تونس-تونس :21-12-2020
شهدت العاصمة الصومالية مقديشو هذا العام تفجيرات دامية في انعكاسٍ للتردي الأمني في البلاد عموماً في هذه المرحلة الحساسة، ويرى خبراء إن التفجيرات الأخيرة التي ضربت مقديشو، هي تحذير مبكر من انهيار المنظومة الأمنية التي أعادت الهدوء والاستقرار إلى العاصمة بعد سنوات من الفوضى الأمنية.
ويعتبر مراقبون إن التصعيد الأمني الخطير في مقديشو ، يرجع لخلافات حادة تعصف بالبلاد، على خلفية قرب موعد الانتخابات الرئاسية (فبراير) وعدم نجاح المشاورات السياسية للاتفاق على نموذج انتخابي في البلاد، ويلفت هؤلاء إلى إن الإطاحة بالحكومة الفيدرالية التي كانت تتولى الملف الأمني، خلط الأوراق، وكشف عن ترهل المنظومة الأمنية، إلى جانب انشغال المسؤولين الصوماليين بالأزمة السياسية.
وتمرّ البلاد حاليا بمنعطف سياسي خطير نتيجة قرب موعد الانتخابات، إلى جانب عدم وضوح الرؤية السياسية المتفق عليها بين الأطراف الصومالية بخصوص النظام الانتخابي الذي ستعتمد عليه البلاد.
وفي هذا الإطار، أجرت صحيفة “أفريكا باور” حوارا مع الباحث في الشأن الإفريقي الدكتور ابو بكر سرحان، حيث تحدث عن الأوضاع السياسية العامة بالبلاد خلال هذه الآونة التي تسبق فترة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية .
ووصف أبو بكر سرحان المشهد السياسي بالصومال بالخطير، مشيرا الى جملة الإجراءات التي تتخذها الإدارة الصومالية للتحضيرللانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية .
القراءات السياسية للوضع في الصومال في خضم التحضير للانتخابات
وقال الباحث إنّ الحديث عن الحراك السياسي في الصومال اليوم هو ليس بالشيء الجديد ، فقد عايشت البلاد مجموعة من الحركات السياسية وكذلك الحركات المسلّحة التي تمت مواكبتها من قبل منذ حصول الصومال على استقلاله عن الاحتلال البريطاني والايطالي عام 1960 .
وإعتبر ابو سرحان أن الموضوع شائك وسط ترقبات عالمية، نظرا لارتباطه بموقع الصومال الذي يعتبر موقعا استراتيجيا في التجارة العالمية، فمنذ القدم وبالعودة إلى النصوص المصرية القديمة نجد عديد الرحلات لملوك مصريين حيث كانت بوابة إفريقيا الشرقية على الشرق بأسرهم من ذلك الهند وتجارة المحيط الهادي، وهي أحد أعمدة بوابة المحيط الهندي على جنوبي البحر الأحمر، من هنا شهدت المنطقة اهتماما كبيرا سياسيا واقتصاديا.
اما على الجانب السياسي، فقد اضطلع الصومال بمهمة تأمين شرق إفريقيا نظرا لأهمية التجارة الموجودة بالمنطقة، فموقعها الاستراتيجي هو الذي يتحكم في التجارة ، فإذا لم تكن هذه المنطقة آمنة فلن تصبّ في مصلحة دول العالم ، لكن ما تعرفه البلاد من عدم استقرار لأسباب محلية ودولية يهدد مكانتها الإستراتيجية.
كما تحدّث الباحث عن أحقية حكم أبناء الصومال وشعبها بعد الاستقلال، فقبل خروج الاحتلال، كان هناك ترسيم للحدود وعند مشاهدة خريطة الصومال يستشف أن الترسيم الذي يشاهد يفرض تحديات محلية جمَة.
ويتابع،”هذا الترسيم الحدودي الذي رأيناه يبرزالقوة الكبيرة لدولة محلية خطت بثبات لتكون دولة حديثة وهي “اثيوبيا”، كما فرض الترسيم عديد المشكلات والمثال على ذلك كينيا، كما تتهم أثيوبيا الصومال بدعم الحركات الانفصالية، إضافة إلى المنافسة الدولية للهيمنة سواء بالتدخل العسكري في الشرق والغرب أو التدخل الاقتصادي مثل الصين أوهيمنة القوى المحلية من أجل تأمين البحر الأحمر”.
ويضيف،”الصومال اليوم يتحضر لإجراء الانتخابات والانتخابات الرئاسية ، وهي المحرّك الأساسي لتزايد التحركات السياسية والهدف منها نيل الفوز بالانتخابات.
وأردف الباحث ‘أن الحراك السياسي هو نتاج للإدارة الموجودة والشعب والأحزاب السياسية التي يجب أن تتفق فيما بينها لرسم المسار السياسي القادم ولملامح الشخصية الرئاسية، فكلما اقتربت الانتخابات ازدادت التحالفات السياسية والكل يسعى لتحقيق الفوز بالانتخابات سواء كانت حركات سياسية أو عسكرية تتحرك تبعا لقوى سياسية محلية أولفائدة قوة دولية خارجية ‘.
نظام فيدرالي و أقاليم ذات دور هام
ولفت الباحث إلى أن الصومال يتبنّى الحكم الفيدرالي نظاما له، والذي يقسّم البلاد إلى مناطق إقليمية ذات سيادة ذاتية :
* بونتلاند:وهي أول ولاية صومالية، تأسست سنة 1998 ولها عدد من المقاعد في العملية الانتخابية بالصومال، لما لها من تأثيرات كبيرة على المسار السياسي في البلاد، كما لها القدرة على العمل في الشارع من خلال تكبير القواعد الانتخابية وجذب المكونات السياسية لها، كما تتبنى فكرة الفيدرالية حيث لعبت دورا محوريا في صياغة الدستور الصومالي المؤقت.
* جوبالاند:يترأسها أحمد إسلام وهي تختلف مع الحكومة الفيدرالية في كثير من السياسات العامة، والولاية تتبنّى فكرة الانتخابات غير المباشرة ويعرف رئيسها بالمرونة السياسية.
*إقليم جنوب غرب الصومال: من الولايات ذات الكثافة السكانية والعمارة الاقتصادية الكبيرة ، إضافة إلى العامل الزراعي والصناعي و البحري، وتتميز كونها أكبر رقعة من الأراضي الخصبة في الصومال، وتعدّ من الولايات التابعة للحكومة الفيدرالية، إلا أنه لا صداقة في السياسة إذ انه يشهد وجود محركات علنية ومحركات خفية في الساحة السياسية الصومالية، فكل الأطراف السياسية تسعى للسيطرة على الإقليم إذ يؤكّد البعض أن زيارة رئيس الوزراء للولاية تأتي في إطار الاطمئنان لبقاء ولاء الاقليم الذي يمتلك 77 مقعدا في البرلمان .
*غلمدج:رغم الغموض الذي يدور حول قائدها “أحمد باقور”، و ظهوره في الحكومة الفيدرالية وقوى المعارضة، ويتبنى سياسة محايدة ويسعى للتوفيق بين الحكومة الفيدرالية و قوى المعارضة و يركز سعيه نحوالتوفيق بين وجهات النظر المتعارضة .
*هرشبيل:التحركات تعكس مدى بسط سيطرة الحكومة الفيدرالية على الإقليم،وعلى الرغم من فوز مرشحها عبد الحاكم لقمان، غير أن الصراعات مازالت متواصلة في محاولات مستمرة من المعارضة للسيطرة على الإقليم.
وكل الأقاليم آنفة الذكر لها دور مهم في الانتخابات القادمة، ممّا جعلها محط اهتمام الحكومة الفدرالية و القوى المعارضة على حد سواء.
وحسب الباحث، فإذا صارت الانتخابات كما هو معلن عنه يمكن الحديث عن انتخابات حقيقية ستخطو بها الصومال خطوة الى الامام نحو الديمقراطية ويتجلى ذلك في الاجتماع الأخير لمجلس اتحاد المرشحين الرئاسيين في العاصمة مقديشيو .
وتحدّث أبو بكر على ملامح الحكم بالصومال ووصفه بحكم الصوت الواحد، الحكم الذاتي في الاتحاد الفيدرالي الصومالي سيكون لهذه الولايات من خلال صوتها البارز سياسيا وذو فعالية في الانتخابات، إذن هم ينتقلون إلى حكم فيدرالي حقيقي ليس الهدف منه الوصول إلى مناصب بل لمنع الانقلابات ويجب وضع إجراءات يلتزم بها من يحكم كما يجب أن يحكم وفق رؤى سياسية توافقية تصب في مصلحة البلاد.
وأشار إلى ان الاتفاقية الأخيرة حول الانتخابات، التي وقّع عليها المجلس الاستشاري في 17 سبتمبر 2020، وصادق عليها البرلمان بعد التعديلات وضعت حدا للخلاف السياسي، ورسمت ملامح الانتخابات المرتقبة و الشكل السياسي الجديد، و ساهمت في إيقاف النزيف السياسي حيث كانت الأطياف السياسية مؤيدة لإجراء انتخابات الصوت الواحد، ولكن الظروف الحالية غير مناسبة لإجراء انتخابات صوت واحد لشخص واحد .
علما و ان الصومال قد عاش منذ نحو ثلاثة عقود حرب أهلية وعصابات بين مليشيات مسلحة قبلية وبين مسلحين من التيارات السلفية، ما دفع إثيوبيا عام 2006 إلى التدخل عسكرياً والإطاحة بالمسلحين، ومنذ ذلك الحين تقاتل “حركة الشباب” الحكومة الصومالية. كما أن غياب الاستقرار السياسي في البلاد حالياً ولا سيما في ظل الخلاف حول تحديد نظام للانتخابات، ورفض المعارضة السياسية إمكانية إجراء انتخابات مباشرة وفقاً لرغبة الرئاسة الصومالية، ألقت تأثيراتها السلبية على الوضع الأمني الهش في مقديشو.
الوضع متغير و لا يحتمل وحدوية بل صوت ديمقراطي مشترك
وتتعارض الآراء و التوجهات بخصوص طبيعة الانتخابات المزمع عقدها بين كل من الحكومة والمعارضة بين انتخابات صوت واحد و انتخابات غير مباشرة، و أشار الباحث إلى الاتفاق الذي أفضى إلى إجراء انتخابات غير مباشرة مع توسيع لدائرة المشاركين فيها و تحديد للموعد الذي تنطلق فيه الانتخابات.
حيث صدر عن المؤتمر بيان ختامي خاص بالانتخابات ،و تمحورت الاتفاقات حول:
-حلّ اللّجان الانتخابية الموجودة على المستويين الإقليمي والفيدرالي بسبب عدم استيفائها للشروط اللازمة، وتشكيل لجان انتخابية تتفق عليها جميع الأطراف: الحكومة الفيدرالية، الأحزاب، السلطات الإقليمية، مجلس اتحاد المرشحين الرئاسيين، وهو ماعبّرعنه أبو بكر أنّها السبيل الأوحد لحلّ الأزمة لأنه إذا ضمّ جميع الطوائف و الأطراف في الصومال تستطيع ان تتوج الانتخابات بالنجاح.
كما أكّد البيان على أحقية عبد الله حاشي رئيس مجلس الشيوخ الحالي في تعيين ممثلي أرض الصومال في اللجان الانتخابية، وحلّ الخلافات على المستويين الفيدرالي والإقليمي لاعتباره اكبر تمثيل لمؤسسات الدولة .
كما أقر البيان بإجراء الانتخابات المتعلقة بمقاعد أرض الصومال في قاعدة افسون(القاعدة الجوية للقوات الوطنية الصومالية)، بحضور مراقبين دوليين خوفا من أي انتهاك للانتخابات.
وشدّد البيان على ضرورة تعيين ممثلي القبائل البندارية للجان الانتخابية للعشائر مع الدعوة إلى إجراء انتخابات للمقاعد البرلمانية المخصصة للعشائر البندارية في قاعدة افسون، كما حثّ رؤساء الولايات الإقليمية على الوقوف على مسافة واحدة من المرشحين دون الانحياز إلى أي احد و تفادي إجراء انتخابات غير توافقية.
و قد أكد الباحث أبو بكر أنه ان وقع الالتزام بالاتفاقات فستسير الأمورو الأوضاع السياسية بشكل ناجح، أما إذا أدت الانتخابات الى فوز فرماغو من خلال الدعم القطري فإن الانتخابات ستؤدي الى الفوضى والعنف و الاختطاف و يجب أن يكون هناك تدخل سريع من المعارضة.
ويقول محدثنا، “فقطر لها خطة عمل محكمة، تتمثّل في تقديم المساعدة الحكومات خاصة المساعدات المالية والاقتصادية والخيرية، وذلك من خلال تدخّل سعيد حمدي سفير الدوحة الذي عقد لقاء مع القيادات الصومالية بدعم من الرئيس فرماغو المعروف بانتمائه إلى قطر و تركيا”.
الرهان يتوقف على كشف المؤامرات
وتحدث أبو بكر سرحان عن دعوة المرشحين لرئيس جهاز المخابرات والأمن القومي فهد ياسين إلى الاستقالة في سبيل تحقيق حيادية هذا الجهاز، إذ يعتبره البعض رئيس الحملة الانتخابية للرئيس الحالي حيث يوجد بند في الاتفاق يقتضي تأمين الجيش والمخابرات للانتخابات الرئاسية لكن الضرورة تقتضي استقالة ياسين، لاعتبار ان حيادية الجهاز المخابراتي تقصي أية مساع لتعطيل المسار الانتخابي و تضمن عدم الوقوع في فخ المؤامرات التي من شأنها أن تضعف الانتخابات.
الانتخابات و التوازن السياسي منوط بإنهاء الخلافات في الصومال
أقرّ أبو بكر سرحان بأن نجاح الصومال في المسار الانتخابي مرتبط ارتباطا وثيقا بإنهاء كل أشكال الصراع و خلق فضاء سياسي متوازن، فمن الممكن تأثر المساعي الصومالية إذا لم يتم تنفيذ المبادئ المتفق عليها، غير انه إلى الآن لا يوجد ثقة في الحكومة، فالمعارضة تسعى إلى ضمان انتخابات رئاسية نزيهة فإذا فاز فرماغو فهذا دليل على وجود لعبة سياسية جديدة في الصومال .
وأشار الباحث إلى دور ثنائي الشر قطر وتركيا من البداية لمحاولة مدّ اذرعهما في البحر الأحمر، و سبق أن فشلت تركيا في ذلك عند سقوط نظام البشير في السودان، أما قطر فكان لها دور كبير في مخاطبة زعماء العشائر و دور هام لحساب فرماغو التي تدعمه اقتصاديا و كذلك فوز غدلاوي كان بدعم قطري الذي احدث تغييرا كبيرا في إدارة الصومال .
انتعاش سوق السلاح بالصومال و الرؤى الدولية لإيقاف تمدد حركة الإرهاب
وتطرّق الباحث إلى حجز قوات الجيش الصومالي كميات كبيرة من السلاح والتي تتسرب إلى داخل البلاد قبيل الانتخابات البرلمانية و الرئاسية، ففي ولاية بوتلاند هناك العديد من مخازن السلاح غير الشرعية ،و هناك دول لها مصالح كقطر التي عرفت بدعمها لفهد ياسين و الذي سبق و اتهمه الرئيس السابق بالقيام بألعاب سياسية طيلة فترة حكمه و نبهه من إعادة مثل تلك الألعاب مستقبلا في الصومال .
وانتعشت السوق السوداء للسلاح غير المشروع بالعاصمة الصومالية مقديشو، وارتفعت الأسعار تحسبا لأعمال عنف تعقب الانتخابات العامة.
ويخشى الجميع زيادة الطلب المحلي بسبب محاولات تزويرها من قبل الرئيس الصومالي عبدالله فرماجو، وتوقف تدفق السلاح غير المشروع على البلاد الذي كان يستورده التجار عبر اليمن.
ونشر موقع “هورن أوبزرفر” الصومالي ، تقريرا جديدا بهذا الشأن، والتقى معدو التقرير تجار الأسلحة غير المشروعة وسماسرته في السوق السوداء بمقديشو، إضافة إلى محللين أمنيين للوقوف على خطورة الأمر على الاستقرار ودوافع ذلك.
كما يشير العديد من الخبراء إلى أن المجموعات النشطة بالبلاد لها تمويلات هامة تمكنها من شراء الأسلحة و تجنيد الإرهابيين و هي غالبا متأتية من أطراف دولية أجنبية لذلك نجد مبادرة أممية لفرض عقوبات على الممولين للإرهاب في الصومال و تدعيم قدرات الجيش الوطني الصومالي .
النظام العشائري هو المسؤول
ويرى أبو بكر أن عيوب النظام العشائري أكثر من محاسنه، فهناك العديد من التقارير تفيد أن العشائر تمتلك اغلب الأسلحة، كما يقوم العديد من القيادات في العشائر بتسليح أنفسهم قبل الدخول إلى الانتخابات الذي هو مرتبط بالقبلية .
والنظام العشائري يمكن أن يكون حلا كما يمكن أن يكون سبب أزمة، ففي أقصى فرماغو بعض القيادات قامت المعارضة بحشد عشائرها للتدخل إذا اقتضى الأمر و هي عشائر مسلحة ، متسائلا ،”من سيسيطر عليها “؟
وأنهى أبو بكر سرحان حديثه بتحميل الإدارة الحالية بالصومال المسؤولية كاملة في خلق جو مشحون لأنها السبب في إدخال الأسلحة وخلق سوق سوداء لها وسط العشائرية المتوارثة و التي لها أن تلعب الدورين إما لصالح البلاد أو لضربها .
ومن جانب آخر يرى محللون، إن غياب التنسيق بين الشعب والأجهزة الأمنية من أسباب تردّي الوضع الأمني في مقديشو، كما أن تراجع المعنويات النفسية لعناصر الشرطة نتيجة الخلافات السياسية من بين جملة الأسباب التي تهدد أمن البلاد.
فإن الصومال يعاني من تفكك أمني منذ سنوات، نتيجة عدم بناء الجيش بشكل فعلي، وعدم تأهيل أجهزة الشرطة الصومالية بشكل يخدم حماية أمن مقديشو، هذا فضلا عن تدني الأجور لدى أفراد وعناصر الشرطة المحلية، مما قد يعرقل جهود المجتمع الدولي والمحلي لفرض استقرار أمني في البلاد، ومكافحة حركة “الشباب” التي تنفذ وعيدها بين الحين والآخر ضد مقار حكومية وشعبية.