إعداد/ صبرين العجرودي
بحيرة التشاد
تتموقع بحيرة تشاد في المنطقة الشمالية الوسطى من قارة إفريقيا وتمتد على أراضي أربع دول إفريقية متجاورة هي الكاميرون ، تشاد ، نيجر ، نيجيريا .. قديما كانت سادس أكبر بحيرة في العالم ، إلا أن الظروف المناخية المتمثلة في ارتفاع درجة حرارة الأرض أدت إلى تقلصها لتصل إلى عشر حجمها تقريبا ، من 25.000 كم² الى 2.000 كم² .
90 % من مياه البحيرة تأتي من نهر شاري المصنف من أكبر أنهار إفريقيا الوسطى ، و يمر هذا النهر عبر أراضي تشاد ليصل الي مدينة سارا ، ثم مدينة انجامينا عاصمة جمهورية تشاد ليلتقي بنهر لوغون وهو الفاصل الطبيعي بين تشاد والكاميرون .
تقلص متوسط مياه النهر التي تصب في البحيرة إلى النصف نتيجة مواسم الجفاف الطويلة التي حلت بمنطقة الساحل الإفريقي مما أدى إلى تدهور حالة البحيرة وهو ما أثر سلبا على عشرين مليون نسمة من السكان،حيث تعد البحيرة المورد المائي الأساسي لهم ، وقد تغيرت أنشطتهم من تربية الأبقار والجمال إلى تربية الأغنام والماعز مما أدى إلى تدهور الغطاء النباتي .
نيجيريا أرض خصبة لتموقع الإرهاب
ساهمت الأوضاع المتردية في نيجيريا وعلى رأسها جفاف بحيرة تشاد المتمركزة في الحدود وارتفاع نسبة الأمية والبطالة في تفاقم الوضع بالرغم من كونها أغنى دول إفريقيا باعتبار مخزونها النفطي، بحيث تنامت الأفكار المتطرفة والتيارات الإرهابية مع ظهور حركة “بوكو حرام”التي استقرت في منطقة بورنو من شمال إفريقيا خاصة وأن 60 % من عدد سكان نيجيريا الذي يبلغ عددهم أكثر من 130 مليون نسمة هم مسلمون يتوزع أغلبيتهم على 19 ولاية في شمال نيجيريا من مجموع الولايات الإتحادية النيجيرية التي تتألف من 36 ولاية.
وتضم الجهة الشمالية من نيجيريا 95 % من هذه الأغلبية المسلمة وتتركز في قبيلة الهوسا، أما قبيلة الإيبو فهي تمثل أكبر كثافة مسيحية.
عام 2000 وتحديدا في أواخر شهر يناير تم تقنين مبادئ الشريعة الاسلامية بولاية “زمفرة” وكانت بذلك أول الولايات في شمال نيجيريا التي تتخذ هذه الخطوة لتعميمها على مختلف مرافقها وذلك بعد إعلان القانون الفدرالي الذي يقر بحرية سن نيجيريا القوانين الخاصة بها عام 1999.
فضلا عن ذلك كان لتفشي الفساد السياسي و تبعاته الإقتصادية دور هام في ضعف الدولة وتعميق التطرف خاصة مع التوترات العرقية التي يثيرها الكثير من الأطراف من أجل السلطة .
المسار التاريخي لجماعة ” بوكو حرام “
معنى اسم الحركة بلهجة قبائل الهوسا ” التعليم الغربي حرام ” وهي جماعة إسلامية نيجيرية هدفها تطبيق الشريعة الإسلامية.. تأسست عام 2002 في ولاية بورنو بشمال نيجيريا، ويمتد نشاطها من شرقي نيجيريا إلى عدد من مناطق البلدان المجاورة في حوض بحيرة تشاد، وخصوصا منطقة أقصى الشمال الكاميروني، وغربي تشاد، وجنوب شرقي النيجر، إلا أن ظهورها الأول كان عام 1995 ، عُرفت آنذاك باسم ” أهل السنة والهجرة ” وقد أسسها ” أبو بكر لوان ” في شمال إفريقيا قبل سفره عام 2001 لإنهاء تعليمه في العلوم الشرعية بالمملكة العربية السعودية ، ليتولى زعامتها محمد يوسف عام 2002 حين اتخذت الحركة أسماء أخرى على غرار “المهاجرون” “طالبان نيجيريا” “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” . و قد فرضت وجودها فعليا عام 2004 بعد انتقالها إلى ولاية يوبي على الحدود مع النيجر وقامت بأعمال عنف وجرائم بشعة وتفجيرات ما جعلها تُصنف بالحركة الإرهابية وتحديدا بعد قيادتها من قبل محمد يوسف ، علما أنها نشأت في بدايتها كحركة سلمية مع مؤسسها لوان .
قُتل زعيم الحركة ” محمد يوسف ” عام 2009 على أيدي الشرطة بعد اعتقاله في مواجهة مع شباب الحركة في شهر يوليو من نفس السنة، وهو ما اعتبره البعض نهاية للحركة ، لكن مع ظهور نائبه ” أبو بكر شيكاو ” ازداد استفحال ” بوكو حرام ” بجرائمها الإرهابية الأكثر دموية بإضفاء استراتيجيات جديدة كاعتماد العبوات الناسفة والتفجيرات الإنتحارية، بعد أن أعلن في عام 2010 أن جماعته ستنتهج مبدأ القوة ورفع السلاح لفرض الشريعة الإسلامية .
لا يُعرف عدد أعضاء الحركة بالتحديد ولكن قُدّر عددهم بحولي 27 ألف مقاتل حسب ما أفادت بذلك الأمم المتحدة.
وقد فقدت الجماعة ما يقارب 4000 مقاتل في الفترة الممتدة من 2009 إلى 2017 ،إلا أنها حافظت على قوتها الأساسية نتيجة لنشاط التجنيد الذي يستهدف بالأساس المجتمعات الفقيرة المهمشة من قبل السلطات، ويقوم هذا النشاط أساسا على غسل الأدمغة بالعقائد الدينية وغرس العداء تجاه السكان والسلطات التي تناوئ وجودهم ونشاطهم ، ويتّبع نظام التجنيد خططا منظمة حسب الأهداف.
توجهات “بوكو حرام” ” الأيديولوجية “
بالنسبة إلى جماعة ” بوكو حرام ” كل ما هو متآتٍ من الغرب لا يمكن أن يكون إلا مهددا لتماسك الدين الإسلامي في المجتمعات وهو ما يفسر تسميتها ” التعليم الغربي حرام ” حيث تسعى إلى تطبيق التعليم الديني والإستبعاد التام للحضارة الغربية وثقافتها.
أما الأهداف التي ارتكزت عليها مهام الحركة فتتمثل في الإطاحة بالنظام العلماني في نيجيريا والفرض الإجباري لقواعد الإسلام والشريعة ، خصوصا وأنها على اعتقاد تام بتأثر الدولة النيجيرية بثقافة الغرب، و هو ما يفسر الفكرة الشائعة لدى الحركة التي تفرض ضرورة تكوين جماعة مسلمة بعيدا عن المجتمعات المتأثرة بالفكر الغربي تقودها”بوكو حرام” بمعزل عن مجتمع الفساد والقيم الغربية .. وتروج الحركة لكون عدم الإنضمام إلى هذه المجموعة هو كفر بالشريعة والإسلام، وبالتالي -حسب مفهومها- فإن إقامة الجهاد والدعوة إلى اعتناق الدين الإسلامي هما من المبادئ الأساسية بالنسبة للحركة لتكوين دولة إسلامية داخل الدولة النيجيرية خاصة مع توفر الظروف العرقية والأطراف الداعمة للحركة مثل حركة الشباب بالصومال وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
ومن أحد أهم المؤثرات الفكرية في توجهات ” بوكو حرام ” الأيديولوجية هي تقاليد الجهاد من أجل بناء دولة الخلافة الإسلامية في الشمال النيجيري والتي قادها الشيخ ” عثمان دان فوديو ” في القرن التاسع عشر ، كذلك ” جماعة إقامة السنة وإزالة البدعة ” المؤسسة في سبعينات القرن الماضي وفقا لمبادئ وتقاليد المدرسة الوهابية السلفية وبتعاليم كبير القضاة الشيخ أبو بكر غومي .
وعلى اختلاف الوسائل والأساليب المعتمدة فإن الفكر الأيديولوجي لـ”بوكو حرام” كما هو لدى “داعش” والعديد من الجماعات “الجهادية” الأخرى يرمي إلى تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية.
تمويل بوكو حرام
تنعدم قوة” بوكو حرام ” بانعدام مصادر التمويل التي بدونها لا يمكن لها الإستمرار في اعتماد وتنفيذ خططها الإستراتيجية .. والواقع أن جماعة “بوكو حرام” تستمد متانتها من أموال رجال الأعمال والسياسيين والتجار الذين يؤمنون بأيدولوجيتها .. كما تعتمد على أعمال التهريب على غرار الأسلحة والمخدرات وبعض البضائع الأخرى. كما تقوم الحركة بعمليات السطو على البنوك لتشكل تلك العمليات ممولا رئيسيا بالنسبة لها، فضلا عن اعتمادها عملياتِ الإختطاف لحصولها على الفدية وتقوم أيضا باستغلال المواد الخام بما في ذلك النفط.
وحسب تقرير تم نشره في الشهر الخامس من العام الجاري في موقع قطريلكس تم الإعلان عن اتصالات بين نظام الدوحة وأحد الزعماء الكبار لأحد التنظيمات المسلحة في نيجيريا للتنسيق مع جماعة ” بوكو حرام ” بخصوص الدعم المالي لنقل عدد كبير من مقاتليها إلى داخل ليبيا لدعم حكومة “الوفاق” في طرابلس وميليشياتها بزعامة السراج .كما تمت الإشارة إلى تنسيق خلال مكالمة ثلاثية مع الرئيس التركي أردوغان والسراج .
ووفقا للدكتور طارق فهمي ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة والمختص في العلاقات الدولية،جاء التعامل القطري مع جماعة ” بوكو حرام ” الإرهابية بعد إعلان المشير خليفة حفتر، عن الأحقية التامة في إتمام العمليات العسكرية ضد الإرهاب والميليشيات المسلحة التي تحمي حكومة السراج، وأكد أن عروض قطر بدأت بنقل 1000 عنصر إلى ليبيا لدعم المخطط الرئيسي لأردوغان والمخابرات التركية، وقد كشفت وكالة الأنباء الفرنسية عن ارسال أسلحة إلى جماعة ” بوكو حرام ” من طرف تركيا،في حين أكد أحد مراقبي الجمارك النيجيرية أن 440 من البنادق تم ضبطها في مرفإ لاغوس مصدرها الرئيسي تركيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا .. وفي عام 2017 تم ضبط عدة شحنات أسلحة منها 2671 بندقية ” بومب أكشن ” قادمة من تركيا .
بعض من أحداث العنف الإرهابية لـ”بوكو حرام”
- 24 من شهر ديسمبر من عام 2003 هو تاريخ انطلاق أحداث العنف المنظمة من ” بوكو حرام ” عند مهاجمتها مراكز للشرطة والمباني العامة في ولاية يوبي، وتحديدا في مدينتي وجيام و كانما.
- في 21 من شهر سبتمبر عام 2004 شُن هجوم على محطات الشرطة في كل من باما وغورزا بولاية بورنو كانت حصيلته مقتل عدد من رجال الشرطة وسرقة مجموعة من الأسلحة والذخائر.
- وفي شهر ديسمبر من نفس السنة أعلنت” بوكو حرام ” عن تأسيس قاعدة في كانما سميت باسم قاعدة ” افغانستان ” كانت منطلقا لاستقطاب الشباب والطلاب .
وتواصلت أحداث العنف والقتال إلى غاية 2009 باستهداف مواقع أمنية وعدة أجزاء من ولايتي يوبي و بورنو وكانت حصيلتها مقتل أكثر من 1000 شخص معظمهم من ” بوكو حرام ” واحتجاز المئات من أعضائها للمثول أمام المحكمة النيجيرية ، وانتهت هذه”الثورة الدامية” بالقبض على زعيم الحركة محمد يوسف من قبل الجيش وقتله، إلا أن هذه الأحداث كانت بداية لتطور” بوكو حرام ” مع زعيمها الجديد ” أبو بكر شيكاو ” ليُقدر عدد القتلى فيما بعد بـ 3000 شخص نتيجة عدد كبير من الإنتحاريين وهجمات على قوات أمن الدولة. - وفي شهر يونيو من عام 2011 جاء أول هجوم انتحاري ضد المركز الرئيسي للشرطة في العاصمة الإتحادية أبوجا نفذه ” محمد مانجا ” وعرفت منذ ذلك بهجمات 16/6 .
- وفي شهر أغسطس من نفس السنة استهدفت الحركة بهجوم انتحاري مبنى الأمم المتحدة في أبوجا ذهب ضحيته 23 قتيلا وعشرات الجرحى.
- أما في الرابع من نوفمبر فقد استهدفت الجماعة مقر فرقة القوات المشتركة في مايدوغوري في شمال البلاد.
- وفي شهر مارس من عام 2012 شُن هجوم انتحاري استهدف كنيسة كاثوليكيّة في ولاية جوس وسط نيجيريا كان ضحيتها 8 قتلى .
- وفي الفترة الممتدة بين يونيو عام2011 ونوفمير من عام 2012، نفّذت “بوكو حرام” أكثر من ثلاثين هجومًا انتحاريًا في شمال نيجيريا، أين تكثفت بشكل كبير في ولاية بورنو..
و من هنا توسعت ” بوكو حرام ” في شن عملياتها في مناطق خارج شمال نيجيريا ، وخاصة مع تزعم شيكاو للجماعة التي أسفرت جرائمها الإرهابية عن مقتل أكثر من 20 ألفا، وتسببت في تشريد ملايين الأشخاص بنيجيريا.