الخميس. نوفمبر 14th, 2024

إعداد : رمال فلاح:30-10-2020

التشاد دولة عربيّة إفريقيّة، ظلمتها الجغرافيا وخذلتها السياسة، فلا صناعة تذكر ولا فلاحة تشكر، تطغى على واقعها العام الإضطرابات الأمنيّة المستمرة والمشاكل الإجتماعيّة المتراكمة التي تعمقت بجفاف بحيرتها ونزوح سكان الدول المجاورة إليها.

تمتاز جمهورية التشاد بموقعها الإستراتيجي الذي جعلها مطمعا لسياسات بعض الدول، فهي تقع في قلب القارة السمراء، يحدَها العملاق النفطي ليبيا من الشمال وسلّة غذاء العالم السودان من الغرب، ونيجيريا والنيجر من الشرق وإفريقيا الوسطى جنوبا.

هذا الموقع جعل من تشاد هدفا لقيادات الدول عبر التاريخ، حيث قاومت الإحتلال الألماني، ثم الفرنسي لما يزيد عن 60 عاما قبل أن تحصل على استقلالها سنة 1960. أخذت التشاد أو أرض كانم كما عرفت تاريخيا تسميتها عن “بحيرة تشاد”، وهي اليوم خامس أكبر بلد في إفريقيا بمساحة مليون و284 ألف كم مربّع، وكثافة سكّانيّة تقدّر بـ 15 مليون ساكن وفقا لآخر الإحصاءات الرسمية. ويمثّل حجم مصادر الماء 1.9% فقط من مساحتها مما جعل أكثر من 73% من السكّان لا يتمتعون بالماء الصالح للشراب.

وتتفرّع هذه الأطياف بدورها إلى 5 أصول عرقيّة كبرى تنضوي تحتها حوالي 150 قبيلة أهمها الزغاوة التي ينحدر منها الرئيس الحالي “إدريس دبي” والقرعان والتبو وبارنو والسلالات العربيّة والنيليّة.

يتكلّم الشعب التشادي أكثر من 400 لسان ولهجة، أهمها الفرنسيّة والعربيّة وهما اللغتان الرسميتان بالبلاد، وتحظى العربيّة بالشعبيّة الكبرى بين السكّان بنسبة 70%، بينما تتمركز الأغلبيّة المسيحيّة المتمدرسة بالجنوب والأغلبيّة المسلمة الأميّة بالشمال، حيث بلغت نسبة الأميّة حسب إحصاءات 2016 حوالي 54.5% ليكون بذلك تشاد ثالث أكثر الدول أميّة في العالم.

سياسيا، يسيطر الجنوب المسيحي المتمدرس والثري نسبيا على مقاليد الحكم والثروة، مما أشعل نيران الحرب الأهليّة مع سكان الشمال بعد الاستقلال بخمس سنوات فقط، والتي انتهت بهيمنة الشماليين، ومن هناك انطلقت حرب الإنقلابات العسكريّة الدامية بين رفاق السّلاح من الجانبين، أوصلت آخرها الرئيس الحالي إدريس دبي إلى قصر انجامينا في 1990 مدعوما من طرابلس والخرطوم وحليفته الكبرى باريس.

ونتيجة لتنوع العرقيات والأديان فيها، أصبحت التشاد اليوم شبيهة بلوحة فسيفسائية تجمع مختلف الأطياف والثقافات، إذ يشكَل المسلمون نصف سكانها تقريبا، يليهم المسيحيون الذين يمثلون 40 % من قومها، فيما تتوزع الـ 10 % الباقية على الديانات الإفريقيّة الأخرى.

“لم آتيكم بالذهب ولا بالفضّة وإنما جئتكم بالديمقراطيّة”.. كانت تلك هي العبارة الشهيرة التي نطق بها دبي في أثناء إمساكه بمقاليد الحكم حاملا معه بشائر أمل للشعب التشادي بإنهاء الإقتتال، فكانت أول مبادراته وضع دستور 1996 التوافقي الذي نصّ على الحقّ في ولايتين متتاليتين غير قابلتين للتجديد.

ويبدو أنه لم يكن ديْنا عند صاحبه، حيث ما لبث دبي أن ضرب بالديمقراطيّة عرض الحائط وشغل المنصب لخمس ولايات متتالية بمساندة حليفته الدائمة فرنسا التي تلقّى منها دعما إستخباراتيا ولوجستيا وحتى طبيا، كان آخره في العام 2013 عندما صدّت فرنسا قوّات المعارضة التي حاصرت قصره.

وتتكون الخريطة السياسية لتشاد من 60 تنظيما وتشكيلا سياسيا، يتموقع السواد الأعظم منها في صفوف المعارضين للحزب الحاكم ممثلا في “جبهة الخلاص الوطني”، من أهمها “حركة الوحدة والإشتراكيّة” و”حركة الإتحاد من أجل الجمهوريّة”. ولا يعترف النظام التشادي بعدد من التشكيلات المتمركزة بالمهجر كـ”جبهة تشاد للتحرير الوطني” التي تنشط من الجزائر و”جبهة تشاد الوطنيّة” في السودان و”جيش المقاومة ضد القوات المناهضة للديمقراطية” المتمركز بنيجيريا.

عرفت جمهوريّة التشاد منذ العام 2005 انشقاقات عسكريّة كثيرة، حيث تشكلت على خط الشمال المعارضة المسلحة الرافضة لحكم دبي والتي تقودها الجبهة المتّحدة من أجل التغيير الديمقراطي وجبهة اتحاد القوى من أجل الجمهوريّة وحركة العدل والمساواة، وهي نفس الحركات التي نفذت انقلابات 2006 و2008 و2013 ، تدعمهم في ذلك الميليشيات الليبيّة المسلّحة المدعومة بدورها من قطر.

أما في الجنوب، فقد فتحت جماعات بوكو حرام النار على ساكن انجامينا مفقدة إياهم 40% من ميزان التبادل التجاري مع جيرانهم الجنوبيين، مستغلة انشغاله بردع المعارضة المسلّحة. كما أطبقت فكّها على مياه بحيرة تشاد المصدر الأساسي للماء لكل من تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون.

يذكر أن بحيرة تشاد كانت في ستينات القرن الماضي أكبر مسطّح مائي داخلي في العالم بـ 25 ألف كلم مرّبع، لتنحصر إلى 2000 كلم مربع ، أما الآن فقد انحسرت المياه لجانب تشاد والكاميرون فقط. فيما جفَ جانبها الغربي كليا بسبب عوامل المناخ وسوء التصرّف. على الضفة الأخرى وتحديدا في الصحراء، تنتصب جبهة ثالثة تقودها انجامينا بمساعدة باريس، سعيا إلى محاربة الإرهاب والمتشددين الإسلاميين في مالي المدعومين من حركة أزواد وتنظيم داعش بليبيا وبوكو حرام والمعارضة المسلّحة التشاديّة.

وقد سخرت انجامينا كل جهودها ونخبتها العسكريّة للعب دور إستراتيجي بالمنطقة ونجحت في خفض ترتيبها في مؤشر الإرهاب العالمي حيث احتلت الرتبة 38 عالميا لسنتي 2019 و2020. وإلى جانب فرنسا، تتصارع أمريكا والصين وهولندا وإيران أو ما يعرف بالقوّة الخماسيّة حول نصيب الأسد من مخزون الموارد الطبيعيّة، خاصّة بعد اكتشاف مخزون هام من النفط سنة 2003.

وتحتوي الأراضي التشاديّة على مخزونات هامّة من الذهب والحديد واليورانيوم والزنك والرخام، إلاّ أنّها لم تستفد منها حتى الآن وهو ما يفسّر تدني مرتبتها في مؤشر التنمية البشريّة في العالم الذي تحتل فيه المرتبة 167 من بين 177 دولة. كما أنها من الدول المنخفضة الدخل، حيث لا يتجاوز مدخول الفرد 240 دولارا سنويا، وترتفع فيها مؤشرات البطالة والفقر لـ63 % وتتدنى مؤشرات الصحّة والتعليم. وتصل نسبة المساعدات من الدول الأخرى لتشاد حوالي 11% من إجمالي الدخل وقد زادها نزوح حوالي 200 ألف لاجئ سوداني عبئا إضافيا.

بالرغم من تصاعد المطالب الشعبية المنادية بانضمام التشاد إلى جامعة الدول العربيّة ومبادرة القمّة العربيّة سنة 2010، إلا أن هذه المطالب لم تكن مشفوعة بمساعي رسميّة جدّية من الرئيس دبي، الذي يرى مراقبون أن أولوياته انكبت على توطيد العلاقات مع “إسرائيل” التي ستسمح لها بقيادة بيادقها نحو القارة الإفريقية، بعد شوط أول من ربط أواصر التعاون في يناير 2019 بإعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد 40 سنة من الإنقطاع.