إعداد:ضحى الطالبي
البوليساريو .. ” الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب “
ماهي الجبهة؟
تأسست بتاريخ 20 مايو 1973 بمبادرة من شباب من أصول صحراوية أبرزهم الولي مصطفى السيد ومحمد عبد العزيز، بهدف تحرير الصحراء الغربية من الإستعمار الإسباني.
ومع خروج هذا الأخير أطلق النظام المغربي سنة 1975 “المسيرة الخضراء” لملء الفراغ تحت قناعة أن الصحراء جزء من المغرب،ومن هنا تحركت جبهة البوليساريو معتبرة أن ما قام به النظام المغربي”احتلالا” وسطوا على حقوق الشعب الصحراوي.
وكانت سلطات الإحتلال الإسباني قد دخلت قبل ذلك التاريخ في مفاوضات مع كل من المغرب وموريتانيا، انتهت بإبرام اتفاقية مدريد الثلاثية في 14 نوفمبر 1975 نصت على تسليم الأرض للمغرب وموريتانيا دون أن تكون لهما السيادة عليها، لتتولى المغرب إدارة الثلثين الشماليين من الإقليم، في حين سيطرت موريتانيا على الثلث الجنوبي المتبقي.
وأمام تصاعد العمليات العسكرية من قبل البوليساريو اضطرت موريتانيا إلى التخلي عام 1979 عن المنطقة التي كانت تسيطر عليها.
واتخذت البوليساريو “مخيم الرابوني” مقرا لها بولاية ” تيندوف” الجزائرية، ويترأسها حاليا إبراهيم غالي.
• الصحراء الغربية محلّ نزاع:
تقع المنطقة في الشمال الغربي الإفريقي، يحدها من الشمال المغرب والجزائر شرقا وموريتانيا من الجنوب ،فالمحيط الأطلسي من الغرب، وتبلغ مساحتها حوالي 266 ألف كيلومتر مربع، ويتجاوز عدد سكانها 500 ألف نسمة وهم من الصحراويين البدو ينتمون إلى عرقية تتحدث اللهجة الحسانية كما أن هناك بعض المجموعات تتحدث الأمازيغية.
• النزاع السياسي:
ابتداءً من 1980 مالت كفة الحرب لصالح المغرب الذي اتّبع استراتيجية دفاعية لصد هجمات جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر وليبيا، من خلال بناء ساتر ترابي ضخم أو ما سمي بالجدار الرملي.
في سنة 1989 أطلقت جبهة البوليساريو هجوما ضخما ضد القوات المغربية لتتراجع حدة العمليات العسكرية في الصحراء الغربية سنة 1991 عقب تدخلات من قبل الأمم المتحدة لتشهد المنطقة حالة من اللاسلم واللاحرب،بعد أن تم إبرام اتفاق على وقف إطلاق النار أشرفت الأمم المتحدة على مراقبة مدى تنفيذه.
الجهود الدولية والإقليمية لحل النزاع:
• الأمم المتحدة
كان للجمعية العامة للأمم المتحدة دور مهمّ من خلال إنشاء بعثة “المينورسو” التي تُعنى بمراقبة قرارها بوقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو.
وقد طرحت عدة مبادرات لتسوية القضية الصحراوية عبر تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي تكون نتيجته إما الإنضمام إلى المغرب وهو أمر ترفضه الجبهة، أو الإنفصال وتكوين دولة مستقلة وهو أمر غير مقبول بالنسبة للمغرب، وقد تجمدت عملية الإستفتاء بسبب عدم الإتفاق على العدد الحقيقي للسكان الذين يحق لهم التصويت.
سنة 2000 ظهرت على السطح خطة مبعوث الأمم المتحدة في الصحراء الغربية آنذاك جيمس بيكر ” من أجل تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، في حين قدَّم المغرب مقترح منح منطقة الصحراء حكما ذاتيا موسعا مع الإحتفاظ برموز السيادة كالعلم والسياسة الخارجية والعملة وغيرها، وفي المقابل رفضت البوليساريو المقترح وأصرت على خيار الإستقلال.
ثم طرحت نسخة ثانية من الخطة تقترح على الصحراويين الحكم الذاتي لمدة خمس سنوات ثم القيام بعد ذلك باستفتاء لمعرفة ما إذا كان سيبقى الأمر كما هو عليه أم ستنضم المنطقة إلى الملكة المغربية.
في البداية وافق المغرب على الخطة المعَدَّلة لكنه سرعان ما انسحب منها وعاد إلى التهديد والتلويح بالحرب مجددا وذلك بسبب رغبته في السماح للجميع في المنطقة بالتصويت بمن في ذلك مواطنوها القادمون من مدن أخرى بعيدة كل البعد عن منطقة الجنوب، أما جبهة البوليساريو فكانت ترغب في إجراء الإستفتاء من خلال الإعتماد على اللوائح الإنتخابية التي تحتفظ بها إسبانيا باعتبار أن تلك اللوائح تضم ساكني المنطقة الحقيقيين، لكن في الأخير قبلت على مضض.
وبين كرّ وفرّ وتعثر المبادرات قدم بيكر استقالته مصرّحا :”لا أمل في حلّ هذه الأزمة”.وكان كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة قد طرح سنة 2002 الخيار الرابع وهو “التقسيم” على أن يكون للمغرب إقليم الساقية الحمراء (الثلثان) وللبوليساريو إقليم وادي الذهب (الثلث)، وهو أمر لم يقبل به المغرب.
• منظمة الوحدة الإفريقية:
في مؤتمرها التاسع عشر المنعقد بأديس أبابا سنة 1983 تم الإعتراف بـ “الجمهورية العربية الصحراوية” بناءً على الجهود الجزائرية في دعم قضية الشعب الصحراوي، ما أدى الى انزعاج المغرب وانسحابه في السنة الموالية من المنظمة وبالتالي تعرقلت من جديد مساعي التسوية.
وقد استمر غياب المغرب عن المنظمة إلى حدود سنة 2016 لتعود إلى عضويتها لأسباب متعلقة بالوضع السياسي والإقتصادي في المنطقة، بالرغم من استمرارية اعترافها بالجبهة.
• إتحاد المغرب العربي:
إتحاد إقليمي تأسس سنة 1989 بمدينة مراكش بالمغرب، ويتألف من خمس دول هي موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا بهدف توحيد قدرات هذه البلدان.
لكن سرعان ما برزت تخوّفات من قبل بعض الأطراف خاصة مع وجود خلافات بين نفس الدول حول عديد القضايا وأهمها الصحراء الغربية.
الشعب الصحراوي وتقرير المصير: ليبيا والجزائر دعامةُ كبرى:
• الدعم الليبي:
بمناسبة ذكرى “ثورة الفاتح” سنة 1987 صرّح الزعيم الليبي معمّر القذافي:” أستطيع أن أتكلم عن قضية الصحراء أكثر من أي طرف آخر لأننا نحن الذين أسسنا الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، عام 1972، ونحن الذين دربناها وسلَّحناها لتطرد الإستعمار الإسباني من الساقية الحمراء ووادي الذهب، ولم نسلحها لإقامة دولة، ولم نقل لهم : انضموا إلى موريتانيا أو الجزائر أو المغرب أو لا تنضموا، دربناها وسلحناها لتحرير الأراضي العربية من الإستعمار الإسباني”.
وكانت ليبيا قد اعترفت رسميا سنة 1980 بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” ليعلن المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع ليبيا.
إلا أنه سنة 1984 ساد الهدوء والتفاهم بين ليبيا والمغرب نتج عنه توقيع اتفاقية “وجدة” بين البلدين والإتفاق على العمل يدًا بيد من أجل التعاون في جميع الميادين، وسحب القذافي اعترافه نهائيا بالبوليساريو في نفس السنة.
• الجزائر الدّعامة الكبرى:
بين تشدد المغرب بحقها في الصحراء الغربية والتزام الجزائر بموقفها في حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، استمرت الخلافات بين البلدين ليصبح النزاع ثلاثيا بالأساس.
النزاع المغربي-الجزائري:
وكانت العلاقات المغربية الجزائرية قد شهدت حالة من التوتر حول ترسيم الحدود ..ففي حين تتمسك الجزائر بالحدود الموروثة عن الإستعمار الفرنسى تطالب المغرب بحدودها التي كانت عليها قبل الإستعمار ما أدى إلى نشوب حرب الحدود بين البلدين أو ما يعرف بـ “حرب الرمال” سنة1963 لتنتهي الإشتباكات بإبرام اتفاقية ” إفران” تلاها اتفاق ثان بتعين لجنة فنية لتحديد الحدود نهائيا بعد استقلال موريتانيا ،مبشّرا بإنهاء المخاض الذي تبين في ما بعد أنه لازال مفتوحا وهو ما ولّد خلافا على قضية الصحراء الغربية.
وتعتبر الجزائر أن دعمها للبوليساريو مسألة مبدأ، منادية بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وهنا قد لا يخفى السباق المحموم بين المغرب والجزائر على زعامة منطقة المغرب العربي وبلدان الساحل.
“البوليساريو” بين معترف ورافض:
بعد أن كانت حوالي 70 دولة معترفة بـ “الجمهورية العربية الصحراوية”، فإن الوقت الحالي أفرز تجميد 46 دولة لاعترافها بها، لتبقى 34 دولة غالبيتها من القارة الإفريقية وأمريكا الجنوبية معترفة بها.
ومن أبرز الدول الإفريقية التي اعترفت بجبهة “البوليساريو” الجزائر و ليبيا وأنغولا وناميبيا وجنوب إفريقيا، ونيجيريا، وموريتانيا، لنجد في القارة الأمريكية بوليفيا والمكسيك وفنزويلا، وسوريا في القارة الأسيوية، في حين لا تعترف أي دولة من أوروبا أو أمريكا الشمالية بها.
وكانت الأمم المتحدة قد ضمت الصحراء الغربية إلى قائمة الأقاليم غير المحكومة ذاتيا.
حقوق الإنسان على المحكّ
شهدت الفترة الممتدة بين 1975-1991 انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبها الطرفان، من تعذيب واحتجاز، وتكليف بأشغال شاقة دون أجر، إلى مجازر عشوائية، وتشويه ما أدى إلى وفاة الكثيرين دون وجود محاكمة عادلة تنصف هؤلاء، إلى جانب الإفرت من العقاب بشأن اختلاس المساعدات الإنسانية المقدمة للاجئين.
تدخلت منظمات حقوق الإنسان الدولية لإنقاذ ما بقي إنقاذه من خلال توثيق هذه الممارسات الماسة بقواعد القانون الدولي الإنساني، فقام الملك محمد الخامس بتشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2004 والتي أقرت صراحة بمسؤولية الدولة المغربية عن انتهاكات لكن دون تقديم أي جانٍ، مكتفية بالإعتراف وإطلاق سراح المحتجزين وهو ما أقرته رسميا منظمة الصليب الأحمر، ومن جهة أخرى أقرت منظمة العفو الدولية بوجود نفس الإنتهاكات تقريبا في صفوف البوليساريو، وبناء على ذلك انتهجت الجبهة بعد مؤتمرها السابع نفس سياسة المغرب ،أي اعتراف دون مسائلة ، إلا أنها بادرت باتخاذ خطوة تعويض الضحايا ،كما أعلنت عن تشكيل لجنة لمراقبة حقوق الإنسان، أما بالنسبة لأسرى الحرب وخلافا للمغرب، رفضت تسليمهم جراء عدم وفاء المغرب بالتزاماته في ما يتعلق باستفتاء الأمم المتحدة حول تقرير مصير الصحراء.
قد يتبادر إلى أذهان البعض أن هذه الجبهة لا كيان لها، لكن الواقع عكس ذلك، حيث يخضع سكانها لدستور وقوانين الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية إلى جانب توفر المرافق القضائية والأمنية المنضوية تحت وزارات.
دور الأمم المتحدة
بالرغم من التمركز الدائم للأمم المتحدة في مخيمات اللاجئين في تندوف والصحراء الغربية من خلال بعثة الإستفتاء”مينورسو” إلا أن هذه الآلية لا تمتد إلى مجال حقوق الإنسان.
وفي سنة2013 تبنى مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم 2099 الذي مدد ولاية البعثة بدون توسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان.
معبر “كركرات” وتصاعد الأزمة من جديد:
الكركرات هي قرية صغيرة تقع على الساحل الجنوبي للصحراء الغربية المتنازع عليها، على طول الطريق المؤدي إلى موريتانيا، حوالي 380 كيلومتر شمال نواكشوط، في منطقة عازلة تحرسها قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وقد كانت محلّ توتر بين جبهة البوليساريو المدعومة جزائريًا والمغرب في الآونة الأخيرة.
وقد جدّت اشتباكات بين البوليساريو والمغرب في 13 نوفمبر 2020 عقب تدخل القوات المسلحة الملكية المغربية في المنطقة من خلال إقامة حزام أمني من أجل استعادة حرية الحركة المدنية والتجارية في المنطقة.
في المقابل وصفت جبهة البوليساريو التدخل المغربي بأنه انتهاك لوقف إطلاق النار، في حين صرح الشقّ المغربي بأن التدخل كان سلميا بحتا ودفاعا عن النفس بعيدا عن أي احتكاك بالمدنيين وتحت أنظار مراقبي بعثة الأمم المتحدة، بينما أكدت هذه الأخيرة وقوع تبادل لإطلاق النار بين القوات المغربية والصحراوية دون تسجيل ضحايا.
في هذا الأثناء كان لا بدّ للأمم المتحدة أن تتحرك لمحاولة إيجاد حلّ للأزمة الراهنة وقد انصب اهتمام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على مسألتين، أولاهما احتواء النزاع حتى لا تتحول المناوشات إلى حرب حقيقية بعد إخماد نيرانها سنة 1991، والثانية تعيين مبعوث جديد للأمم المتحدة بعد استقالة “هورست كوهلر” السنة الماضية، للإشراف على المفاوضات السياسية الجديدة للتخفيف من حدّة التوتر السائد والبحث في سبل تنهي النزاع المتواصل في الصحراء الغربية.