الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

أديس أبابا-إثيوبيا- زهور المشرقي30-11-2020


اتفق جهاز المخابرات والأمن الإثيوبي مع جهاز المخابرات الإسرائيلي “موساد” على التعاون في مجالات “السلم والأمن ومكافحة الإرهاب”.

وجاء التوقيع خلال لقاء بين المدير العام للمخابرات الإثيوبية، تيميسجين تيرونه، والمبعوث الخاص لرئيس الموساد يوسي كوهين إلى إثيوبيا وشرق إفريقيا، الخميس الماضي.

وبحسب المدير العام للمخابرات الإثيوبية ، سيعمل الإتفاق على “ضمان” السلم والأمن في القرن الإفريقي إضافة إلى إثيوبيا، بالإستعانة بكل أشكال الدعم من “الموساد” على صعيدَي التكنولوجيا وتحسين الإمكانات، في وقت أكّد المبعوث الخاص الإسرائيلي التزام “الموساد” بالتعاون مع المخابرات الإثيوبية وزيادة دعمها.

ويتزامن التوقيع بين الطرفين في وقت تشنّ فيه الحكومة الإتحادية الإثيوبية عملية عسكرية على إقليم تيغراي شمال البلاد، لنزع سلاح “جبهة إقليم تيغراي”، وقد بدأت العملية في 4 نوفمبر الماضي.

ويأتي أيضاً في ظل تعثر المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان حول سد النهضة، وإعلان أديس أبابا الخميس، أن السد سيبدأ مرحلته الأولى من توليد الكهرباء في يونيو 2021، برغم عدم اتفاق الدول الثلاث على قواعد الملء والتشغيل.

وتعتبر إثيوبيا ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، وه في ذات الوقت واحدة من أفقر دول العالم، ويسعى آبي أحمد إلى بناء اقتصاد بلاده من خلال جذب استثمارات أجنبية لاستغلال مواردها الهائلة، خصوصاً في مجال الزراعة، لذلك يريد المراهنة على اللوبي الصهيوني في العالم لضخ مزيد من الإستثمارات ببلاده.

العلاقات الإسرائيلية-الإثيوبية

واقع الأمر هو أن العلاقات بين إسرائيل وإثيوبيا تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، ويرجع ذلك إلى وجود جالية يهودية كبيرة هم يهود الفلاشا، تم نقل الآلاف منهم إلى فلسطين المحتلة ، حيث يبلغ عددهم في فلسطين حاليا أكثر من 140 ألفا.

وترجمت متانة هذه العلاقة زيارة رئيس وزراء كيان الإحتلال،بنيامين نتنياهو إلى إثيوبيا عام 2016 في أثناء رئاسة أديس أبابا الإتحاد الإفريقي، إضافة إلى زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي، آبي أحمد، إلى الأراضي المحتلة في سبتمبر 2019، والتي اعتبرها محللون متأخرة مقارنة بالعلاقة المتينة بين البلدين.

ويرى محللون أن علاقات كيان الإحتلال مع إثيوبيا هي جزء من استراتيجية إسرائيلية واسعة تجاه إفريقيا، والتي أعلن عنها رئيس الوزراء نتنياهو في عام 2016 تحت شعار “العودة إلى إفريقيا”، حيث يسعى نتنياهو إلى توسيع مستوى العلاقات مع دول إفريقية مهمة، مثل إثيوبيا التي تعتبر منذ سنوات “بوابة إسرائيل إلى إفريقيا”.


ويتخّذ كيان الإحتلال من إثيوبيا معبرا إلى بقية الدول الإفريقية وخاصة دول شرق إفريقيا والبحر الأحمر بما فيها دول حوض النيل الشرقي، وفي سبيلها إلى ذلك عمل على تنسيق الإستراتيجيات الثنائية مع إثيوبيا لتسهيل التعامل مع أي صراع قد يحدث بين دول المنبع والمصب حول مياه النيل.

ويرى مراقبون أن قلة الخبرة الفنية لدى إثيوبيا وضعف إمكاناتها الإقتصادية وحاجتها للمساعدات الإقتصادية وفي المجالات الزراعية والصحية والتنموية والفنية والعسكرية، ساعدت “تل أبيب” على تحقيق أهدافها.

ونظرا لاعتبار كيان الإحتلال أن الدول العربية تمثل تهديدات مباشرة لأمنها القومي، فهذا دفعها إلى مناصرة أي طرف غير عربي على نقيضه العربي.

وبالعودة إلى تاريخ العلاقات الإثيوبية -الإسرائيلية ، شهدت هذه العلاقات قفزة نوعية منذ عام 1984 في عهد الرئيس مانغستو هيلي مريام، وتطوّرت في عام 2004 حينما أعلنت قاد الإحتلال الإسرائيلي عن نيتهم تطوير الصناعة والزراعة في إثيوبيا عن طريق استخدام التكنولوجيا الزراعية وأرسلوا وفدا اقتصاديا من 22 شخصية اقتصادية لهذا الغرض.

وفي سنة 2014 تقدمت أكثر من مائتي شركة “إسرائيلية” للحصول على تراخيص تجارية للعمل في مجالات مختلفة في إثيوبيا.

كما تطُورت بعد زيارة نتنياهو عام 2016 العاصمة الإثيوبية حيث وقع مع رئيس الوزراء السابق هيلي ماريام ديسالين عدة اتفاقيات تتعلق بدعم التعاون في مجالات التكنولوجيا والزراعة، والسياحة، والتكنولوجيا، والإستثمار.

يهود الفلاشا

مرت العلاقات بمحطات هامة عبر مراحل تاريخية متتابعة، منها وقوف كيان الإحتلال إلى جانب إثيوبيا إبان الحرب مع إريتريا، إضافة إلى تلك الفترات التي بعثت خلالها إثيوبيا بيهود الفلاشا إلى الأراضي العربية المحتلة للإنضمام إلى الكيان الصهيوني، وذلك منذ عقد الثمانينات مرورا بعقد التسعينات من القرن الماضي والذي شهد وصول 14 ألف يهودي إثيوبي في 36 ساعة، وصولا إلى العقد الأول في الألفية الثالثة الذي شهد تدفقا كبيرا من المهاجرين الإثيوبيين إلى إسرائلفلسطين المحتلة.

وقد أدّى ذلك إلى وجود إثيوبي كبير في المجتمع اليهودي الذي يشكل 1.7% منه.

سدّ النهضة

لا يزال “سد النهضة” يثير خلافات كبيرة بين إثيوبيا ومصر، حيث فشلت كل المباحثات الرامية إلى التوصل إلى اتفاق بينهما،ومن شأن هذا السد أن يقلص حصة مصر من المياه ويتسبب في تصحّر مساحات زراعية واسعة من أراضيها.

وقد أدركت حكومات كيان الإحتلال أن السيطرة على نهر النيل يهدد مصالح مصر الإستراتيجية وأمنها القومي، لذلك عملت جاهدة للسيطرة عليه، ففضلًا عن حاجته إلى مياه النيل، يسعى الكيان إلى الإضرار بمصالح القاهرة مهما كلفه الأمر.

ومن ذلك، عزز الإحتلال نفوذه السياسي والعسكري والإستخباراتي في إثيوبيا، وتمكن من سلطة القرار، وهو ما يتنزل ضمن عقيدته الأمنية والإستراتيجية القائمة على الإستحواذ والسيطرة على المنطقة المحيطة به قصد تطويق”أعدائه”.


ولا تزال المخاوف قائمة لاسيما مع الدعم “الإسرائيلي” لإثيوبيا، فبعد تشغيل سد النهضة الذي يُعد أكبر سد في القارة الإفريقية سيكون له حتمًا تأثير كبير على إمدادات المياه إلى مصر، علمًا أن نحو 90% من مياه النيل التي تصب باتجاه مجرى النهر في مصر مصدرها النيل الأزرق.

إسرائيل تتجسس في البحر الأحمر

ومع تصاعد التنافس الإقليمي والدولي للوجود في البحر الأحمر، برزت “إسرائيل” بوصفها واحدة من القوى التي عملت منذ عقود على التجسس ضمن أسس إستراتيجيتها لأمن كيانها الإرهابي.

وتبرز أهمية البحر الأحمر في منظومة هذا الأمن في أن واحدة من الخطوات الأولى التي اتخذها كيان الإحتلال بعد الإعلان عن قيام بمساعدة مباشرة من القوات البريطانية عام 1948 كانت احتلال قرية أم الرشراش الأردنية عام 1949، وأنشأت على أنقاضها ميناء “إيلات” المجاور لميناء العقبة الأردني.

كما أن الحرب الأولى التي خاضها بعد احتلال فلسطين، كانت المشاركة الفاعلة في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والتي انتهت باتفاق على ضمان حرية الملاحة في مضايق تيران على مدخل خليج العقبة.

ويرى مراقبون أن الإستراتيجية الإسرائيلية للبحر الأحمر تنطلق من كونه يضعها على خريطة الحدود مع مصر والأردن والسعودية، ويضمن لها استمرار تجارتها وحركة سفنها مع شرق آسيا ودول إفريقيا وأبرزها اثيوبيا..

لكن كلمة السر الإسرائيلية في البحر الأحمر كانت واضحة في السنوات الأخيرة عبر الوجود المباشر في جنوبه بالقرب من مضيق باب المندب، تماما كما يُسجَّل وجود لـ”إسرائيل” في شماله.

كما أن هذا الوجود في البحر الأحمر عزّز مخاوف الكيان الأمنية من المحاولات الإيرانية للوجود في البحر الأحمر وتقول”إسرائيل” إن إيران تمتلك صواريخ تهدد الملاحة في هذا البحر.

وتشير تقارير استخباراتية إلى أن حوالي نصف القوات الجوية لقوات الإحتلال (449 طائرة قتال) توجد قريبا من البحر الأحمر في قواعد النقب، وتقوم هذه القوات بدوريات وطلعات فوق هذا البحر حتى مدخله الجنوبي.

وتعمل هذه القوات في مجالات الإستطلاع وتخزين الأسلحة والعمل في البحر بالتعاون مع القوات الأميركية في المنطقة.