرب الإفريقي لهذه القوى المستغلة، ففرنسا قامت بإعادة صياغة مشروع العملة الموحدة مع ما يتوافق ومصالحها ويحافظ على مكانتها الرمزية كمستعمر لدول الغرب الإفريقي، أما الولايات المتحدة الأمريكية تدين مشروع الاكوس القائم على فتح الحدود والذي يُضيق على نفوذها.

في هذا الإطار لا يمكن لهذه القوى أن تقضي على بطاقة دخولها إلى القارة، فهي تقوم بضخ الإرهاب في الدول الإفريقية حتى تستطيع الدخول إلى القارة بحجة القضاء عليه، حتى أن الولايات الأمريكية انتقائية في القيام بذلك، وتُركز حضورها في المناطق الأقرب إلى مصالحها.

من المؤكد أن فرنسا لن تسمح بالإنعتاق التام لدول الغرب الإفريقي عن سيطرتها، وبذلك ستستمر في فرض هيمنتها بفرض حضورها في المشاريع والسياسات الجديدة التي تبنيها الاكواس، فقد حولت مخطط العملة الموحدة كوسيلة لتعميق الهيمنة، كما استغلت في ذلك الانقسام داخل المنظمة لتحوله لصالها. وهو ما لا تسمح بيه الاكواس التي من الواضح انها لن تقبل ” إصلاحات فرنك الغرب الإفريقي ” وستلجأ لتحويل أسس المشروع   وكسب دول منظمة اتحاد غرب إفريقيا الإقتصادي والنقدي التي توظفه فرنسا في سياساتها الإستعمارية. أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فهي ستعمل على تعميق أزمة الجماعات الإرهابية في المنطقة إلى أن يُلغى مشروع فتح الحدود بين دول الغرب الإفريقي.