الأثنين. ديسمبر 23rd, 2024

رمال الفلاح-تونس-9-11-2020

إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الحرب على إقليم تيغراي وتحريك جيوشه نحوها وتأكيد عزمه على إنفاذ القانون وتعزيز أمن البلاد والشؤون الخارجيّة، ليس إلاّ استمرارا للعداء القائم بين الحكومة المركزيّة والإقليم منذ 2018.. نزاع ينبئ بأزمات سياسيّة واقتصادية واجتماعية بل وإقليميّة قد تجرّ إثيوبيا إلى حرب أهليّة وأزمة إنسانيّة حادّة.
وأعلن أحمد، أمس، إقالة كل من قائد الجيش ورئيس جهاز الإستخبارات ووزير خارجيته دون ذكر الأسباب، في سعي منه لاستكمال”الحرب” حسب قوله مع القوة السياسيّة الحاكمة في إقليم تيغراي.

يأتي ذلك بعد دخول عساكر أديس أبابا على المنطقة المنشقّة وشنّ حملات عسكريّة ردّا على هجوم جبهة تحرير شعب تيغراي على حامية للجيش الإثيوبي في العاصمة الإقليمية ميكيلي والإستيلاء على آلات عسكريّة، حسب قوله.

ضغائن قديمة تطفو على السطح


قبل أشهر فقط، اشتعل فتيل الفتنة بين الحكومة المركزيّة وإقليم تيغراي عندما قررت حكومة أحمد تأجيل الإنتخابات بحجّة خطر الإصابة بفيروس كورونا، الأمر استهجنته القوة السياسيّة بالإقليم الشمالي فقررت إجراء انتخاباتها في سبتمبر الماضي بحضور أكثر من 2 مليون شخص للإدلاء بأصواتهم.

ثمّ تحوّلت الفتنة إلى بوادر حرب عندما قررت الحكومة المركزيّة تأجيل الإنتخابات للمرّة الثانية في الأيّام القليلة الماضية، ما اعتبرته قوميّة التيغراي استئثارا بالسلطة وتجاوزا للشرعيّة والقانون، فيما عمد البرلمان الإثيوبي إلى تصنيف جماعات التيغراي “جماعات إرهابية”.

وقد كانت إثنيّة التيغراي هي القوة السياسيّة المسيطرة على دواليب الحكم الإثيوبيّة لعقود حتى صعود آبي أحمد من إثنيّة الأرومو سنة 2018 ليفتكّ منها مقاليد السلطة ويقيل عددا من رؤساء الأجهزة الأمنية المنسوبين للتيغراي.


ومع قرار آبي أحمد طي صفحة العداء مع إريتريا، العدوّ اللدود خلال حكم التيغراي، شعرت القوميّة أنّ الإستهداف بات واضحا وقررت في الأخير إعلان انفصالها عن السلطة المركزيّة بعد أن منع أحمد كل تشكيل حزبي على أساس عرقي أو إثني فانزوت بحكمها الذاتي في منطقتها الشماليّة على الحدود مع السودان.

خوف إقليمي من تصدير الصراع للخارج

وعبّر مراقبون ودبلوماسيون أجانب من قلقهم بشأن التصعيد العسكري والإنفلات الأمني خاصّة على الحدود ممّا ينبئ بأزمة إقليميّة مع السودان الذي أعلن إغلاق حدوده مع إثيوبيا بعد استيلاء المقاتلين على مراكز حدوديّة متقدّمة.

ومع اشتداد الصراع المسلّح بين الجيش الإثيوبي ومقاتلي الإقليم على طول الحدود مع السودان التي تبلغ 100 كلم، فرّ الآلاف من أفراد الجيش والجمارك الإثيوبيّين نحو المعابر السودانيّة طلبا للحماية ممّا دفع الخرطوم إلى غلق المعابر وإرسال مزيد التعزيزيات العسكريّة خوفا من تدهور الأوضاع الأمنيّة وانتقال المعارك إلى أراضيها.

ويرى خبراء أنّ النزاع الحاصل في إقليم تيغراي سيؤثر بشكل كبير على شرق البلاد الذي يعاني بدوره من وضعيّة هشّة بسبب الخلافات القبليّة والسياسيّة بين الحكومة والجبهة الثورية.

كما أبدت الخرطوم تخوّفها من تلف محاصيل الذرة والسمسم والقطن، الداعم الأساسي لاقتصادها، بالمزارع المتاخمة للحدود مع إثيوبيا خاصّة وأن السواد الأعظم من اليد العاملة إثيوبيّة، وهذا الصراع سيعيق أصحاب المزراع خاصّة مع اقتراب موسم الحصاد.

أزمة إنسانيّة تلوح في الأفق

وتصاعدت في الأثناء تحذيرات أمميّة من أنّ التهديدات ستطال حوالي 9 ملايين شخص من إثنيّة التيغراي مما يضطرهم إلى النزوح عن منازلهم، خاصّة بعد قرار الحكومة إعلان حالة الطوارئ لمدّة 6 أشهر وقطع الإنترنات والإتصال بالمنطقة، ممّا سيمنع وصول المساعدات الغذائية لأكثر من 600 ألف شخص يعتمدون عليها بالكامل إلى جانب المساعدات الإنسانيّة الأخرى والدعم الصحّي الذي يعتمد عليه قرابة مليون ساكن آخرين.

وإلى جانب ذلك هناك الأضرار التي ألحقها اجتياح الجراد الصحراوي لمنطقة الشرق الإفريقي بالمحاصيل الزراعيّة، والذي أضرّ بشكل خاص بمنطقة تيغراي..

كل هذه المعطيات تنذر بأزمة غذائية قد تصل إلى حد المجاعة التي ستصيب حوالي مليوني شخص حسب التوقعات في حال لم يجلس الطرفان إلى طاولة المفاوضات.

شبح حرب أهليّة

وبرغم الضغوط الدوليّة والدعوات الأمميّة إلى ضبط النفس إلاّ أن رئيس الوزراء أحمد آبي قال إنّ الدستور يفرض عليه الحفاظ على سيادة القانون وإنّ العمليات العسكريّة ستتواصل حتى تحقيق ذلك مع أخذه بعين الإعتبار سلامة المواطنين العزل، داعيا المجتمع الدولي إلى تفهّم سياق العمليات العسكريّة.

من جهته أكّد رئيس إقليم تيغراي دبرصيون جبراميكائيل، أن حكومة آبي تجاوزت الشرعيّة الدستوريّة لولايتها وأنّ إقليمه سيستميت في الدفاع عن نفسه ما لم تقبل الحكومة المركزيّة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.

ودعا خبراء الإتّحاد الإفريقي والأمم المتحّدة إلى التدّخل بالوساطة لحلّ الأزمة خوفا من الإنزلاق في منعرج الحرب الأهلية.