إفريقيا-24-12-2020
يناقش كتاب “مستقبل التطرف في إفريقيا: إرهاب الملاذات الآمنة”، الصادر عن مركز المسبار، توسع نشاط تنظيمات إرهابية بارزة مثل بوكو حرام (نيجيريا) والشباب المجاهدين (موزمبيق)، وغيرهما من جماعات نشأت من جذور محليّة، ثم تمددت إقليمياً وعالمياً، وتنازعها الولاء بين”داعش” و”القاعدة” خصوصاً بعد تحول إفريقيا بفعل الفراغ الأمني فيها إلى ملاذ آمن للمتشددين الهاربين من المعارك في سوريا والعراق..
شكّل تحول الولاء بين التنظيمين ظاهرة جديدة إذ صار تنظيم”داعش” علامة تجارية بلجأ إليها التنظيم المحلي
الأضعف، لمنافسة التنظيم الأقوى المنتمي –غالباً- إلى القاعدة، في كل دولة إفريقية يحدث فيها هذا الصراع، فمرّت العلاقة بين التنظيمات المحلية بمرحلة معقدة تتأثر بوضعها الخارجي، من حيث العلاقة مع داعش، أو القاعدة.
بدأ الكتاب بدراسة عوامل صعود التطرف العنيف والإسلاموية في إفريقيا عموما، ثم تطرق إلى تفسيرات ترتبط بنظرية توافر الحواضن الآمنة في دول إفريقية عديدة، فرّ إليها عناصر تنظيم “داعش” عقب سقوط دولته المزعومة في الموصل العراقية والرقة السورية ولاحقاً درنة الليبية، وشرح الأسباب الدافعة نحو اهتمام التنظيم الإرهابي بالقارة ونشاط الفروع والولايات التابعة له داخلها، وبحثت الدراسات سيرة هذا الصراع، والتحالف بين وكلاء التنظيم والقاعدة، وتأثير ذلك في بروز قيادات بعينها تنافس الزعامات الإرهابية القديمة، وما تمثله من تحولات ذات مدلول قبائلي وازن.
ساد تصورٌ مفاده أن تراجع قوّة “داعش” سيؤدي إلى فتور الإرهاب، بيد أنّ التقييم للتهديد الإرهابي في القارة الإفريقية، يؤشر إلى صعودٍ جديد للتنظيمات الإرهابية، بعد ملاحظة نشوء تيارات محليّة مدرّبة، توظف أجندة تنظيمي القاعدة وداعش -على حد سواء- لتحطيم الدولة ومؤسساتها.
تتداخل عوامل إثنية واجتماعية ودينية وسياسية تعقِّد فهم الظاهرة الإرهابية، وتعدد الولاءات فيها، وصِلَتها بمسألة الدولة في إفريقيا، ما يجعل دراسة السياقات المحلية وجذورها الممتدة إلى ما قبل عصر الدولة الحديثة مهماً، مع استصحاب سيرة التنظيمات في فضائها الداخلي، واعتبار العوامل الخارجية المشكلة لها، وظروف التدافع أو التجاذب الداعشي/ القاعدي.
تواجه إفريقيا تهديدات أمنية كبيرة بأثر من صعود التطرف الإسلاموي، أسهم –إلى حد كبير- في زعزعة استقرارها. قد سعت دراسات كثيرة إلى تحليل هذا العنف الحركي الذي يستفيد من هشاشة الدولة وضعف مؤسساتها الأمنية، إلى جانب حرصه على المشاركة في الصراع الإقليمي على موارد القارة. ولم تغفل الدراسات جذور التطرف الأيديولوجي الإسلاموي، المتمثلة في الأدبيات الإخوانية التي غزت وسط وجنوب إفريقيا منذ ستينيات القرن الماضي، فناقشت هذه المؤشرات ودلالتها، وسعت إلى فهم الكيفية التي تتعامل بها الدول ذات النفوذ التاريخي الإستعماري معها.
غطى الكتاب سبل واستراتيجيات التعاون الإقليمي والدولي مع الدول الإفريقية في مكافحة الإرهاب، بدايةً من جهود الإتحاد الإفريقي، وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، والولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي وروسيا وصولاً إلى الصين،.
وتقوم الدراسات على فرضية أساسية تشير إلى استعادة الإرهاب لقوته في عدد من الدول الإفريقية، وهي فرضية تأتي على نقيض ما ذهبت إليه التحليلات السياسية التي توهّمت أنّ تفكك تنظيم”داعش” المرحلي يحتم ضعفه وأفوله،غير أن الوقائع والأحداث في هذا الكتاب تقود إلى الضد، إذ شكلت مناطق في إفريقيا ملاذات آمنة لعناصر التنظيم، دخلت في تحالفات مع تنظيمات متطرفة محلية، ربما تشكل مستقبلاً أيديولوجيا أشد تطرفا، وتوفر انفتاحا معرفيا شعبويا متأهبا لتقبل خطابات المظلومية والأدلجة، التي تزعم حلاً لمعضلة التهميش وعلاجاً لواقع فشل الحكومات الإفريقية، بسبب التقاطعات بين الإثنيات والدين والسياسة والإقتصاد، وكذلك الصراع المحموم على الموارد الطبيعية.