السبت. نوفمبر 16th, 2024

تونس-تونس-23-1-2021

في افتتاح الجلسة أوضحت الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس ، أنّ المركز بادر إلى تنظيم هذه الندوة، بخصوص ” تداعيات الصراعات المسلحة في منطقة القرن الإفريقي وتأثيرها على أمن منطقة البحر الأحمر” لسدّ فجوة خلّفتها قلّة الإهتمام البحثيّ العربيّ بمنطقة القرن الإفريقي، بالرغم من الموقع الجغرافي المهم الذي تحتلّه المنطقة في جوار الوطن العربي، مضافا إليه البعد التاريخي للعلاقة بين الجانبين.

وأضافت قعلول، أنّ الندوة تدخل في سلسلة الندوات التي يعقدها المركز حاليا عن بسبب جائحة كورونا،والتي تتناول علاقات العالم العربي بجواره الإقليمي.

واستهلت الدكتورة قعلول ، الحديث في الندوة عن أهمية تناول الصراعات في القرن الإفريقي والتي ساهمت في تأزم أوضاع القارة ، لافتة إلى إن الأحداث المتسارعة بالقارة السمراء تتطلّب الوقوف عند حيثياتها سيما وأن الأنظار تتجّه نحو إفريقيا مستقبلا لما تحتويه من ثروات وموارد تجلب الإنتباه الدولي تجعلها محلّ اهتمام واسع.

وإعتبرت قعلول أن منطقة القرن الإفريقي تشهد جملة من الأزمات والصراعات ، مشيرة إلى الأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة لما لها من أهمية جغرافية ، مشيرة إلى الصراعات الإقليمية والإثنية إضافة إلى تمدّد الإرهاب.

بدورها قالت الدكتورة أماني الطويل، مساعد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ومديرة الوحدة الدولية والبرنامج الإفريقي بالمركز، إن الحديث عن القارة الإفريقية التي تحولت اليوم إلى عنصر مؤثر في استراتيجيات الدول الكبرى مهمّ جدا خاصة مع تصاعد الصراعات في هذه المنطقة.


وتطرقت الطويل إلى الصراعات الحاصلة في القرن الإفريقي والتي لها الكثير من التداعيات على أمن كافة الدول وعلى أمن البحر الأحمر وأمن منطقة الساحل الصحراء والذي بدوره له التأثير على أمن منطقة شمال إفريقيا.
ولفتت الخبيرة المصرية، إلى أهمية الحديث عن مكونات القرن الإفريقي والعودة إلى تاريخه ولتركيبته الديمغرافية ، منوهة إلى أن منطقة القرن الإفريقي جلبت الإنتباه الدولي، وتعتبر من أهم محاور الصراع الأمريكي -الصيني من جهة، والصراع الفرنسي- الأمريكي من جهة أخرى .

وأضافت أماني الطويل أن هذه المنطقة تشوبها تجاذبات الهوية وتناحر الإيديولوجيات على المستوى الداخلي لكل دولة أو على المستوى الإقليمي، مستدلّة على كلامها بالسودان وإثيوبيا ، حيث توجد تفاعلات داخلية بالدولتين، وقالت: هناك “تفاعلات خشنة بين الشعب السوداني أو ما يطلق عليه الشعوب السودانية نظرا للإنقسام العرقي والثقافي ، بينما في إثيوبيا نحن أمام مشهد تناحر قوميات مكونة لدولة واحدة لكن هناك صراعات دائرة بينها على مرّ عقدين من الزمن إلى الآن”.


ولاحظت أن الأطماع في القرن الأفريقي ليست وليدة اليوم، إذ كانت منذ العصور القديمة محط أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة، نظرا لأهميتها الإستراتيجية وإطلالها على طرق التجارة الدولية البرية والبحرية، ومنذ القرن الـ 15 ازداد التنافس الغربي على النفوذ بهذه المنطقة، بل تحول إلى صراع في حالات عديدة.
وقد أصبحت نقطة جذب وتركيز واهتمام من قبل أطراف دولية وإقليمية عديدة تتصارع على مواطن الثروة والنفوذ ومراكز القوة والحضور.
وزاد من أهميتها الإستراتيجية كونها تمثل منطقة اتصال مع شبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط.. فالموانئ وحاملات النفط والغاز والإتجار بالبضائع والأسلحة وعبور الأشخاص عوامل جعلت منها نقطة جذب دولية.

كما أشارت الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إلى التنوّع الكبير في التركيبة الديمغرافية لسكان القرن الإفريقي، موضحة أننا أمام انقسام في الأجناس داخل نفس الدولة وهذا ما يصعب عملية الإندماج في الوطن الواحد ، كما يؤثر على حالة التحالفات الإقليمية بين الدول، وخير دليل على ذلك هو التحالف الإريتري – الإثيوبي ضدّ إقليم التيغراي.

وأكدت أن مكونات القرن الإفريقي بهذا الشكل خاصة مع تموقعها على الشريط الساحلي المطل على البحر الأحمر، ساهم بشكل كبير في تدويل أمن المنطقة وخلق صراعات كبرى.


وترى المتحدّثة أن المستجدات خلال العقد والنصف الأخير، أفرزت العديد من الظواهر الجديدة في علاقة تفاعلية ما بين دول القرن الإفريقي والبحر الأحمر، واليوم توجد تمركزات عسكرية في البحر الأحمر من مختلف الجنسيات ، ففرنسا لها قاعدة قديمة بالمنطقة مرتبطة بمشروعها الإستراتيجي بإفريقيا المرتبط بوحدة الحزام الفرنسي وقدرته على التفاعل من البحر الأحمر حتى المحيط الأطلسي أو مانسميه بدول الساحل أو الحزام الإفريقي.

وتطرّقت الخبيرة المصرية إلى التهديدات الأمنية بسبب القرصنة البحرية للتجارة العالمية ، مشيرة إلى النسبة الكبيرة للتجارة العالمية التي تمرّ عبر البحر الأحمر، حيث إن نقل نفط الخليج يمرّ من هناك .

وذكرت الخبيرة أن دولة جيبوتي أصبحت نقطة انطلاق لعملية عسكرة البحر الأحمر، انضمت إليها الصومال في المرحلة الأخيرة لوجود قاعدة عسكرية تركية لتدريب الجيش الصومالي، لافتة إلى أن التحالف القطري التركي قد أثّر على المعادلات السياسية الداخلية بالصومال وبدورها تؤثر على التوافق الداخلي بالصومال .

يذكر ان جيبوتي تسعى إلى رفع مستوى اقتصادها بالإستفادة من موقعها الإستراتيجي على مضيق باب المندب الذي يتيح لها الإستثمار في اقتصاد الموانئ.


تقاطعات المصالح الدولية فيما يتعلق بالأوضاع في القرن الإفريقي


وفق الدكتورة أماني الطويل، لم يكن لفرنسا دور مباشر في حفظ الأمن خاصة في إطار G5 التي لم تستطيع طيلة 4 سنوات تحقيق فاعلية في مكافحة الإرهاب وخير دليل الأوضاع الحالية التي تعيشها دولتَا مالي والنيجر أمام التهديدات الإرهابية الكبرى ، وقالت: “إذا كان الهدف هو مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والحفاظ على أمن المنطقة فإنه لابدّ من التدخل العسكري المباشر وهذا الدور تلعبه مصر من خلال دعم المؤسسات العسكرية لهذه الدول والتنسيق بينها”

وأشارت إلى التحفظ الفرنسي على هذه الرؤية وتتخذ مسار نشر قواتها وقواعدها العسكرية والتعامل مع المنظمات الإرهابية من خلال هذه المنصات بالتعاون مع G5

وشددت الخبيرة في الشأن الإفريقي على فشل التدخل الفرنسي في مالي في بلوغ أهدافه، معبّرة عن رفضها كباحثة لأي تدخل أجنبي يثير مناهضة داخلية محلية.


*التضاغط الصيني –الأمريكي


واعتبرت الطويل أن “سبب هذا التضاغط هو المخطط الصيني”حزام واحد-طريق واحد” حيث إن الطريق البحري يمر عبر البحر الأحمر، وموانئ البحر الأحمر مستهدفة في إطار نوع من التضاغط الصيني الأمريكي فيما يتعلق بنقل النفط والتجارة الدولية عموما”.

ولفتت إلى الوجود الصيني الذي تقاومه بعض الدول الخليجية ، قائلة: “شركة موانئ دبي لها أنشطة اقتصادية في موانئ البحر الأحمر في إطار ما يعرف بدبلوماسية الموانئ، وقد حاولت استثمار بعض الموانئ السودانية لكن المشروع فشل لأسباب سياسية”.

واشارت إلى أن “المشروع الصيني يعتبره البعض مهدّدا للتوازنات الدولية خاصة أن الصين أصبحت تربطها علاقات مع دول القرن الإفريقي ، وهناك تفاعلات سلبية مع أطراف إقليمية في محاولة تقزيم الفاعلية الصينية في البحر الأحمر.. ولاحظت أن الأمر السلبي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في فترة رئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب هو تراجعها عن التمركز والتأثير في المنطقة خاصة مع الخطاب العنصري الذي بثه ترامب والذي يجعل الدول تتراجع عن التفاعل مع الوجود الأمريكي وإدارتها مع الدول الإفريقية”.

وبخصوص سؤال المركز حول الحضور العسكري المكثّف لعديد الدول الأجنبية في البحر الأحمر ومدى خطورته على أمن القارة ، أشارت الدكتورة أماني الطويل إلى أن هذا الإمتداد العسكري يمثل عائقا كبيرا أمام قدرة دول القرن الإفريقي والدول المطلّة على البحر الأحمر في إدارة علاقاتها بشكل يلبي مصالحها أكثر من مصالح الدول الأخرى .
كما عبّرت الطويل عن التنوع الذي وصفته بـ” المرعب ” لهذه القواعد العسكرية، مشيرة إلى وجود قواعد أمريكية ، صينية ، فرنسية ، خليجية ، يابانية ، سنغافورية ، وهذا من شأنه أن يرفع من وزن التهديدات العالمية ضد دول القرن الإفريقي والدول المطلة على البحر الأحمر، حسب تعبيرها.

ولفتت الدكتورة الطويل إلى إمكانية حصول تصادم عسكري بشكل أو بآخر أو صراعات محدودة ، بالإضافة إلى تحجيم قدرة هذه الدول في التعامل مع مصالحها الإستراتيجية في هذه المناطق.


وتطرّقت إلى طبيعة التدخلات الدولية والأطراف الداعمة ما جعل المنطقة منطقة ” حرب بالوكالة ” من منصات إقليمية وهو ما يؤثر على الأمن الإفريقي الشامل وخصوصا أمن منطقة الساحل الإفريقي والقرن الإفريقي .

وبخصوص أهداف الوجود الإسرائيلي في البحر الأحمر ، قالت إن الإستراتيجيات الإسرئيلية ظهرت في فترة ما قبل بناء الدولة عام 1955 حيث كانت تستهدف دول التخوم وتسعى إلى شد الأطراف من داخلها ، كما كانت تتحالف مع الأقليات غير العربية على الأراضي العربية لكي تخترقها ، مضيفة أن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد أساسا على دول القرن الإفريقي .

وفيما يخصّ سؤال حول التغلغل القطري في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر وعلاقاته بمحاصرة مصر وانتشار الإرهاب في المنطقة، ردّت الطويل بأن الوجود الخليجي في القرن الإفريقي ارتبط بالدور التبشيري والخيري ثم تحول إلى دور اقتصادي واستثماري كما ارتبط بعامل الأمن الغذائي وزراعة أراضي واسعة في دول القرن الإفريقي لصالح الدول الخليجية، ولم يتم الإنتباه خليجيا إلى المصالح المصرية في دول حوض النيل ، بحيث تم التصور أن ذلك لن يؤثر على مصر ولم يتم اختيار مناطق الزراعة بدقة غير أنه لم يقع التفاهم بين الطرفين من الأساس .


وبخصوص العلاقة بين المنظومة الحكومية السابقة لفترة حكم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي والحديث عن تراجع الدور المصري في إفريقيا ، أفادت المتحدّثة بأن العديد من المعطيات المستجدة أثرت على الدور المصري في المنطقة، أهمها تغير التوازانات الإقليمية بالإضافة إلى التحاق الكثير من الدول التي مثلت مركزا في العالم العربي في الشرق أو الغرب أو الوسط على المستوى الثقافي والسياسي

.ومثل وجود النفط والغاز في المنطقة العربية سببا هاما أثر على مستوى المعادلات والتفاعلات الإقليمية ، بمعنى ساهمت الثروات في ظهور أطراف قوية وأطراف مُستضعفة ، كما تحدثت عن تدخل الطرف الخارجي للإستفادة من هذا الموارد الطاقية والتحالف مع الدول المنتجة للنفط مقابل دول الأخرى ، مؤكدة أن كل هذه العوامل هي التي ساهمت في تراجع المنظومة القومية العربية وإفشالها ، سيما أن هذه التحديات واجهتها مصر ولازالت تواجهها وقد اتجهت سياستها نحو التفاعل مع الشركاء الجدد مع الحفاظ على عناصر أمنها القومي .


من جهة اخرى ، تطرق الحديث إلى مدى إمكانية إثارة ملف المثلث المطل على البحر الأحمر من جديد بعد تفرغ النظام السوداني الحالي من مشكلة الحدود حول منطقة الفشقة مع خصمها الإثيوبي ، وتحدثت الدكتورة أماني الطويل عن إمكانية حصول تفاهمات مصرية سودانية فيما يتعلق بملف حلايب و شلاتين حتى لا يكون من العناصر المؤثرة بشكل سلبي على العلاقات المصرية- السودانية ، وسيتم التفاعل ايجابيا في هذا الملف لأنه أصبح ضاغطا على العلاقة بين الدولتين اللتين لا ترغبان في الإنزلاق بالعلاقات إلى مكامن الخطر .

وفي سياق أخر متعلق بالتحالفات الإقليمية وأثر المصالحة الخليجية على أمن المنطقة والبحر الأحمر ، ذكرت الطويل أن المصالحة الخليجية هي تطور إيجابي سوف ينعكس على وزن جماعة “الإخوان المسلمين” في المنطقة ، وقد تحصل ضغوطات على دولة قطر فيما يخص هذا الملف.

وفي سؤالنا عن إمكانية أن تؤدي التوترات الكبرى بين الطرفين الإثيوبي والسوداني إلى حرب،أشارت الدكتورة أماني الطويل في هذا السياق إلى أنه من الجانب السوداني هناك إمكانية للتصعيد لأن هناك نخبة عسكرية ربما تجد في الحرب مخرجا لزيادة وزنها في المعادلة السياسية ، و بالتالي هناك أسباب لتصاعد التوتر برغم وجود قوى داخلية تحاول كبح فرص الصراع المفتوح لكن تظل فرضية الحرب واردة.

وأكدت أن التفاعل بين مختلف الأطراف إيجابيا يؤدي حتما إلى حل النزاعات بين إثيوبيا و السودان .