الجمعة. نوفمبر 15th, 2024

اثيوبيا-15-2-2021-أميرة زغدود

يهود “الفلاشا”، أو”فلاشة المورا” بالعبرية، أو “يهود الحبشة”.. تختلف التسميات لكنية هذه القبيلة المعزولة عن العالم في أعماق القارة السمراء وبالتحديد في أراضي الحبشة أو إثيوبيا.


من هم يهود الفلاشا؟

يهود الفلاشا هم اليهود المنحدرون من إثيوبيا ، وكلمة الفلاشا هي كلمة أمهرية تعني “المنفيون” أو “الغرباء”.. يبلغ عددهم حوالي 148 ألفا يعيشون اليوم بفلسطين المحتلة.. تمت عمليات تهجيرهم تحت تسمية قانون العودة الذي أقره الكينست عام 1950. 

تركز وجود الفلاشا في شمال غربي إثيوبيا، انطلاقا من مدينة أكسوم الواقعة على الحدود الإثيوبية- الإيريترية في الشمال، وصولا إلى منطقة بني شنجول بالجنوب. وعاش اليهود في عديد المناطق الأخرى على غرار مدينة جمدار وحول بحيرة تانا، ومنطقة جوجام بالغرب، وفي منطقة شيرا التاريخية وإقليم تيغراي، وأيضا بالعاصمة أديس أبابا.
كان وصول مناحيم بيغن إلى رئاسة وزراء الكيان الصهيوني في العام 1977، بمثابة القشة التي ستتمسك بها الدولة المزعومة لتحقيق الإعتراف بوجودها، فسعى إلى طلب مجيء يهود إثيوبيا بأمر مباشر لرئيس الموساد الإسرائيلي.

عقدت قوات الإحتلال الإسرائيلي اتفاقا سريا مع رئيس إثيوبيا مانغستو هيلا مريم، في العام 1981، مفاده أن تزوّد إثيوبيا بالسلاح الذي تحتاجه في حربها ضدّ المتمردين مقابل أن يتم ترحيل اليهود إلى فلسطين المحتلة. وتمّ نقل المئات من بهود الفلاشا على متن طائرات تجارية من مطار أديس أبابا .

وظلت ألعملية متواصلة لمدة ستة أشهر قبل أن تفضح تفاصيل الإتفاق السري الإثيوبي- الإسرائيلي، وتثير التصريحات الصحفية لوزير الخارجية موشي دايان أن”إسرائيل” تزوّد إثيوبيا بالأسلحة، ما أثار حفيظة مانغستو ودعاه إلى إلغاء الإتفاق مع الموساد.

خسر كيان الإحتلال الجسر المباشر لنقل اليهود ولكن واصل مساعيه، وهذه المرة على أرض الجارة السودان، حين تلقت أجهزة الموساد اتصالا من أحد أجهزتها السرية في السودان تفيد بأن هناك طريقا جديدا لنقل اليهود الإثيوبيين.

أرسل الرسالة المدرّس الإثيوبي، فريدي آكلوم المقيم في الخرطوم ، يطلب من الموساد أن يرحلوه ولكن كانت الإجابة بأن يبحث عن باقي يهود الفلاشا بإثيوبيا، وتمكن آكلوم من جمع العشرات فقط وتمت عملية ترحيلهم سرّا .

تنامت الأخبار بين يهود الفلاشا حول طريق سري إلى القدس، فعقد الآلاف منهم العزم على الرحيل مستلهمين وعود الدعاية الصهيونية باللقاء على”أرض اللبن والعسل”.

من جانبها، كرّست الدولة المزعومة كل جهودها وطاقاتها لجلب يهود الفلاشا، وارتأت أن تنتهج سياسة جديدة لاستكمال جلبهم وفتحت سلطاتها شركة سياحية وهمية بأوروبا واستأجرت منتجعا سياحيا بالسودان عرف باسم “لعروسة” وادعى القائمون على المكان بسعيهم إلى النهوض بالرياضات البحرية بمنطقة البحر الأحمر.

سعى كيان الإحتلال الى اختراق السودان عبر زرع خلاياه وضباط الموساد في قلب المنتجع السياحي الذي عرف النجاح سريعا وسطع نجمه، وتمكن الضبّاط من جلب اليهود الموجودين بمناطق اللاجئين الإثيوبيين بالسودان، وسط مخاوف من كشف السلطات السودانية مخطط نقلهم.

في العام 1982 قام عملاء من الموساد بسفرة استكشافية بالأراضي السودانية لاختيار الأرضية الأنسب لنزول الطائرات لأن العمل في هذه المرحلة سيكون بنقل اليهود الإثيوبيين جوّا، ووقع الإختيار على مطار بريطاني مهجور وتمّ تجهيزه لتنطلق أول رحلة .. ولم تدم الرحلات كثيرا إذ سرعان ما كشفت السلطات السودانية الحركية المفاجئة للمطار، الأمر الذي حدا بقوات الإحتلال إلى إيجاد البديل كالعادة.


وتعمد الكيان استعمال أسلوب الضغط الدولي على الرئيس السوداني جعفر النميري، وفي عام 1985 هاجر أكثر من 20 ألفا من يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى الأرض المحتلة بمعرفة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، وتمكنت القوات الأمريكية من نقل عدد كبير من الفلاشا على متن طائراتها من مطار “العزازا” شرق السودان،إلا أن النميري اشترط أن يتمّ الترحيل عبر دولة ثالثة هي بلجيكا وذلك للتغطية على حقيقة وجهتهم خوفا من الصدام والمعاداة العربية للسودان إذا ما افتضح أمر تعاونها مع الكيان المغتصب.


سارت الرحلات منتظمة لتخرج من مطار الخرطوم وتهبط بمطار العاصمة البلجيكية بروكسل بتعلة التزود بالوقود ومن ثمّ تستأنف خط سيرها باتجاه مطار تل أبيب.. قامت الطائرات بثماني وعشرين رحلة نقلت فيها ما يقارب عشرة آلاف من يهود إثيوبيا.

تلقى النميري أموالا طائلة تم ضخها بحسابه البنكي السري في روما، كما تمت ترضية كل من ساهم في تسهيل عملية نقل يهود الفلاشا لزيادة الكثافة السكانية وإنشاء مستوطنات على الأراضي العربية المحتلة.

وقد كشفت ملابسات الإتفاق البغيض بين السودان والكيان الصهيوني بعد الإطاحة بالرئيس السوداني النميري الذي قدّم للمساءلة القضائية مع كل من تورط في عملية التعاون المهينة للسودان.


تتالت عمليات الترحيل السرية ليهود الفلاشا من أوائل الثمانينات الى حدود أوائل التسعينات، ولئن اختلفت التسميات من عملية موسى عام 1984، وعملية سبأ في مارس 1985، وعملية جسر سليمان في العام 1991 ، ولم يختلف المبدأ الذي يعمل لأجله الكيان اليهودي وهو لمّ شمل اليهود على الأراضي المحتلة.

آلاف المهاجرين وصلوا بطرق سرية، حالمين بـ”أرض اللبن والعسل” ولكن الحلم تلاشى منذ أن وطأت أقدامهم أرض فلسطين، حيث عاشوا في أحياء فقيرة ومهمشة وعشوائية على أطراف المدن القائمة بفلسطين ، كما حدث في مدينتي الخضيرة والعفولة.

ولئن اضمحل الوعد بالعيش الهنيء رويدا رويدا بعد المعاملة اللاإنسانية والعنصرية في بلد الديمقراطية الكاذبة، عاش يهود الفلاشا أنواعا من الإضطهاد والغبن والتمييز العنصري والفقر وهو الوضع الذي أشعل الفتيل وفجر مجددا مشكلة اليهود الحالمين حين تم قتل شاب يهودي إثيوبي، على يد شرطي ، وأثار الحادث البلبلة في الشارع وخرج آلاف اليهود الاثيوبيين وحتى مناصروهم من اليهود البيض في مظاهرات تحولت مواجهات وأعمال شغب وحرق.

قطرة أفاضت الكأس وأحيت من جديد موضوع يهود الفلاشا وذكرتنا بالتاريخ وبمحاولات كيان الإحتلال المستميت لجلب بني دينها ، ولكن فضحت حقيقتها العنصرية حتى مع اليهود أنفسهم، فما بالنا مع خصومها أصحاب الأرض الحقيقيين الذين تم اغتصاب أرضهم وتدمير مقومات وجودهم وتشريدهم!