إفريقيا-11-12-2020
عندما تراجع تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان في السنوات الأخيرة، تحدث عديد المراقبين عن إمكانية انتقال الإرهاب إلى مناطق أخرى في العالم ومن أبرزها إفريقيا، ومع عودة فصائل القاعدة وظهورها في دول أفريقيا خاصة في الصومال ومالي ونيجيريا، فضلاً عن شمال أفريقيا، أشار المختصون إلى أن أفريقيا سوف تصبح مستقبلاً “أرض الجيل الثالث لتنظيم القاعدة” بحيث تكون “أفغانستان جديدة”.
ويرى مراقبون إنّ الشبكات الجهادية تمتد من أقصى الساحل الأفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل الأفريقي في الشرق، حيث انتشار التنظيمات الجهادية في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي، والتي كانت أولى المناطق التي شهدت تدخلات خارجية ودولية لمكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية.
ويتغلغل في قارة أفريقيا خمس مجموعات إرهابية مسلحة شديدة الخطورة، ولديها صلات بتنظيم القاعدة، ألا وهي “بوكو حرام” في نيجيريا، و”القاعدة في المغرب الإسلامي” شمال الصحراء الكبرى، وحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، وحركة “أنصار الدين” السلفية الجهادية في مالي، وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب أفريقيا.
ويلفت إلى إن البيئة في إفريقيا صالحة لاستمرار وتصاعد وتوغل الحركات الإرهابية، سيما أن “التدخلات الغربية ما هي إلا ادعاءات غير حقيقية، فالغرب يعمل لمصالحة التي قد ترتبط باستمرار الإرهاب في المنطقة لضمان استمرار سيطرته على المصادر الأفريقية”.
وفي هذا الإطار صدر في نوفمبر 2020، النسخة الثامنة من تقرير “مؤشر الإرهاب العالمي، الذي يُصدره “معهد الاقتصاد والسلام استنادًا إلى مصادر مختلفة، الذي حذّر من تزايد الاعمال الإرهابية في إفريقيا، حيث أصبحت منطقة الساحل التي تنتشر فيها مجموعات متطرفة مسلحة متشعبة مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة من أكثر المناطق عرضة للإرهاب.
وسجلت بوركينا فاسو التي تستهدفها المجموعات المسلحة الناشطة في المنطقة بكثرة، الرقم القياسي مع ارتفاع نسبته 590 بالمائة في عدد الضحايا، فضلا عن كل من مالي والنيجر المجاورتان لها تزايدا كبيرا في الوضع كما الحال في سريلانكا وموزمبيق.
وأفاد المؤشر في بيانه إن “إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى كانت الأكثر تضررا مع وجود سبع من أكثر عشر دول شهدت ارتفاعا في عدد الضحايا، في هذه المنطقة”.
وقد وقع في هذه المنطقة 41 بالمائة من القتلى الذين سقطوا في هجمات منسوبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العالم العام الماضي.
ويرى خبراء ان عام 2020 شهد تزايدا في عدد الهجمات الإرهابية وتمدد نشاطات القاعدة ومن ورائها داعش الارهابي وعجز القوى الكبرى ودول المنطقة عن الحد من اعتداءاتها، إلا أنه سجل في المقابل انتكاسة لتنظيم القاعدة الإرهابي.
وقد أشار المختصون لهذه الانتكاسة التي كانت نتيجة تكثيف القوى الكبرى ودول القارة السمراء منذ الأشهر الأولى لـ2020 من تحركاتها العملية لاحتواء الخطر الإرهابي المتنامي بالقارة ، عبر تشكيل قوات عسكرية مشتركة، لم تتمكن مع نهاية العام من تحجيم خطرها رغم الضربات الكبيرة التي وجهتها لها، خصوصاً لتنظيم القاعدة وداعش الإرهابيين، هذا إضافة إلى تشكيل 11 دولة أوروبية بقيادة فرنسا مع النيجر ومالي نهاية مارس الماضي قوة عسكرية مشتركة باسم “تاكوبا”.
ويرى الباحث المختص في الشؤون الإرهابية ، تميم علي، في حديث مع صحيفة” أفريكا –باور” ، إن التقدم العسكري في القارة السمراء في حد ذاته لن يضع حدا للإرهاب في أفريقيا، وقال إنه يجب العمل على جبهات عديدة، بما في ذلك معالجة الظروف التي تفضي إلى انتشار الإرهاب”، متابعا أن انعدام التنمية وغياب سيادة القانون يسمح للجماعات الإرهابية بتجنيد الأشخاص عبر المجتمعات وبناء صفوفها.
وأردف، ” “الروابط الانتهازية بين الجماعات الإرهابية والإجرامية العابرة للحدود الوطنية تضمن تدفقا مستمرا للمواطنين، والمال والأسلحة والبضائع غير المشروعة عبر الحدود، مما يتيح لمثل هذه المجموعات البقاء والانتشار”.
وفي نفس السياق ، كانت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن عام 2019، قد تطرّقت إلى أن العديد من الجماعات المتطرفة العنيفة في أفريقيا قد جذبت المجندات إلى صفوفها من خلال التغرير بهن عبر رسائل تدعو إلى تمكين المرأة وتحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي،داعية الى التصدّي لذلك، مشددة على انه إذا لم تتم معالجة هذه الأسباب الجذرية للتطرف العنيف، فإن خطر تجنيد النساء المستمر، بما في ذلك إعادة تجنيد الآلاف من العائدات، سيتواصل”.
ومن جانبها ، قالت الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الأمنية والعسكرية بتونس، في تصريح لافريكا باور، إن الفقر هو أرضية خصبة في إفريقيا لتمدّد الجماعات المتطرفة، إضافة إلى الجهل وكثرة الانقلابات العسكرية التي عصفت بهذه الدول منذ عقود.
ولفتت قعلول، إلى إن التدخلات الأجنبية وخاصة عن طريق الجمعيات الخيرية وبناء المساجد ونشر الفكر المتطرف، خاصة دور تركيا وقطر التي عملت على هذا الموضوع منذ 12018 إلى الآن وخاصة بعد الثورات العربية .
وقالت الباحثة التونسية، إن انعدام الاستقرار السياسي هو أبرز أسباب تمدّد التنظيمات المتشددة في إفريقيا، مشيرة إلى ازدياد عدد الإرهابيين بعد عودتهم من سوريا والعراق إلى ليبيا وإعادة نشرهم في إفريقيا والمبايعات الكبيرة التي حدثت بين القاعدة وداعش .
وتحدّثت قعلول عن نهاية تنظيم داعش الإرهابي في الشرق وسعيه بناء تنظيم جديد خاص بإفريقيا، يكون أكثر شراسة ودموية وهذا ما تعمل من اجله التنظيمات في إفريقيا خاصة و الغرب الإفريقي.
وأشارت بدرة قعلول، إلى الاتفاقية الأمنية التي وقّعت بين ليبيا ومنظمة الأمم المتحدة للخروج الآمن لعناصر داعش والقاعدة من ليبيا إلى دول الساحل والصحراء والغرب .
وتطرّقت رئيسة المركز الدولي للدراسات الأمنية والعسكرية بتونس إلى المنافسة الشديدة مابين المجموعات الإرهابية في إفريقيا ومحاولتها السيطرة على أكبر مناطق جغرافية، وهذا ما تفعله بوكو حرام التي تسعى إلى التمدّد على مستوى الساحل والصحراء ووسط إفريقيا كذلك القاعدة في المغرب الإسلامي والتي أصبحت تتخذ مكانا لها في مالي و تريد إن تسيطر على الغرب الإفريقي ككل.