إعداد : رباب حدادة:باماكو:مالي:30-10-2020
تقع مالي غربي القارة الإفريقية، ذات موقع جيواستراتيجي هام .. على الرغم من أنها دولة غير ساحلية إلا أن لها شريطا حدوديا هاما مع كل من الجزائر القوة النفطية المنفتحة على البحر الأبيض المتوسط(2.230 كم) وموريتانيا نافذة الخط الساحلي الإفريقي على المحيط الأطلسي(1.730 كم ) .
هي بوابة لست دول منها أربع ذات واجهات بحرية هامة : إذ تحدها الجزائر شمالا والنيجر شرقا وبوركينا فاسو وساحل العاج في الجنوب وغينيا من الغرب والجنوب، والسنغال وموريتانيا في الغرب.
ست واجهات برية ميزة تنضاف إليها شساعة الإقليم البالغ 238 241 1 كم2 (ما يعادل مساحة بلجيكيا ب41 مرة) والذي ينقسم إلى 8 مناطق: كيدال، غاو،تمبكتو (منطقة ما يعرف بالشمال المالي) ، كذلك نجد موبتي وسيغو وكوليكورو الذي يضم العاصمة باماكو وأخيرا كايس وسيكاسو.
تعد مالي جسرا رابطا بين الأقاليم الكبرى للقارة الإفريقية: المغرب العربي في الشمال ومنطقة الصحراء والساحل الذي ينفتح على الغابات الإفريقية في الوسط في حدودها مع غينيا وساحل العاج .
الأهمية الإستراتيجية للبلاد متأتية من ثروة باطنية، أبرزها الذهب الذي يمثل 70 بالمائة من نسبة الصادرات، ففي سنة 2017 أنتجت مالي ما يقارب 50 ألف طن، فضلا عن احتياطي يورانيوم قدر ب 100 مليون طن يوجد أساسا في منطقة الشمال،واحتياطي فسفاط قد يبلغ، حسب بعض الدراسات، 20 مليون طن،إلى جانب العديد من الخامات الأخرى بنسب أقل منها الغرانيت والملح والحجر الجيري والحديد والبوكسيت .
هذا الثراء الطبيعي رافقه ثراء ثقافي للشعب المالي الذي يقارب العشرين مليون نسمة بأغلبية مسلمة تمثل 90 % وتتبع بالأساس المذهب السني المالكي مع انتشار الفكر السلفي في السنوات الأخيرة، ونسبة ضعيفة من الشيعة في باماكو ومن الخوارج في غاو دون أن ننسى الطرق الصوفية كالتيجانية والقادرية. أما بقية الماليين فيعتنقون المسيحية(أساسا في ساي ) إلى جانب ديانات محلية.
ينتمي السكان باختلاف دياناتهم إلى عدة أعراق : أغلبية من الأفارقة الأصليين من قبيلتي الفولاني والماندينجو وأمازيغ الطوارق ويمثلون ربع السكان، وأقلية من البيض يتكونون من العرب والأوروبيين المستوطنين منذ الإستعمار الفرنسي.
الخلفية الإستعمارية جعلت الفرنسية هي اللغة الرسمية للدولة،إلا أن الشعب المالي حافظ على لغاته القديمة للتواصل وهي متعددة أهمها البامبرا لغة نصف السكان إلى جانب 12 لغة أخرى كالحسانية والتماشق والمادينكا والبوبو..
يستقر ما يقارب ثلثي سكان مالي في المناطق الريفية، في حين يسكن المدن 27% من السكان فقط. والنشاط الفلاحي هو الأساسي للسكان خاصة منطقة الجنوب، كما تتميز البلاد بإنتاج القطن الذي بلغ 700 ألف طن في الموسم الزراعي لـ 2018 .
المسار السياسي للدولة
كانت مالي قديما مستقرا لثلاث إمبراطوريات إفريقية كبرى. ربطتها بشعوب المغرب العربي وباقي الدول الإفريقية علاقات ثقافية لا تزال ملامحها جلية في عادات الشعب المالي وتقاليده ..
أولى هذه الإمبراطوريات كانت مملكة غانا امتدت بين القرنيين الرابع والحادي عشر ميلادي، عرفت بأرض الذهب لأن سكانها كانوا يقايضون الذهب ببضاعات أخرى كالملح والتوابل.
دخل الإسلام إلى امبراطورية غانا عن طريق المرابطين في مراكش، وعلى أنقاض امبراطورية غانا تأسست امبراطورية مالي التي امتدت من ساحل المحيط الأطلسي بالمغرب وموريتانيا إلى حدود نهر النيجر بالشرق، كانت عاصمتها تومبكتو التي بلغت اوج ازدهارها في فترة حكم مانسي موسى الذي حول مالي في تلك الفترة إلى أحد أهم مراكز الدراسات الإسلامية بما استقطبه من علماء مسلمين.
كانت نهاية امبراطورية مالي في القرن الخامس عشر بانبعاث دولة سونغاي وعاصمتها مدينة غاو التي تعرضت لغزو المغرب ( الدولة السعدية) في 1591 بقيادة جودر باشا. بعد المغرب سيطرت قبائل عديدة وممالك صغرى حتى وقعت تحت سيطرة الإستعمار الفرنسي في 1904، وسميت حينها بالسودان الفرنسية وقد ضمت السنغال .
نالت مالي الإستقلال في 22 سبتمبر 1960، تحت اسم فيدرالية مالي وعرفت تأثير حزب واحد هو حزب الشعب المالي الإشتراكي حتى سقوط الإتحاد السوفياتي والإنقلاب العسكري في الدولة الذي انتهى بانتخاب عمر كاناري الذي خلفه أمادو توماني توري.
تعاني مالي من الإنقلابات العسكرية، أهمها انقلاب 2012 الذي أنهى رئاسة توماني توري وقاد الإنقلاب أمادو سانوغو الذي علق العمل بالدستور وشكل “اللجنة الوطنية لاستعادة الديمقراطية والإعمار” بضغط من المنظمة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا والإتحاد الإفريقي.
وأقر سانوغو فترة انتقالية أدت إلى انتخابات رئاسية في 2013، فاز بها إبراهيم أبو بكر كيتا متوليا رئاسة الدولة إلى غاية 18 أغسطس 2020 بحدوث انقلاب عسكري قادته مجموعة من العسكريين من بينهم أسيمي غويتا وإسماعيل واغي وساديو كامارا.
انتهى باستقالة الرئيس كيتا و رئيس وزرائه بوبو سيسي ليتولى أسيمي غويتا رئاسة “اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب” وتعيين بان داو رئيسا انتقاليا.
إلى جانب غياب الإستقرار السياسي حيث تعاني الدولة من توغل الإرهاب والجماعات المسلحة وأهم تلك المجموعات “أنصار الدين” و”حركة الجهاد والتوحيد” في غرب افريقيا وبعض التنظيمات التابعة لـ”داعش”، وتسيطر الجماعات المسلحة على شمال مالي بالأساس وبعض المناطق على حدود النيجر وبوركينا فاسو مع التحرك الدائم بين المغرب العربي عن طريق ليبيا ودول الساحل عبورا بالنيجر.
ومن أهم الأزمات التي تعيشها مالي كذلك الثورات الدائمة لقبائل الطوارق الصحراوية حيث انتهت آخر انتفاضة في 2012 بتشكل الحركة الوطنية من أجل تحرير الأزواد ، حيث سيطر الطوارق على جزء هام من الإقليم المالي ..
هذه الإنتفاضات المتكررة للطوارق منطلقها مطالب اجتماعية بتحسين أوضاع عيشهم واعتراف الدولة بحقوقهم في الأمن والتمدرس والصحة، إلا أن هذه الإحتجاجات تحولت إلى تمردات مسلحة تطالب بالإنفصال عن الدولة.