اعداد:رباب حدادة
• الأهمية الجيوستراتيجية للقرن الإفريقي
شبه جزيرة تقع في شرق إفريقيا تتكون من 4 دول هي إثيوبيا وجيبوتي والصومال وإريتريا، ويضيف بعض الدارسين كل من كينيا والسودان .
يحد القرن الإفريقي من الجنوب المحيط الهندي ومن الشمال البحر الأحمر.. يتوسط المنطقة مضيق باب المندب الذي يعتبر جسرا بين القارتين الآسيوية والإفريقية وأحد أهم مسالك التجارة الدولة بما أن 15 بالمائة من السلع العالمية تمر به وجوبا، إذ يعبر المضيق سنويا 30 ألف سفينة بمعدل 90 سفينة يوميا.
مضيق باب المندب إلى جانب كونه مسلكا تجاريا فهو مسلك عسكري يؤمن عبور القوات البحرية التابعة للقواعد العسكرية المنتشرة على كل الدول المنفتحة على شواطئ خليج عدن والبحر الأحمر،وهذا ما يفسر سعي مختلف الدول إلى السيطرة على الموانئ البحرية الواقعة على كامل الشريط الساحلي للقرن الإفريقي، وأهمها ميناء باربيرا في الصومال وميناء دوريلا في جيبوتي
وما يزيد القيمة الجغرافية للمنطقة هو توسطها مناطق غنية بالموارد الطبيعية، فهي تطل من جهة على دول الخليج الغنية بالآبار النفطية ومن جهة أخرى تنفتح على إقليم البحيرات الكبرى في الوسط الإفريقي وهي مناطق غنية بالمعادن
• الصراع الدولي على القرن الإفريقي
الصين: تعد الصين أهم قوة حاضرة في المنطقة التي هي جزء هام من طريق الحرير التي تعمل الصين على إحيائه، وقد ركزت في بسط نفوذها على الدعم الإقتصادي والإنساني .. ففي جيبوتي مثلا قدمت في 2000 ما يقارب 17 مليون دولار لتمويل المشاريع التنموية، وفي نفس السنة بعثت أكثر من 7 مشاريع في الصومال، كما ألغت ديون إريتريا، أما إثيوبيا فكانت مركز الإهتمام الأكبر، فإلى جانب القروض المسندة لها وصلت الإستثمارات الصينية المباشرة إلى 900 مليون دولار أمريكي سنة 2009.
هذه الأهمية الإستراتيجية للقرن الإفريقي في مخططات الصين جعلتها تقيم في جيبوتي أول قاعدة عسكرية خارج إقليمها وتمتد على مساحة 36 هكتارا.
روسيا: حضر النفوذ الروسي بقوة في المنطقة في أواسط العشرينات من القرن الماضي،إلا أنه بعد سقوط الإتحاد السوفياتي تراجعت العلاقات الروسية مع دول القرن الإفريقي لكنها عادت مجددا وكان ذلك واضحا من خلال قمة روسيا وإفريقيا سنة 2019 والتي أعلنت فيها عن سياستها في إلغاء ديون الدول الإفريقية.
وتعد دول القرن الإفريقي من أهم أسواق الأسلحة الروسية، ففي 2019 استوردت إثيوبيا من الأسلحة بقيمة 71 مليون دولار، وقد تدعمت العلاقات الروسية الإثيوبية بشطب روسيا 163 مليون دولار من ديون إثيوبيا
وأعلنت روسيا في 2018 عزمها على بناء مركز لوجيستي في إريتريا وهي خطوة تمهيدية لإقامة قاعدة عسكرية في البحر الأحمر تنضاف إلى 19 قاعدة عسكرية موجودة بالمنطقة.
تركيا :سجلت حضورها في جميع المجالات بدول القرن الإفريقي خاصة إثيوبيا التي تحتل المرتبة الأولى من الإستثمارات التركية بقيمة 3 مليار دولار وتضم قرابة 350 شركة تركية توظف 500 ألف إثيوبي.
أما في الصومال فقد قامت تركيا بتركيز قاعدة عسكرية لها دربت فيها الجيش الصومالي وهي القاعدة التركية الأكبر خارج أراضيها. وبلغت الإستثمارات التركية في الصومال 600 مليون دولار إلى جانب المساعدات الإنسانية التي شملت كافة دول القرن الإفريقي.
المملكة العربية السعودية
انشغال السعودية بالقرن الإفريقي انشغال أمني بدرجة أولى بما أنها من المناطق المجاورة لها خاصة وهي في نزاع مع المسلحين في اليمن، لذلك كان لابد لها من إيجاد نفوذ لها في باقي الدول المجاورة لليمن لإضعاف أي إمدادات خارجية تصل المسلحين عبر القرن الإفريقي، وهو مايؤكده باسكال شانيو، بقوله “اليمن هي العامل المركزي لتطور استراتيجيات السعودية والإمارات نحو الشرق الإفريقي “.
الإمارات العربية:
تتنافس الإمارات كباقي الدول على السيطرة في المنطقة وتتخذ سياسة شبيهة بالسياسة التركية ما يجعلهما متنافسين بما أنهما يسيران بالتوازي: تدخل عسكري واقتصادي وإنساني.
ولدى الإمارات في إثيوبيا حضور اقتصادي بالأساس وتحتل المرتبة العاشرة في قائمة الحلفاء التجاريين لإثيوبيا وقد بلغت استثمارات أبوظبي في السنوات الأخيرة 870 مليون دولار.
قطر
تركز قطر على بسط نفوذها من خلال خلق تبعية السلط لها بما تقدمه من مساعدات ومشاريع إنسانية كتمويل الصندوق القطري في 2019 لمشروع مستشفى في إثيوبيا ودعم منظمة قطر الخيرية لكل من الصومال وإثيوبيا في الكوارث الطبيعية التي تمر بها بلدانهم كما تستثمر قطر في المناجم والزراعة والطاقة وتشغل عدد من اليد العاملة،إذ تشغل حسب إحصائيات صادرة في 2015 ما يقارب 25 ألف إثيوبي و 14 ألف كيني .
كما تستغل قطر الأراضي الخصبة للقرن الإفريقي لتغطي احتياجاتها الغذائية.. ففي السودان مثلا استثمرت قطر في عام 2018، خمسة ملايين دولار في الأنشطة الغذائية و الزراعية،علما أن التحالف القطري التركي يعمل بالتوازي للسيطرة على المنطقة والبقاء قرب مناطق التوتر ومصادر الثروات الطبيعية، كما يسعى ذلك التحالف إلى تضييق الخناق على المملكة العربية السعودية التي تحاول تحقيق الهدوء النسبي في دول القرن الإفريقي خشية البقاء بين منطقتي حرب (اليمن والقرن الإفريقي )
• أهم أزمات المنطقة
النزاع الحدودي وأطماع السيطرة على مضيق باب المندب
حرب إريتريا وجيبوتي:
نشأ نزاع حدودي بين إريتريا وجيبوتي في 2008 بعد أن نشرت إريتريا قواتها المسلحة على جزيرة دُميرة وكذلك مرتفع رأس دميرة الواقع على طول 1.5 كم بين الدولتين، في خرق للإتفاقية الحدودية لسنة 1900 التي تنص على أن المنطقة لا تتبع أي دولة لتظل منزوعة السلاح،حيث حركت جيبوتي قواتها المسلحة للسيطرة على المناطق الحدودية، في حين بطمع الطرف الآخر في السيطرة على الجزيرة بحكم أنها تطل على مضيق باب المندب، وقد كان لكل دولة حلفاؤها في ذلك إذ أن جيبوتي دعمتها إثيوبيا(قبل توقيع اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا) التي سعت للوصول إلى البحر الأحمر بما يخدم المصالح الأمريكية،
أما إريتريا فكانت مدعومة من قبل”إسرائيل” التي تسعى بدورها إلى إيجاد موطئ قدم لها في باب المندب، مفتاح المسالك التجارية ومدخل إلى الشرق الأوسط.
انتهت الأزمة بتوسط قطري وتوقيع اتفاقية سلام قامت بمقتضاها إريتريا بسحب قواتها من المناطق المشار إليها مقابل نشر قطر قواتٍ لحفظ السلام في المنطقة
لكن في الأزمة الخليجية عام 2017 انسحبت قوات قطر من المنطقة وعادت النزاعات لتتأجج من فترة إلى أخرى.
حرب إريتريا وإثيوبيا :
اندلعت الحرب في 1998 بين إريتريا وإثيوبيا حول منطقة “بادم” التي سيطرت عليها إثيوبيا إلى جانب مناطق أخرى مدعية أن المنطقة تابعة لإقليم تيغراي، غير أن من المرجح أن إثيوبيا عملت على اكتساب منفذ بحري من خلال التوسع على حساب الإقليم الإريتري خاصة من خلال التوسع على الحدود الثلاثيية بين إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا من خلال السيطرة على ساحل “عصب” بصفة خاصة,
و دامت الحرب حتى 2000 حين تم توقيع اتفاقية سلام في الجزائر واإحالة الملف على اللجنة الدولية للحدود في لاهاي والتي أقرت في 2002 بانتماء “بادم” إلى الإقليم الإريتري.
غير أن إثيوبيا رفضت تنفيذ الإاتفاق وظلت العلاقات بين البلدين متوترة إلى أن قامت الحكومة الإثيوبية بتنفيذ الإتفاق في عام 2018
التنظيمات الإرهابية في المنطقة
يعدّ تنظيم حركة الشباب في الصومال أكبر تنظيم في القرن الإفريقي، تأسس في 2006 وكان فرعا لـ”المحاكم الإسلامية” التي تعتبر حركة انفصالية ظهرت في الصومال وسيطرت لفترة على مقديشو. استقل التنظيم وأعلن مبايعته رسميا لتنظيم “القاعدة” في 2009، ويضم حسب تقارير لصحيفة لوموند الفرنسية بين 5000 و 9000 مقاتل من جنسيات عديدة فإلى جانب الصوماليين هناك عرب وباكستانيون وكينيون.
يتركز التنظيم في جنوب الصومال ويمتد على الحدود الإثيوبية وكذلك مع كينيا التي نفذ فيها التنظيم عمليات عديدة منها عملية غاريسا التي ذهب ضحيتها 148 مدنيا
الحركات الإنفصالية في دول القرن الإفريقي
الصومال وإقليم أرض الصومال
أعلن إقليم الشمال استقلاله في 1991 تحت اسم “أرض الصومال” بالرغم من أن الإقليم يحضى باستقلاله الذاتي إلا أنه غير معترف به دوليا، وتبقى عملية الإنفصال الكلي ممكنة جدا ، في حين أن الحكومة الفدرالية في الصومال تسير في مفاوضات مع إدارة الإقليم بحثا عن حل ،وهناك عراقيل أمام هذا الإنفصال حيث رفض بعض القبائل الإنقسام في دولتين مطالبين ببقائهم تحت راية دولة واحدة خاصة قبائل “هارتي دارود” و” سمرون” غير أن هذه القبائل لا تملك الأغلبية أمام قبيلة “إسحاق” التي تطالب بالإنفصال.
إثيوبيا وإقليم تيغراي
تسليم إقليم “بادم” لإريتريا حسن العلاقات بين الدولتين وأنهى الخلاف ولكنه في المقابل فتح أزمة داخلية في إثيوبيا حيث زاد تدهور علاقة إقليم تيغراي بالحكومة الإثيوبية إلى درجة أن وصل مؤخرا إلى المواجهة المسلحة وأصبح يطالب بالإستقلال الذاتي.
تعود جذور النزاع بين الحكومة الفدرالية وإقليم تيغراي إلى سيطرة سكان هذا الأخير على مقاليد السلطة في الدولة منذ 1991 وتمثلهم الجبهة الديمقراطية الثورية التي غيرت اسمها إلى الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، غير أن تسلم رئيس الوزراء آبي أحمد السلطة في إثيوبيا أضعف سلطة التيغراي في الدولة بالتغييرات التي أحدثها في توزيع المناصب السياسية إلى جانب العديد من الإجراءات التي اعتبرها الإقليم حربا غير معلنة عليه وبدأت تتوتر العلاقات أكثر بين الإقليم والسلطة المركزية بعد أن رفض الإقليم مواصلة الإعتراف بآبي أحمد ونظم انتخابات داخل إقليمه رفضتها الحكومة بدورها.
اندلعت المواجهات المسلحة بعد أن آمر آبي أحمد بهجوم عسكري على إقليم تيغراي معللا ذلك بمحاولة التيغراي السيطرة على معسكر فيدرالي في المنطقة.
ويتميز الإقليم برغم صغره بضخامة عتاده العسكري وقوته العسكرية ما جعل الأزمة تزداد حدة أدت إلى لجوء قرابة 40 ألف إثيوبي إلى مناطق مجاورة بالسودان.