الأحد. نوفمبر 17th, 2024

سلمى مفتاح /طالبة ماجستير بحث في قانون وسياسات الإتحاد الإفريقي(جامعة قرطاج)

تصادف يوم 13 فبراير هذه السنة، الذكرى الواحدة والستون لعملية “اليربوع الأزرق”وهي أول تجربة نووية أجرتها فرنسا في الجزائر لتلحق بقاطرة القوى الثلاث المطورة للسلاح النووي بعد الولايات المتحدة الأمريكية التي كان لها السبق في تطوير هذا النوع من الأسلحة والتي تعتبر الدولة الوحيدة التي بادرت باستعمال السلاح النووي خلال الحرب العالمية الثانية في مناسبتين منفصلتين خلال تجربتي هيروشيما ونكازاكي باليابان في شهر أغسطس 1945، وتعتبر روسيا الوريث من جهتها الوحيد لترسانة الإتحاد السوفياتي من الأسلحة النووية كثاني قوة عالمية امتلكت هذا النوع من الأسلحة وتلتها في ذلك بريطانيا.

التجارب النووية الفرنسية في الجزائر جرحٌ لم يلتئم بعد!

اتخذت فرنسا من الجزائر خلال فترة احتلالها، مخبرا لتجاربها النووية الأولى على امتداد ست سنوات بداية من أوائل ستينات القرن الماضي وعبر سلسلة من التجارب التي تضاربت الدراسات في تقديرها، فهناك من قدرها ب 17 تجربة وهناك من اعتبر أنها بلغت 57 تجربة من مجمل 210 تجربة قامت بها فرنسا من 1960 إلى حدود سنة 1996 سواء في صحراء الجزائر أو في بولينيزيا الفرنسية.

تجدر الإشارة إلى أن إعلان استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962 لم يقف حائلا دون استمرار فرنسا في تجاربها النووية في الجزائر وهو ما يعد تعدياً صارخاً على سيادتها وحرمتها الترابية.

افتتحت فرنسا حفل ألعابها النووية في منطقة رقان جنوب الجزائر من خلال تفجير قنبلة بلوتونيوم بقوة 70 كيلو طن في الجو لتفوق بذلك قوته 4 مرات قوة تفجير هيروشيما العظيم.
من بين هذه التجارب 4 تفجيرات في منطقة رقان إلى جانب 13 تفجيرا تحت الأرض بمنطقة “عين إيكر” و35 تجربة في “المحمودية”
وتعتبر هذه التجارب واحدة من أبشع الجرائم التي اقترفها المستعمر الفرنسي في القطر الجزائري الذي لا يزال يجني ويلاتها بالرغم من مرور 6 عقود على هذه الأحداث التي وصفها وزير قدامى المحاربين في الجزائر، الطيب زيتوني، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بأنّها كانت “جريمة في حق الإنسانية ارتكبت ضد الأبرياء من شعبنا”.

مطالب بجبر الضرر تقابل بالصمت!

وقد حاولت فرنسا التهرب من المسؤوليات التي يمكن أن تترتب عن هكذا ممارسات إجرامية،مدعية بعد 3 أيام من التفجيرات التي مست منطقة رقان، أن النشاط الإشعاعي في المنطقة بأسرها غير مؤذٍ لأن مستوياته أدنى بكثير من مستويات الإشعاعات الخطرة.
لكن الحقيقة تقول غير ذلك لأن مستويات النشاط الإشعاعي كانت أعلى بكثير من تلك التي أقرّت بها فرنسا في ذلك الحين.
لكن الواقع يبرهن على أن سكان المناطق الجنوبية الجزائرية لا يزالون يجنون تأثيراتها حيث أكد باحثون جزائريون في الفيزياء النووية وجود رابط بين تلك التفجيرات النووية وحالات الإجهاض والتشوهات وأمراض السرطان وأمراض أخرى نادرة الوجود أصيب بها سكان المناطق الواقعة في أقصى الجنوب الجزائري دون غيرهم من المواطنين الجزائريين.

لم يطل تأثير الإشعاعات فقط الإنسان بل امتدت تأثيراته أيضاً إلى الحيوانات والتربة نظراً لأن المواد التي استخدمتها فرنسا في تجاربها النووية كانت معظمها من البلوتونيوم شديد الإشعاع فضلاً عن مادة اليورانيوم التي يستمر إشعاعها إلى أكثر من 24 ألف سنة.
ويعتبر هذا الملف واحداً من أكثر الملفات الشائكة التي تقف عائقاً أمام تسوية العلاقات بين القطرين بشكلٍ كامل إذ تعتبره الجزائر واحداً من أبشع جرائم الإبادة الجماعية التي نفذها المستعمر على مدار 132 سنةً من الاستعمار الذي وصل به الأمر إلى تثبيت 150 معتقلاً جزائرياً في أوتاد خشبية كفئران تجارب لتحليل تأثير الإشعاعات النووية على أجسادهم في تفجير “رقان”.

ويظل التعويض للضحايا وعائلاتهم وللجزائر عموماً مطلباً وطنياً وشعبيا تشبثت به الجزائر منذ استقلالها وجدد المتظاهرون الجزائريون في حراكهم الشعبي الذي اندلع في فبراير 2019 التأكيد عليه.
ومن المرجح أن تصل قيمة التعويضات إلى مبالغ طائلة الأمر الذي يجعل فرنسا تغض الطرف عنها وهو ما تجلى في سياسة الحكومة الفرنسية التي التزمت الصمت حيال هذا الموضوع.
وكان الزيتوني قد أكد في تصريحه أن هذا الملف من ضمن أربعة ملفات كبرى عالقة أوقفت الجزائر التفاوض بشأنها مع الحكومة الفرنسية لعدم لمس جديتها في التعامل مع الموضوع وهو ما سيقف حائلاً دون تطبيع العلاقات بين البلدين.