الخميس. ديسمبر 19th, 2024

الرباط-المغرب-22-12-2020


استدعت وزارة الخارجية الإسبانية، سفيرة المغرب في مدريد، كريمة بن يعيش، على خلفية تصريحات رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بشأن مغربية مدينتي سبتة ومليلية الواقعتين شمال المغرب وتخضعان لسيطرة إسبانيا.
وذكر بيان لوزارة الخارجية الإسبانية، أنه تم استدعاء سفيرة المغرب في إسبانيا، على وجه السرعة لتقديم إيضاحات حول تصريحات رئيس الحكومة.

وأضاف البيان، أن وزيرة الخارجية كريستينا غالاش، أبلغت السفيرة المغربية أن “إسبانيا تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي بلدنا وطلبت منها توضيحات بشأن تصريحات رئيس وزراء المغرب سعد الدين العثماني تتعلق بمدينتي سبتة ومليلية”.

وكان العثماني قد أكد في حوار مع قناة “الشرق” أن “الجمود هو سيد الموقف حاليا بخصوص ملف المدينتين المحتلتين”.

وأوضح، أن المغرب “ربما سيفتح الملف في يوم ما، ويجب أولا أن ننهي قضية الصحراء، فهي الأولوية الآن، وقضية سبتة ومليلية سيأتي زمانها”، وتابع، “كلها أراضي مغربية والمغرب يتمسك بهما كتمسكه بالصحراء”.

وأثارت تصريحات العثماني بخصوص عزم المغرب فتح نقاش حول مدينتي سبتة ومليلية بعد نزاع الصحراء غضب جارته الشمالية إسبانيا التي سبق أن استعمرت أجزاء من شمال وجنوب المغرب، بينما سيطرت فرنسا على الوسط.

وتعتبر مدينتا سبتة ومليلية إحدى مخلفات المجابهة بين العالم الإسلامي وأوروبا خلال فترة الحروب الصليبية في القرن الخامس عشر، والتي كان البحر المتوسط مسرحا لها، فقد ارتبط مصير المدينتين منذ وقت طويل بالمضيق البحري العام الذي يربط المتوسط بالمحيط الأطلسي. وقد دفعت مدينة سبتة طوال تلك المواجهة ثمن موقعها الجغرافي الإستراتيجي الذي جعلها منفذ الأوروبيين لإحكام السيطرة على أراضي شمال إفريقيا،وبخاصة إسبانيا انتقاما من الوجود العربي بها طيلة قرون، وجاء الإحتلال بعد ثلاث سنوات من سقوط الأندلس في عام 1492.

وتعود بداية سقوط المدينتين تحت الإحتلال القشتالي الإسباني إلى تضعضع إمارة بني الأحمر في غرناطة في القرن الخامس عشر الميلادي، فانتهز زعماء قشتالة والبرتغال الفرصة للقضاء على الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، فيما سمي بحروب الإسترداد، وكانت غرناطة آخر القلاع التي سقطت عام 1492..

بدأت محاولات الإستعمار الإسباني لشمال إفريقيا الإسباني،تنفيذا لتوصيات الملكة إيزابيلا،التي نادت بـ “ضرورة نقل خطر هؤلاء الأوغاد إلى ديارهم”،ومن تحويل غرب الوطن العربي إلى النصرانية عملا بوصية إزابيلا، ورفع علم الصليب المسيحي بدلا من أعلام الهلال الإسلامي.. 

فبدأت قشتالة باحتلال سبتة ومليلية بالمغرب،مرورا ببجاية وعديد المواقع بالجزائر ثم تونس قرقنة وجربة وصولا إلى طرابلس في عام 1510،إلا أنها اجهت مقاومة عنيفة في كل هذه البلدان لم تتمكن بسببها من الإستقرار.
تتموقع مدينة سبتة في المغرب، في أقصى شمال غرب إفريقيا، وهي مجاورة لإقليم الريف في المملكة المغربية، ومنها تبدأ سلسلة أطلس الريف التي تمتد قرب ساحل البحر المتوسط على شكل قوس.

وتشغل مدينة سبتة جيباً من ساحل المملكة المغربية تقدر مساحته بنحو 20 كم² عند مدخل البحر المتوسط على مضيق جبل طارق الذي تبعد عنه نحو 26 كم جنوبا، لتكون بذلك أقرب ميناء إفريقي إلى أوروبا.
وكانت مدينة سبتة تحت سيطرة القرطاجيين في القرن الرابع قبل الميلاد، ثم ضمتها الإمبراطورية الرومانية في عهد كاليغولا سنة 40 قبل الميلاد.

وفي عام 429 سقطت المدينة تحت هيمنة قبائل الوندال، وبعد قرن ونيف عادت المدينة إلى نفوذ الإمبراطورية الرومانية الشرقية، قبل أن تسقط مرة أخرى فريسة لهجوم القوط، ثم بدأ العصر العربي الإسلامي لسبتة مع تأسيس الدولة الأموية في الأندلس حيث دانت لحكم عبد الرحمن الناصر سنة 931.

في عصور ملوك الطوائف، تعاقبت عليها حملات قوى عديدة من بلاد المغرب، فقد دخلها يوسف بن تاشفين المرابطي عام 1084، ثم وقعت تحت سيطرة الدولة الموحدية عام 1147..

أما مليلية فتقع هي الأخرى قبالة الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة الإيبيرية، قبالة سواحل غرناطة وألمرية، تحيط بها الأراضي الريفية المغربية من كل الأطراف، وتبلغ مساحتها حوالي 12,3 كم².

لقد حاول المغاربة في القرون التالية لاحتلال المدينتين استعادتهما من قبضة الإسبان، وكانت أبرز هذه المحاولات بقيادة المولى إسماعيل في القرن السادس عشر الميلادي، حيث حوصرت مدينة سبتة لفترة طويلة، كما حاول المولى محمد بن عبد الله عام 1774 محاصرة مدينة مليلية، دون أن يتمكن هو الآخر من تحريرها.
وهكذا تواصل الكر والفر بين محاولات الإسترجاع المغربية وعمليات إحكام السيطرة الإسبانية التي تعززت أكثر منذ القرن الثامن عشر، وتوطدت مع الحماية الإسبانية على شمال المغرب.

وبرغم ذلك تواصلت المحاولات بشراسة في القرن العشرين من خلال مقاومة أبناء الريف المغربي للإحتلال الإسباني، وتقول بعض المصادر التاريخية إن الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي قائد ثورة الريف، كان في وضع عسكري وميداني يسمح له بدخول مدينة مليلية وتحريرها من الإسبان، واعتبر البعض إحجامه عن ذلك خطأ استراتيجيا.
وترفض المملكة المغربية حالياً الإعتراف بشرعية الحكم الإسباني على مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وتعتبرها جزءً لا يتجزأ من التراب المغربي، حيث يتمتع سكانها من أصل مغربي بحقوق كاملة داخل المغرب كمواطنين مغاربة، ويطالب المغرب إسبانيا بالدخول في مفاوضات مباشرة معها لأجل استرجاعهما، كما تعتبرهما إحدى أواخر معاقل الإستعمار في إفريقيا.